آل الدَّنا

من الأسر الإسلاميّة البيروتيّة واللبنانيّة والعربيّة، تعود بجذورها إلى القبائل العربيّة في شبه الجزيرة العربيّة، وهي من القبائل التي اسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام والعراق والمغرب العربي والأندلس، وهي من الأسر الشريفة المنسوبة لآل البيت النبوي الشريف. وتشير مصادر الأنساب إلى عدة قبائل عربية حملت لقب الدنداني والدنادلة والدنانة وشبيه بهذه المصطلحات، كما عثرت على منطقة سورية تعرف باسم (الدنا دانية). لقد أورد ابن الأثير قبيلة الدناداني برز منها قديماً المحدث أبو صالح الهذيل بن حبيب الدناداني البغدادي المتوفي بعد عام 190هـ كما برز سواه. وورد في مصادر الأنساب اسم عشائر الدنادشة من عشائر الشام، وقبائل الدنادلة من قبائل الفرات الأوسط والرقة ودير الزور. كما ورد اسم قبائل دنانة بطن من العمران من عشائر العراق. كما عرفت بلاد الشام قرية دناجي في قرى وادي العجم في سورية. وفضلاً إلى ذلك، فقد أوردت بعض المصادر اسم فرقة دينية عرفت باسم فرقة «دنادا»، كما اعتبرت هذه المصادر أن فرقة كردية أتت إلى مدينة حلب حوالي عام 1265هـ من أنحاء أورفة وسروج، عرفت فروع منها باسم «أورفلي» وباسم «سروجي». وبدون أدنى شك، فإن هذه المعلومات تتناقص مع الجذور التاريخية لآل الدنا التي تعود بجذورها للنسب النبوي الشريف، غير أ، بعض كبار السن من آل الدنا أكدوا بأن جذورهم سورية من منطقة القامشلي، وأن أحد أجدادهم لقب باسم رضوان الدنا، وهو فرع منسوب بدوره إلى آل البيت النبوي الشريف، مما يؤكد على أنهم من أصل عربي. ومن الأهمية بمكان القول، بأنه من خلال بحثي في وثائق وسجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة في فترة العهد العثماني لا سيما السجل1263-1265هـ، فقد تبين لي بأن فرعاً من آل الدنا حمل لقب «الدنا شَنْكْشير» ومن بين هؤلاء الحاج محمد بن المرحوم السيد سعيد الدنا شنكشير. وهذا اللقب استمر لسنوات قليلة مع هذا الفرع، ثم تم التخلي عنه. ولقد تبين لي بأن لقب «شنكشير» يعني مايلي:

1- شنكشير أو جاشنكير من جاشن بمعنى التذوق وكير بمعنى الآخذ أو المتذوق، وهو مصطلح فارسي الأصل دخل إلى التركية. وفي المصطلح فإن شنكشيرأو جاشنكشير تعني متذوق الأكل والشراب قبل أن يتناوله السلطان خوفاً من أن يدس فيه السُّم. وقد تولى هذا الشخص أو سواه في العهد العثماني منصب «جاشنكير باشي» أي رئيس متذوقي الأكل والشراب، كما يمكن لهذا الشخص أن يكون كبير متذوقي الطعام السلطاني أو «عشي باشي» أي كبير طهاة الطعام الخاص بالقصر وبالسطان وبالوزراء.

2- يأتي مصطلح «شَنْك» منفرداً بمعنى الشخص السعيد المليء بالبهجة والطرب. كما يطلق المصطلح على الاحتفال الذي تطلق فيه المدافع والنيران والأسهم الملونة، كما يطلق المصطلح على اطلاق المدافع في الأوقات الخمسة بعد كل أذا. ويرى كبار السن من آل الدنا، أنه نظراً لنسيم النبوي الشريف، فقد أوكل أحد ولاة بيروت في العهد العثماني لأحد أجداد الأسرة مهمة الإشراف على اطلاق المدفع في شهر رمضان المبارك والأعياد والاحتفالات الرسمية، لهذا أطلق على ذلك الجد لقب «الدنا شنكشير». وهذا، ومن الملاحظ بأن الأسرة الدنا من الأسر البيروتيّة الأصيلة، فمنذ عام 1259هـ-1843م ورد في سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة أسماء من أفراد الأسرة منهم على سبيل المثال السيد محمد ابن الحاج عبد القادر الدنا. كما عرف السيد أحمد الدنا الساكن في باطن بيروت مذن عام 1843 على الأقل. كما تضمنت سجلات المحكمة الشرعية في بيروت الكثير من بيوت ومنازل وحدائق آل الدنا قرب السراي وجامع السراي. ومن مشاهير آل الدنا عبد القادر الدنا الذي اشتغل في الميادين السياسية والصحافية والاقتصادية والاجتماعية والبلدية والتربوية، فهو أحد رؤساء بلدية بيروت في العهد العثماني بين أعوام1905-1908، كما تولى رئاسة مجلس تجارة بيروت عام 1899، وكان في هذا المنصب حتى عام 1890 حسيما جاء في رحلة عبد الرحمن سامي بك. كما تولى رئاسة جمعية المقاصد الخيرية الإسلاميّة في بيروت عام 1907 كما أشار سليم علي سلام (أبو علي). عمل مع أخيه السيد محمد رشيد الدنا في صحيفة «بيروت» ومطبعة بيروت1886 الكائنة في سوق سرسق، والتي توقفت عن الصدور عام 1902. ترأس عبد القادر الدنا عام 1905 تحرير هذه الصحيفة بالتعاون مع أخيه الآخر السيد محيي الدين الدنا. قام عبد القادر الدنا بتعريب كتاب أحمد جودت باشا «تاريخ الدولة العثمانية». ومن المعروف أن السيد عبد القادر الدنا كان قد أصبح من وجهاء بيروت والدولة العثمانية، لذا أوكلت إليه مهمة إلقاء خطاب في أيلول عام 1907 بمناسبة تدشين «مكتب الصنائع والتجارة الحميدي» (أي وزارة الداخلية اليوم). وكانت دارته مقصد العلماء والوجهاء وذوي الكرامات. وبرز من أسرة الدنا السيد محمد رشيد الدنا (1857-1902) صحافي لبناني، ولد وتوفي في بيروت المروسة. أنشأ مطبعة بيروت عام 1885، وصحيفة بيروت عام 1886. قام بتحريرها حتى وفاته عام 1902. تولى الدنا. كما برز من أسرة الدنا من ذوي الأملاك السيدة أسما بنت ابراهيم الدنا. وكان رجالات آل الدنا موضع ثقة المجتمع البيروتي، لهذا فإن السيدة نفسية الصيداني أو كنت الحاج حسين بن الحاج رضوان الدنا في غرة ربيع الأول عام 1282هـ ليقوم بوقف منزلها الكائن في حي الباشورة وفقاً صحيحاً شرعياً على السيدة نفسية الصيداني، ثم من بعدها على من ذكرتهم، وإذا انقرضوا جميعاً عاد ذلك وفقاً على مصالح زاوية الباشورة. واستمرت أسرة الدنا في البروز في عهد الانتداب الفرنسي وعهود الاستقلال، غير أن البروز الأكثر تميزاً، والأكثر شهرة، كان مع النائب والوزير السابق القاضي عثمان مصباح الدنا (1921-) من مواليد بيروت. تلقى دروسه الابتدائية والثانوية في مدارس المقاصد الخيرية الإسلاميّة في بيروت، وفي مدرسة اللاييك الحديثة. درس الحقوق في الجامعة القديس يوسف (اليسوعية) ونال الاجازة منها عام 1946. في عام 1947 عُين مستشاراً في محكمة استئناف المغرب، وفي عام 1951 عُين مدعياً في محمكة استئناف بيروت. في عام 1965 أسس حركة العمل الوطني، وكان رئيساً لها منذ عام 1960 انصرف إلى العمل الأساسي، فاستقال من القضاء، وترشح للنيابة عن دائرة بيروت الثالثة، فانتخب نائياً في دورات أعوام1960، 1964، 1968، 1972، واستمر نائباً حتى عام 1992 بحكم قوانين التمديد للمجلس النيابي. وكان عضوا في لجان نيابية عدة منها على سبيل المثال: لجان الزراعة، الإدارة والعدل، الصحة العامة، الشؤون الخارجية. عين عدة مرات وزيراً في عدة وزرات على النحو التالي:

1-   1960 وزيراً للأشغال العامة والنقل في حكومة الرئيس صائب سلام.

2- 1961 وزيراً للتصميم العام في حكومة الرئيس رشيد كرامي.

3- 1965 وزيراً للمالية في حكومة الرئيس حسن العويني.

4- 1968 وزيراً للانشغال العامة والنقل في حكومة الرئيس عبد الله اليافي.

5- 1969 وزيراً للموارد المائية والكهربائية في حكومة الرئيس رشيد كرامي.

6- 1969 وزيراً للانباء في حكومة الرئيس رشيد كرتمي.

7- 1973وزيراً للصحة العامة في حكومة الرئيس تقي الدين الصلح.

والأمر الملاحظ، أن الوزير عثمان الدنا رشح أكثر من مرة لرئاسة الوزراء، غير أن عوامل سياسية عديدة منعته من تولى رئاسة الحكومة اللبانية، بالرغم من كفاءته العلمية والسياسية. وكان طيلة حياته النيابية متحالفاً في فترة الانتخابات من الرئيسين صائب سلام وعبد الله اليافي، غير أنه لم يكن في كتلة اي منهما، بل كان شهابياً ينتمي إلى النهج الشهابي سواء أكان ذلك في عهد الرئيس فؤاد شهاب1958-1964. أو الرئيس شارل حلو (1964-1970)، كما كان مقرباً من مفتي الجمهورية اللبنانيّة السابق الشهيد حسن خالد. تميز الوزير عثمان الدنا ببيروتيته الأصيلة، وبجاذبيته الشعبية، لهذا أطلق عليه مصطلح «خيّك عثمان». وكانت الأحياء البيروتيّة وفي مقدمتها منطقة الطريق الجديدة تمثل معقلاً قوياً لأنصاره ولأنسبائه من آل الدنا. لقد أحبه البيارتة لما قدمه له من خدمات وظيفية واجتماعية واقتصادية وانسانية ووطنية وقومية واسلامية ومن الأهمية بمكان القول، بأن الوزير السابق عثمان الدنا. كان من الوزراء الناجحين في جميع الوزارات التي تولاها بين أعوام1960-1973، علماً أن تلك الفترة شهدت تطورات سياسية وأمنية على غاية من الأهمية والخطورة، بما فيها تطورات القضية الفلسطينية، والسلاح الفلسطيني، والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة. كما عرف عنه، بذل مساعيه الحميدة بين أعوام1975-1990 لانهاء الحرب الأهلية اللبنانيّة ومن المعروف عنه أنه اسهم اسهاماً بارزاً في مباحاث ومداولات اتفاق الطائف عام 1989. في عام 1992 جرت الانتخابات النيابية، ولم يحاول عثمان بك الترشح، هكذا في جميع الدورات الانتخابية النيابية، فاعتكف عن العمل في السياسة، ولم يستقل من الاشتغال في العمل الوطني، لهذا، فقد كان عضواً مؤسساً في تجمع الحركة الوطنية عام 1993. ومنذ هذا التاريخ حتى عام 2005 كان صديقاً ومقرباً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري. للوزير عثمان الدنا اسهامات قانونية ودستورية ونيابية ووزارية وثقافية، وله الكثير من المحاضرات والندوات السياسية، تضمنت آراء واقتراحات حول مستقبل لبنان، من بينها على سبيل المثال محاضرة «التصميم ومستقبل لبنان» التي ألقاها من ضمن محاضرات الندوة عام 1964. هذا وما يزال «خيّك عثمان» فاعلاً ومتفاعلاً مع المجتمع البيروتي في مناسباته السياسية والاجتماعية والانسانية، ومايزال مقرباً من القيادات والأسر البيروتيّة يقوم بتقديم واجباته نحو مجتمعه وكأنه مايزال نائباً أو وزيراً. وبرز في منطقة الطريق الجديدة الحاج محمود الدنا، وقد كان فاعلاً وناشطاً في الحياة السياسية والوطنية، وكان مقرباً من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتى وفاته علم1970، ومقرباً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري. أسهم في الكثير من الأعمال الخيرية والانسانية، كما نبى مسجداً باسمه في شارع صبرا تقرياً لله تعالى، أوصى بدفنه في رحابه وزوجته، وقد تحققت أمنيته بعد وفاتهما. من أولاده البارزين إبراهيم، عبد الرحمن، عبد الناصر، رجل الأعمال عثمان محمود الدنا وطارق وكريماته: هدى، منى، ودينا. وعرف من أسرة الدنا في التاريخ المعاصر العديد من الأطباء والمهندسين والصيادلة والصحافيين والتجار والعلماء ورجال الأعمال وسواهم منهم على سبيل المثال السادة: ابراهيم محمود، أحمد رضوان دنا، أحمد عبد الرحمن، أسامة، بلال سعد الدين، بلال عبد الغني، بلال مروان، جهاد منير، حسام محمد، حسن رضوان، خليل مصطفى، رفيق رضوان، المرحوم رياض رضوان دنا مدير سابق لبنك لبنان والمهجر- فرع المزرعة، زهير رضوان، سامر فاروق، الطبيب الدكتور سعد الله أنيس، سعيد صبحي، سليم نور الدين، سمير أحمد، شفيق أمين، شفيق توفيق رضوان، صلاح الدين حسن، عبد الرحمن محمود، عبد الناصر محمود، عدنان محمد، عفيف سعد الدين، عفيف محمد سعيد، عماد محمد أمين، عمر مصباح، فاروق حسن، فؤاد سعد الله، فؤاد محمد رضوان، فيصل شفيق، قاسم ملحم كمال، محمد أمين عبد الرحمن، محمد رشيد شفيق، محمد رفيق مصطفى رضوان، محمد فؤاد، محمد سهيل، محمد مليح، محمود ابراهيم، محمود أحمد رضوان، مروان محمود، مصطفى صبحي، معتصم حسن رضوان، مليح صبحي، منذر أحمد منير أحمد، المرحوم نور أحد وجوه الطريق الجديدة، هاني عثمان، وجيه رضوان، الطبيب الدكتور وليد الدنا، وليد أمين، وليد مصطفى الدنا وسواهم. ولا بد من الإشارة، إلى أن أسرة الدنا من الأسر البيروتيّة الأصيلة القديمة التي كانت متوطنة منذ العهد العثماني في داخل سور بيروت وبقربه، ثم بدأت بالانتشار في مختلف المناطق البيروتيّة. وقد ذكر لي والدي الحاج علي أحمد الحلاق المتوفى عام 1976، ووالداتي السيدة رمزية سعيد الحلاق المتوفية عام 1993، بأن أسرة الدنا من أقدم الأسر البيروتيّة التي توطنت في منطقة الطريق الجديدة، ففي الوقت الذي انتقل جدي الحاج أحمد محمود الحلاق وعائلته من منطقة النويري إلى منطقة الطريق الجديدة عام 1918، كانت أسرة الدنا متوطنة في المنطقة قبل عام 1918، بل قبل عام 1914، لهذا فإن وجودها الكثيف والقوي مايزال في منطقة الطريق الجديدة. أما فيما يختص بمصطلح الدنا لغة واصطلاحاً، فهي بالاضافة إلى اسم لاحد قبائل العرب، غير أنها تأتي بعدة معانِ منها:

الدَنَا تطلق على الرجل الذي دَنَا واقترب، أو دنا أجله.

الدَنَا تطلق على الرجل الذي يتميز في انحناءة في الظهر.

الدنا تأتي بعدة معانِ سبق أن اشرنا إليها.