آل الأغر (الغُر)

من قبائل منسوبة لآل البيت بالمدينة المنوّرة

وقف الكلية السورية الانجيلية عام 1286هـ بشهادة الشيخ خليل الأغرّ ابن المفتي احمد الأغرّ ونقيب السادة الاشراف عبد الرحمن النحاس والشيخ ابو حسن الكستي وسواهم، على ان يكون متولي الوقف رئيس الجامعة دانيال بلس

من الأُسر الإسلامية البيروتية، تعود بجذورها إلى القبائل العربية لا سيما قبيلة الخزرج من الأزد من ‏القحطانية، من بني الأغر بن معاوية بن كعب، وهي من القبائل المنسوبة لآل البيت النبوي الشريف، ‏وقد أسهمت في فتوحات مصر خاصة ومن ثم بلاد الشام والمغرب العربي والأندلس. ويشير ابن الأثير ‏في كتابه «اللباب في تهذيب الأنساب» 1/77: من أن جماعة الأغر من المدينة المنورة برز منها المحدث ‏عبيد الله بن أبي عبد الله الأغر وهو مدني روى عنه الإمام مالك بن أنس، وقيل له: الأغر لغرة في ‏وجهه. كما برز من قبيلة الخزرج مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب.‏

توطن أجداد أسرة الأغر في مصر لقرون عديدة، وما يزال فرع من الأسرة مقيماً في مصر، وفي أواخر ‏القرن السادس عشر الميلادي توطنت الأسرة في باطن بيروت المحروسة بالقرب من الجامع العمري ‏الكبير.‏

برز من أسرة الأغر في العهد العثماني السيد مصطفى الأغر (الغر) وهو من كبار التجار البيارتة، ومن ‏كبار أثريائها، غير أن تجارته أصيبت بنكسة من جرّاء حادثة لسفينته في البحر، الأمر الذي أدى إلى ‏وفاته شاباً. برز من أنجاله قاضي ومفتي بيروت العلامة الشيخ أحمد أفندي الأغر (1783 - ‏‏1858م). ويلاحظ من خلال تسلسل نَسَبه الشريف أنه من أسرة علم وعلماء، فهو السيد الشيخ ‏أحمد أفندي الأغر ابن التاجر الشيخ مصطفى، ابن الشيخ أحمد، ابن الشيخ إبراهيم، ابن الشيخ علي، ‏ابن الشيخ إبراهيم، ابن الشيخ أحمد أفندي قاضي بيروت الأسبق ابن الشيخ عمر الأغر (الغر) ‏البيروتي.‏

هذا، وقد ارتبط اسم أسرة الأغر منذ العهد العثماني إلى اليوم باسم العلامة الفقيه مفتي بيروت ‏وقاضيها ونقيب السادة الأشراف فيها السيد الشيخ أحمد أفندي الأغر، وقد نشأ يتيماً في كنف ‏أخواله من آل القرقوطي، غير أنه تميز بالذكاء وحب العلم، فعمد آل خرما إلى مساعدته في تلقي ‏العلم على عالم عصره مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله (1768 - 1844م)، ثم سافر إلى ‏دمشق فأخذ عن علمائها وفي مقدمتهم السيد الشيخ محمد أمين أفندي ابن عثمان الإسلامبولي قاضي ‏دمشق، ومنهم الشريف السيد الشيخ محمد ابن الظاهر الحسني المغربي أحد علماء عصره، ومنهم أيضاً ‏الشيخ حسين المشيشي التونسي المغربي الشهير، وشيخ المحدثين الشيخ حامد العطار، والسيد الشيخ ‏عبد الرحمن الكزبري الدمشقيين، وقد سكن خلال إقامته في دمشق في رحاب المسجد الأموي لعدم ‏قدرته على استئجار منزل ولو متواضع.‏

ولما عاد الشيخ أحمد الأغر إلى بيروت المحروسة، نال موقعاً علمياً مميزاً بين أقرانه، الأمر الذي دعا ‏متسلم المدينة العثماني إلى تعيينه قاضياً على مدينة بيروت عام (1224هـ/ 1810م)، رغم صغر ‏سنّه، فقد كان في سن السابعة والعشرين من عمره، وكان طموحاً لأن يكون له موقعاً مميزاً، علماً أن ‏وجهاء بيروت بدأوا يشعرون بأن طموح هذا الشاب أكبر من عمره. ومهما يكن من أمر، فإن علم ‏الشيخ أحمد الأغر أهلّه لفرض نفسه على المرجعيات السياسية والدينية، فقد استعان به الأمير بشير ‏الشهابي الكبير ليكون مساعداً شرعياً ومستشاراً قانونياً له، غير أن العلاقات بينهما توترت فيما بعد. ‏ويذكر أنه عندما توترت الأوضاع السياسية والعسكرية في جبل لبنان، حاول الأمير بشير النزول من ‏بيت الدين إلى بيروت بعد استئذان والي صيدا عبد الله باشا، فوصل الأمير بشير إلى بيروت فخرج ‏للقائه عام (1237هـ/ 1821م) متسلم المدينة خليل كاشف، ومفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف ‏فتح الله، وقاضي بيروت آنذاك الشيخ أحمد الأغر (الغر)، وقد اتفق الثلاثة مع أهل بيروت المحروسة ‏على منع الأمير بشير من دخول بيروت، مما اضطره للسفر إلى عكا في (18 ذي القعدة 1237هـ/ 6 آب 1822م).‏

وبسبب المنافسات الاجتماعية البيروتية والتنافس السياسي الأمر الذي دعا درويش باشا والي الشام ‏إلى إصدار قرار بنفيه إلى اللاذقية في 22 ذي القعدة عام (1237هـ). وبعد مضي سنة على نفيه ‏أصدر والي صيدا وتوابعها السيد عبد الله باشا مرسوم شريف بإعادته إلى بيروت، فعاد إليها في شهر ‏رمضان المبارك عام (1238هـ/ 1824م) حاكماً شرعياً. والأمر اللافت للنظر، أن الشيخ أحمد ‏الأغر باعتباره حاكماً شرعياً عادلاً، فقد اختلف كثيراً مع الولاة العثمانيين الأمر الذي وضعه في ‏وضع حرج وصعب في أكثر من مرة، ففي السابق نفي إلى اللاذقية، كما نفي مجدداً إلى طرابلس لمدة ‏أربعة شهور، كما عزل من منصب القضاء أكثر من مرة، وقد أشارت بعض المصادر التاريخية ‏المعاصرة من أن بعض حسّاده قاموا بدور سلبي مع السلطات العثمانية لنفيه واضطهاده.‏

في عام (1247هـ/ 1831م) أصبحت علاقة الشيخ أحمد الأغر جيدة بوالي صيدا وبالحكم المصري ‏في بيروت وبلاد الشام، وباعتباره من أصل مصري، فقد أصبح مفتياً لبيروت وقاضياً لها في آن واحد، ‏وقد أعطاه الحكم المصري نفوذاً قوياً في بيروت، غير أن انسحاب المصريين من بيروت وبلاد الشام ‏عام (1840م) أضعف نفوذه، فعزل عام (1258هـ/ 1842م) من منصب الإفتاء.‏

استمر وضع العلامة الشيخ أحمد الغر متأرجحاً بين تعاظم نفوذه وإِضعافه، بين سنة وأخرى، حتى ‏وفاته في 11 رمضان المبارك عام (1274هـ/ 1858م)؛ لأنه كان مؤمناً بالقول والحديث الشهير: ‏‏«بئس العلماء الذي يقفون أمام أبواب الأمراء، ونِعْم الأمراء الذين يقفون أمام أبواب العلماء».‏

حزن البيارتة وحزنت بيروت المحروسة على وفاة عالمها الكبير وقاضيها ومفتيها ونقيب سادتها ‏الأشراف، فشارك متسلم بيروت العثماني، والسادة العلماء والأعيان وجمهور البيارتة في تشييعه في ‏اليوم الثاني من وفاته، يوم الأحد في 12 من رمضان المبارك عام (1274هـ/ 1858م)، وحملوه ‏على الأكف في مأتم عظيم من منزله قرب الجامع العمري الكبير إلى جبانة الصمطية (السمطية) جبانة ‏العلماء والسادة الأشراف والمفتين والوجهاء والأعيان في بيروت المحروسة. وكان قد ترك سبعة أولاد ‏ذكور وخمس إناث، وقد عرفت بعضهم من خلال سجلات المحكمة الشرعية في بيروت منهم: الشيخ ‏مصطفى، الشيخ خليل، الشيخ القاضي علوان الغر، فاطمة، حليمة من زوجته السيدة أسمى عز الدين. ‏أما أولاده السادة: الحاج سليم وهلال وعنبرة فمن زوجته السيدة كلثم الصقعان (السجعان) ومن ‏زوجته السيدة سلمى حمود، فقد أنجب السادة: محمود ومحمد والشيخ عبد المجيد.‏

والأمر الملاحظ أن العلامة الشيخ أحمد الغر لم يكن عالماً وفقيهاً فحسب، بل كان شاعراً بارزاً، فقد ‏نظم شعراً في سقوط مدينة عكا على يد القائد إبراهيم باشا عام (1831م)، كما نظم شعراً في الإمام ‏الأوزاعي رضي الله عنه ثبت على الشاهد الغربي لضريح الإمام جاء فيه:‏

هذا ضريح إمام العلم الأوزاعي

فيه يجيب إلهي دعوة الداعي
بشرى لزائره حاجاته قُضيت ونال ذو السقم فيه برء أوجاعِ

فاقصده يا طالب الخيرات أن له

بكل ما تبتغيه طولة الباع

عليه رحمة ربي ما بدا قمر

أو طاف بالبيت عبد أو سعى ساعي

كما نظم الشيخ أحمد الغر شعراً نقش على ضريح الأميرة شمس زوجة الأمير بشير الشهابي في بيت ‏الدين، وعلى ضريح الشيخ محمد المغربي في اللاذقية، ونظم شعراً عام (1267هـ) بمناسبة زفاف ابنته ‏السيدة عنبرة الغر زوجة السيد عمر البربير وهي جدة الرئيس صائب سلام وأشقائه وشقيقاته وفي ‏مقدمتهن السيدة عنبرة سلام التي سميت باسمها.‏

للشيخ أحمد الأغر مؤلفات ودواوين عديدة منها: ديوان شعر، مخطوط «دليل التيهان والحيران إلى ‏معرفة حكم الكشف المضر على الجيران» وكتب عديدة منها على سبيل المثال: الطهارة، الصلاة، ‏الزكاة، النكاح، الرضاع، الحوالة، الهبة، الطلاق، الوكالة، السرقة، الدعوى، الوديعة، المضاربة، ‏الكفالة وسواها.‏

ومن الأهمية بمكان القول: أنه في الوقت الذي قام الشيخ أحمد الغر بنظم الشعر مادحاً، فقد قام علماء ‏آخرون بنظم شعر بمدحه منهم على سبيل المثال: أستاذه مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله ‏‏(1786 - 1844م) الذي نظم فيه قصيدة مطولة تتضمن صفاته وخصاله وعدله وجرأته. ومما جاء ‏فيها:‏

يميل إلى كسب المعارف والعلى

يرى أن هذا الكسب من أحسن الكدح

أخو العلم، رب الفهم، زند ذكائه

يريك - وإن لم يوره - أحسن القدح

ومن عدله تاه القضاء تفاخر

وأبعد عنه الجَودبالزيح والزح

يصول بقولِ الحق، لم يخش لائماً

ويأمر بالمعروف، وينهى عن القبحِ

أبو البر والمعروف في لين جانب

أخو الحِلم رب الصدق في الجد والمزح

حميد المزايا والخصال، وقد حوى

كريم السجايا كالسخاوة والصفح

كما نظم الشيخ ناصيف اليازجي شعراً مادحاً الشيخ أحمد الأغر، ومما نظمه:‏

شاعر ينظم القوافي عقوداً

دونها في الرؤوس عقدُ الأَكلَّه

وهو قاض يقوم بالقسط ببين الـ

ناس قد أحكم الخطاب وفصله

راحمّ في سوى القضاء رؤوفّ يبتغي عفوهُ وينصرُ عدله

كان السيد الشيخ أحمد الأغر (الغر) رحمه الله علماً وعالماً وحاكماً وقاضياً وشاعراً وفقيهاً ومفتياً ‏ونقيباً للسادة الأشراف، وكان وجيهاً ومؤثراً في بيروت المحروسة وفي البيارتة، بل كان مؤثراً في ‏القادة والسياسيين والولاة العثمانيين. إن إحياء تراث هذا العالم الجليل هو إحياء لعلماء بيروت ‏المحروسة، وإن إحياء ذكراه هو إحياء للقيم والمبادئ والمثل التي تمثلها بيروت ويمثلها البيارتة. ومما ‏يؤسف له أن دارته ودارة أجداده في باطن بيروت بالقرب من الجامع العمري الكبير قد هدمت منذ ‏عهد الانتداب الفرنسي من جملة ما هدم بحجة توسيع طرقات وأسواق المدينة المحروسة التي تحتاج إلى ‏الحفاظ على تراثها وذاكرتها التاريخية.‏

ولا بد من الإشارة إلى بروز عدد كبير من أسرة الأغر في بيروت في العهد العثماني منهم أنجال الشيخ ‏أحمد الأغر المشار إليهم سابقاً. كما برز من الأسرة السادة: حسين، عبيد، ومصطفى بن يوسف ‏الأغر (مواليد عام 1891م) ونجله المهندس نجيب مصطفى الأغر (مواليد 1927م) وأنجاله السادة: ‏المهندس كريم ونائلة وندى، ولكريم الأغر مؤلف «بيان خلق الإنسان من السنّة والقرآن». كما عرف ‏من الأسرة السادة: يوسف وسعيد ونجيب أنجال يوسف الأغر، والسادة: أحمد وعلي وعبد الله وحامد ‏وعبد الرحمن أنجال السيد محمود الأغر، كما عرف السيد يوسف الأغر وله ولدان مصطفى وهاني ‏الأغر، وعرف أيضاً السيد عارف الأغر وأنجاله جميل وجلال ونعمت. وكان عارف الأغر ضابطاً في ‏الجيش العثماني في فترة الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م) وبعد انتهاء الحرب وهزيمة الدولة ‏العثمانية غادر مع عائلته بيروت وتوطن في إستانبول. وعرف من أسرة الأغر حديثاً السادة: توفيق ‏محيي الدين، حامد علي، عارف حسن، عبد المجيد علي، فؤاد حسن، محيي الدين توفيق، نجيب، نور ‏الدين أحمد، هاني يوسف، وسيم عارف، يوسف مصطفى الأغر والسيدة مريم الأغر عقيلة المهندس ‏محمد طبارة وسواهم.‏

ومما يؤسف له أن أسرة الأغر العريقة، عربية الجذور، شريفة الأصول والنَسَب، المتوطنة في بيروت ‏المحروسة منذ أكثر من أربعمائة عام ما تزال قليلة العدد.‏

أما الأَغَرّ أو الغَرّ لغة فهو لقب للرجل كريم الأفعال، وهو لقب للسيد الشريف ولقب للمتقدم في ‏قومه. أما الغُرّ بالضم فهو من كان في وجهه بياض كما في جبهة الفرس، كما أن الغُرّ والغرة هي ‏مقدمة الشعر في الرأس، ويُعطى هذا اللقب اصطلاحاً للوجهاء والبارزين والمتقدمين في قومهم.‏

 

‏(للمزيد من التفاصيل انظر المصادر والمراجع التالية: أسد رستم: الشيخ أحمد الغر والقضاء في بيروت، ‏المشرق، حزيران 1933م، ص401 - 408؛ الأمير حيدر الشهابي: لبنان في عهد الأمراء الشهابيين ‏‏3/725، 849 - 850؛ ديوان المفتي عبد اللطيف فتح الله 1/ 477 - 481، تحقيق زهير فتح ‏الله؛ أوراق لبنانية، م2، 6/289 ـ 293؛ لحد خاطر، الشيخ بشارة الخوري الفقيه (1805 - ‏‏1886م) ص83؛ حسان حلاق: التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في بيروت والولايات ‏العثمانية في القرن التاسع عشر، ص139، وكتاب: أوقاف المسلمين في بيروت في العهد العثماني، ‏ص42، 50، 53، 79، 107؛ الشيخ طه الولي: بيروت في التاريخ والحضارة والعمران، ‏ص282؛ نجيب مصطفى الأغر: الشيخ أحمد الأغر العالم والفقيه (1783 - 1858م) بيروت، ‏‏2002م، فضلاً عن وثائق وسجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة وسواها).