آل عز الدين
يُنسَبون لآل البيت دورهم كبير في الفتوحات العربية - الإسلامية
من الأسر الإسلامية البيروتية والطرابلسية واللبنانية والعربية، كما انتشرت في مناطق لبنانية عديدة. تعود بجذورها إلى شبه الجزيرة العربية، وهي من القبائل المنسوبة لآل البيت. وقد أسهمت في الفتوحات العربية والإسلامية لبلاد الشام ومصر والعراق والمغرب العربي. وبعد انتشار قبائل عز الدين في بلاد الشام، توطن فرع منها في طرابلس الشام وفي بيروت، فضلاً عن جبل عامل وبلاد عكار والشوف في جبل لبنان. وما تزال عشيرة عز الدين في دير الزور وفي بلاد حوران عامة، وفي محافظة حماه، ويردها بعض النسابين إلى قبائل النعيم.
أسرة عز الدين من أسر بيروت الإسلامية القديمة. يوجد لوح من الرخام مثبت على الحائط الشمالي للحجرة في الركن الجنوبي الغربي للجامع العمري الكبير، نحت عليه نص من ثلاث أسطر هو: السيد أحمد بن عز الدين. جدد هذا المحل/ لله كان فأرخوا ولذكره / سنة 1077 (1666 - 1667م).
وورد في دفاتر الطابو العثمانية أسماء بعض أفراد هذه الأسرة: إبراهيم وأحمد ومحمد عز الدين.
وفي سنة 1096 هـ وقف الشيخ علي بن محمد القصار «مخزناً في أسكلة بيروت وقبواً في محلة شويربات سفلي بيت الحاج محمد بن حندس». وفي سنة 1104هـ وقف «حديقة بجانب سور بيروت لصيق حمام الأوزاعي وحديقة ثانية تحدها بيوت بني القباني» وذلك على مصالح المدرسة المعروفة بإنشاء الواقف (المعروفة فيما بعد بزاوية القصار) وكان من بين الشهود اسم «الفقير إليه سبحانه عز الدين».
وتشير سجلات المحكمة الشرعية في بيروت في القرن التاسع عشر إلى العديد من آل عز الدين البيارتة نذكر مهم على سبيل المثال السادة: بكري عبد الحي عز الدين، قاسم محمد حمودي عز الدين، الحاج غندور بن يوسف عز الدين، وشقيقه خليل بن يوسف عز الدين، كما عرف من الأسرة السيد زين عز الدين. وأهم ما اشتهرت به الأسرة السيد زين عز الدين. وأهم ما اشتهرت به الأسرة في العهد العثاني هو «وقف حسن عز الدين» في سوق العطارين في باطن بيروت.
وبرز من الأسرة في أواخر القرن التاسع عشر السيد راغب عز الدين أحد مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت في شهر شعبان 1295هـ-تموز 1878م. كما برز في العهد العثماني أحد وجهاء بيروت مصطفى بك عز الدين. كما برز في الدولة العثمانية ولي العهد السلطاني الأمير يوسف عز الدين.
ولا بد من الإشارة أيضاً، بأن وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت لا سيما السجل (1276-1278هـ) ص (414) تشير إلى أصول وجذور واحدة بين آل الميقاتي وآل عز الدين، فقد أشار السجل إلى «الحاج سليم ابن المرحوم محمد الميقاتي عز الدين» مما يؤكد الأصول والجذور الواحدة للأسرتين.
ومن إنجازات أسرة عز الدين في باطن بيروت المحروسة إنشاء بناء تجاري ضخم عام 1929 يطل شرقاً على ساحة الشهداء وغرباً على جامع السراي (الأمير عساف) بمحاذاة مبنى سينما أوبرا. وقد أعادت الأسرة ترميمه عام 1999 قبل أن تبيعه.
يذكر أن عبد الغني النابلسي زار بيروت سنة 1700 م ودوّن رحلته في كتاب «الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز» وأشار فيها إلى أنه اجتمع في بيروت «بالحسيب النسيب السيد أحمد المشهور نسبه ببيت عز الدين وقد كان قدم علينا إلى دمشق الشام فيما مضى من الأيام في سنة 1093هـ. وكان يحضر دروسنا ويلازم عندنا في كل الحين. وهو رجل من الأفاضل الكرام قوي الصلاح والكمال والخير التام. ويذكر النابلسي أن مولد أحمد عز الدين 1022هـ (فيكون بلغ من العمر ثلاثاً وثمانين عند زيارة النابلسي) وذكر من نظم أحمد قوله:
ثمانون عاماً فما فوقها
|
مضت يا لعمري بلا فائدة |
قضت ولم أكن أشعر بها
|
كأني بها ساعة واحدة |
أيا ضيعة العمر حيث انقضى
|
بآراء سامجة فاسدة |
فيا ليت ما اهتم بي والدي
|
ويا ليتها حاضت الوالدة |
كما ذكر النابلسي لأحمد عز الدين من الدوبيت:
صبري وتجلّدي بإسماعيلا |
والقلب متيّم بإسماعيلا |
و قيل تسلّى عنهما يا هذا |
قالت عيناي لا وأسماعي لا |
وقال النابلسي عن أحمد عز الدين بأن «فيه نباهة اعتقادية وطرف جذبة إلهية». وأن أحمد طالب منه نظم موشح لينشده الفقراء على ذكر الله تعالى كما هي طريقتهم فأجابه إلى ذلك. وفي جلسة ثانية أنشده أحمد عز الدين من نظمه لنفسه قوله:
أرى هذا الوجود خيال الظل |
محركه هو الرب الغفور
|
فصندوق اليمين بطون حوّى |
وصندوق الشمال هو القبور |
كما أنشده من لفظه قوله:
ما خيال الظل إلا |
عبرة لمن اعتبر |
فاعتبر قولي أيا |
هذا تجده معتبر |
وكذا الدنيا شخوص |
تتراءى للنظر |
ثم تمضي وتولي |
مثل لمحٍ بالبصر |
يذكر أن مفتي بيروت الشاعر عبد اللطيف فتح الله (1766- 1844م) كان متزوجاً من السيدة أمينة بنت زين عز الدين.
وقد وصف أهل زوجته بأنهم «أهل الفهوم». وذلك في تأريخ نظمه لوفاة محمد غندور بن زين عز الدين شقيق زوجته سنة 1807م قال فيه:
ذا ضريح يسقيه غيث حنانٍ |
ورضاء من الرحيم الكريم
|
هو روض من الجنان فسيح |
مزهر بالرضوان والتكريم
|
حلّ فيه محمد نجل زين |
من بني عز الدين أهل الفهوم |
قلت في تأريخي له |
حاز قرباً وقبولاً في جنّة ونعيم |
كما أرخ فتح الله سنة 1214هـ/ 1799م وفاة عز الدين بن بدر عز الدين فقال:
ألا كل شيء غير ربك زائل |
وكل شيء سوى الباقي خدين فناء |
ألم تر هذا القبر قد ضمّ درّة |
غدت تزدهي بالحسن بدر السما |
دعاه من الرضوان داع أجابه |
وسار سريعاً نحو دار البقاء |
ومذ كان عزّ الدين كان مقره |
بتاريخه عزّى جنان الرضاء |
وعرفنا بعض أفراد من أسرة عز الدين. ففي وثيقة مؤرخة في السادس من شهر محرم الحرام سنة 1133هـ/ سنة 1720م حضر أحمد زنتوت لدى القاضي الشرعي في بيروت السيد عمر أفندي ووقف الدار الكاينة في محلة باب المصلى بالقرب من حمام ابن معن الشهير بالحمام الكبير وكان من بين شهود الوقف «السيد محمد ع عز الدين النايب».
ذكر المفتي الشيخ أحمد الأغر في ديوان بأن ابن خالته (ابن خالة الأغر) أحمد ابن المرحوم بدر عز الدين طلب منه تأريخ ولادة ولد له سنة 1254ه، سماه محمد عبد الرحمن عز الدين فنظم الأغر:
في شهر مولد خير الخلق والبشر |
ربيع الأول الزاهي على صفر |
جاء السرور وعمّ البشر في ولد |
أتى لأحمد عز الدين ذا خفر |
نجم تولد من بدر الدجا ومن |
شمس الضحى قمر انسلا من الغرر |
سمّاه باسم جمال الكون مبتهجاً |
محمداً فصفا في الدهر من كدر |
فاهنأ أباه به حتى تراه غدا |
أباً وجداً ينال الطول في العمر
|
مع الهنا والمنى وطول المدى أبد |
في راحة السر صافي البال والفكر |
أتاك أرّخ بسعد دايماً بصفا |
محمد عابد الرحمن كالقمر |
وفي السابع من شهر محرم الحرام سنة 1226هـ/ 1811م جرت مقاسمة الدور الي وقفها سنة 1035هـ/ 1625م إبراهيم بن محيي العيتاني والكائنة في محلة الجاموس قرب حمام الأوزاعي وذلك بين أحفاده فكان من الشهود السيد أحمد عز الدين.
وظهر اسم قاسم بن محمد حموده عز الدين في وثيقة مؤرخة في التاسع من شهر رجب الفرد سنة 1231هـ/ 1816م استأجر بموجبها المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله من متولي وقف عمر ابن الشيخ محمد فتح الله المفتي بناء في محلة شويربات.
وقاسم هذا كان متولياً على وقف قفة الخبز الموقوفة على الفقراء في بيروت، كما يتبين من الوثيقة المؤرخة في شهر شوال سنة 1264هـ والتي أوقفت الحاجة عاتكة بنت مصطفى قليلات بموجبها ربع دكان تملكها كائن في سوق القطن.
وتعطينا عدة وثائق معلومات هامة حول وقف قديم في بيروت لأسرة عز الدين وحول العديد من أبناء هذه الأسرة.
ففي الخامس والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1259هـ ادعى عبد القادر صادق النحاس على المستحقين في حينه في وقف «عز الدين» وهم: بكري بن عبد الحي عز الدين الناظر على الوقف، وأحمد بن بدر عز الدين، وعلى الأخوين عبد الغني وقاسم ولدي يوسف عز الدين، طالباً حصة والدته فاطمة زين عز الدين في دور الوقف الكائنة في سوق العطارين. وقد أثبت المدعى عليهم أن الوقف هو على الذكور من ذرية الواقف لا تستفيد منه الإناث ولا ذريتهن، فرد الطلب.
وفي الخامس من شهر جمادى الثانية سنة 1259هـ ادعى بكري بن عبد الحي عز الدين المتولي على وقف جده عز الدين، وقاسم بن محمد حمودي عز الدين الناظر على الوقف، ادعيا على خليل وغندوي ولدي يوسف عز الدين، بأنهما يمران وينتفعان من دار الوقف التي هي دار «حسن عز الدين» بدون وجه شعري. فأجابا بأن جدهما زين عز الدين احتكر واستأجر الأرض سفلي الدار من المتولي والناظر السابقين. وقرر القاضي بناء لفتوى من المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله بأن الشرب والطريق والمسيل يدخل بالإجارة ضمناً، أي: لا حاجة لذكرها في الإجارة، فردت الدعوى.
وفي وثيقة مؤرخة في التاسع من شهر ذي الحجة سنة 1262هـ/ سنة 1846م والمتعلقة بمبايعة «بيت يعلو البركة الكائن داخل القبة تجاه مدرسة الإمام الأوزاعي، وورد بين الشهود اسم عبد السلام بكري عز الدين والحاج عبد الغني الميقاتي عز الدين».
في الثامن والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1263هـ احتكر واستأجر محمد دبوس من بكري عبد الحي عز الدين المتولي على وقف جده الشهير بوقف عز الدين قطعة أرض قرب دار حسن عز الدين.
سنة 1274هـ حكم لسعيد بن أمين عز الدين «الميقاتي» على شقيقه عبد الغني المتولي على وقف جده الأعلى أمين عز الدين الميقاتي بما أنفقه سعيد بإذن المتولي من نفقات إصلاح حارة الوقف في سوق العطارين.
يتبين من وثيقة مؤرخة في السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة 1279هـ أن وظيفة التوقيت في الجامع الكبير العمري كانت موجهة على الحاج سعيد والحاج عبد الغني ولدي أمين الميقاتي، وبعد وفاة سعيد، طلب عبد الغني لعجزه قصر يده عنها لابنه محمد، فوجهت وظيفة التوقيت على حسن بن سعيد ومحمد بن عبد الغني.
وفي التاسع من شهر رمضان المبارك سنة 1284هـ ادعى قاسم بن محمد حمودي عز الدين المتولي على «وقف جده الأعلى السيد محمد ابن السيد أحمد عز الدين». على صاحب عقار ملاصق بنى داراً وسد خمس كوات لبناء الوقف فمنع الضوء بالكلية والقراءة والكتابة حتى صار القبو معطلاً، وبناء لفتوى من محمد أمين الجندي مفتي دمشق ألزم الباني بإزالة بنائه لجهة الكوات.
ووردت في وثائق مختلفة أسماء أفراد من أسرة عز الدين. منهم: يوسف بن زين عز الدين وخليل عز الدين ويوسف وخليل عز الدين وقد عملوا في المحكمة الشرعية سنوات طوال. وعبد الحي بن عبد السلام وابنه عبد السلام الذي كان خبيراً معتمداً لدى المحكمة الشرعية وقد ظهر اسماهما في الفجر الصادق بين المتبرعين.
في السابع عشر من شهر رجب سنة 1309هـ حضر إلى المحكمة الشرعية عبد الله ابن الحاج سعيد بن أمين «الميقاتي» ومحمد مصباح ونجيب وعمر وبشير وسعيد أولاد محمد ابن الحاج عبد الغني بن أمين «الميقاتي» وقرروا بأن الجاري في وقف جدهم... «علي ابن السيد أحمد عز الدين الميقاتي» دار في زاروب عز الدين بسوق العطارين يحدها غرباً «وقف الحاج محمد ابن السيد أحمد عز الدين» وكذلك دكان في سوق العطارين يحدها شمالاً دكان وثق الحاج محمد عز الدين المذكور وأن المتولي الحاج عبد الغني توفي وليس باليد وقفية وأن المتولين السابقين كانوا أمين وشقيقه مصطفى والحاج عبد الغني، والتمسوا تعيين عبد الله متولياً، فأجيب طلبهم.
ونأتي الآن إلى أهم وثيقة خاصة بآل عز الدين وهي مؤرخة في الثاني عشر من شهر جمادى سنة 1266هـ ويتبين منها أن أسماء وخان زاده غلاييني طلبا من خاليهما عبد الغني وسعيد أمين الميقاتي حصة والدتهما من عقارات في سوق العطارين وغيره إرثاً عن والدتهما. وأجاب سعيد عبد الغني بأن بعض ما يدعى به ليس إرثاً بل هو «وثق جدنا الأعلى عز الدين من مدة تنوف عن أربعمائة سنة» على أولاده الذكور والمدعيتان من أولاد الإناث. وثبت الوقف وحصره بالذكور بالبينة الشخصية.
ذكرت هذا كله لأقول بأن أسرة عز الدين هي أسرة الميقاتي، ويرجح أن الأصل يعود إلى أن أحد أبنائها المدعو عز الدين كان عالماً بالميقات والتقويم وعلم الهيئة فتولى وظيفة التوقيت، كما تولاها بعض حفدته من بعده فلقبوا بالميقاتي. فيما احتفظ آخرون من أبناء الأسرة بلقب عز الدين انتساباً إلى جدهم الأعلى.
وكان أخد هؤلاء راغب بن عبد السلام عز الدين الذي شارك في تأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية سنة 1878م. وما علمنا عن راغب المذكور قليل. فقد أفادتنا وثيقة شرعية مؤرخة في السادس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1338هـ/ الحادي عشر من شهر آب سنة 1920م أن استدعاء قدم للقاضي الشرعي من عبد السلام وسعد الدين ولدي عبد الحي عز الدين، والحاج راشد بن خليل عز الدين، ومحيي الدين ومحمد وأحمد عبد السلام أولاد مصطفى عز الدين، وإبراهيم ومحمد عبد السلام وكمال ومحمد خير أولاد محمد راغب عز الدين، يذكرون فيه أنه بمناسبة وفاة محمد راغب بن عبد السلام عز الدين (قبل تاريخ الوثيقة بثلاث سنوات) الذي كان متولياً على وقف جده محمد بن أحمد عز الدين، وطلبوا تعيين أمين بن مصطفى عز الدين متولياً على الوقف، فتقرر إجابة طلبهم.
نقلت جهينة الأيوبي: «أن راغب بك عز الدين هو العالم العلامة حاكم الشريعة الغراء في بيروت».
من الطريق أن نشير إلى أن صحيفة ثمرات الفنون نشرت سنة 1885م لغزاً ذكرت أنه من «الأديب» راغب عزّ الدين ونصه:
ما اسم غدا قلبه مأوى لنا وله |
في الصرف معنى يهزل الهم والكدرا
|
ذاك تصحيفه ينجيك من خطر |
ونصفه ثلثه إن تمعن النظرا |
في البر والبحر قد كانت إقامته |
مع أنه واحد باثنين قد شهرا
|
كما نشرت جريدة الصفا سنة 1889م لغزاً من نظم راغب عز الدين نصه:
زتُ في شيء غدا |
حفظاً لأموال الأنام
|
البحر يغرق جسمه |
لكنه في «القلب» عام |
وقد حلّه أحمد اللبابيدي (شقيق محمد) فقال:
ألفيتُ لغـــــزك مـــــذ فهــــمت رمـــوزه يا ذا الحجــــــا فـــــي مــــفر الألـــواح
|
والتورية في اللغز وحله بين قلب عام (العام في السنة أي حول. وقلب حول: لوح). وما يراد حفظه كان يدوّن في ألواح.
يذكر أن مصطفى بك عز الدين كان أحد أعضاء مجلس بلدية بيروت سنة 1915م.
وكان راشد عز الدين يلاحق حق بني عز الدين في قهوة الحمراء التي استولى عليها نعيم أفندي ناظر الأوقاف العثماني. فقد ذكر الشيخ عبد القادر قباني في ذكرياته: أن نعيم أفندي قدم إلى بيروت سنة 1845م باسم ناظر الأوقاف، وكان بينه وبين شيخ الإسلام قرابة، فطلب وثائق بحجة ضبط أوقاف المساجد الشريفة فجمعها واستولى على بعض الأوقاف وباعها من الناس.
وتأكيداً لذلك وجدنا في صحيفة الأخبار إعلاناً نشر في شهر نيسان سنة 1863م ببيع بعض الأملاك الأميرية وكان من هذه الأملاك: «قطعة أرض بجوار قهوة نعيم أفندي وقطعة أخرى باتصال قهوة نعيم أفندي يحدها غرباً القهوة المذكورة مع البحر وشرقاً الجبانة» ويقصد بالجبانة مقبرة السنطية.
وقد عرفت قهوة نعيم أفندي فيما بعد بقهوة لوقا على اسم مستأجرها: لوقا جورج. وبعد وفاة نعيم أفندي أعلنت زوجته في تموز 1900م عن «مزايدة لبيع ستة قراريط من القهوة مع كافة تقسيماتها ومنتفعاتها المعروفة بقهوة نعيم أفندي والكائنة قرب السنطية (المقبرة) وإن من له رغبة بالشراء فيراجع مدير مطبعة ولاية بيروت.
وفي سنة 1313هـ/ 1894م توفيت زوجة نعيم أفندي المدعوة طيبة حافظ حسن بن عبد الله الكليبولي ووضع أمين عالي بك الدفتر دار في بيروت ووكيل بنت المال يده على ثلاثة أرباع القهوة المذكورة (18 قيراطاً) وكان يحدها قبلة الطريق العام السالك وشمالاً البحر وشرقاً مقبرة السنطية وغرباً بعضه البحر وبعضه الطريق الخاص، فتقدم عبد القادر مصطفى سعد الدين الدنا سنة 1322هـ/ 1904م بوكالته عن الشيخ محمد أبي الهدى الصيادي الرفاعي الشهير- بموجب وكالة من مدير جمرك بيروت في حينه مصطفى بن أحمد ابن الشيخ مصطفى الرفاعي، بدعوى ضد الدفتر دار المشار إليه ومأمور الدفتر الخاقاني في بيروت (السجل العقاري) محرم بك ابن علي ب ابن عمر بك، ادعى فيها بأن زوجة نعيم أفندي كانت قد أوصت قبل وفاتها بجميع مالها من عقار ومنقول ونقود إلى الشيخ أبي الهدى، ومن ضمنها ثلاثة أرباع القهوة وبدلات إيجارها المتجمعة من لوقا جورج والبالغة 69473 قرشاً. وقد أثبت المدعي الوصية، فحكم بتسليم الأموال إلى أبي الهدى.
وكانت بعض الأراضي التي استولى عليها نعيم أفندي تخص أسرة عز الدين البيروتية، ولم يكن باستطاعتهم تخليصها ممن استولى عليها. وقد افتقروا بسبب ذلك وساءت أحوالهم حتى أصبحوا مضرب المثل وقيل في حقهم: يي (أي: ويلي) عليكم يا بيت عز الدين، وهذا المثل كانت تردده المرحومة حبيبة دندن والدة أستاذنا المرحوم سهيل ابن الشيخ محمد العربي العزوزي.
وبعد سقوط السلطان عبد الحميد ووفاة أبي الهدى سنة 1909م طالبت جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت باستلام قهوة نعيم أفندي باعتبار أن أرضها وقف أصلاً ومخافة أن تعبث بها الأيدي.
وكان على آل عز الدين أن ينتظروا سقوط السلطان عبد الحميد ووفاة أبي الهدى، ليتقدموا في سنة 1910م بدعوى تملك القهوة. وأرسل أحدهم الحاج راشد عز الدين رسالة إلى نائب الشرع الشريف في بيروت (القاضي) يطلب منه إنهاء دعواه في القهوة المذكورة لأنها ملك بني عز الدين «لأنه أثبت حقه في تملك هذه القهوة التي كان قد اختلسها أبو الهدى بحجج شرعية لا تقبل النقض. وقد رفعت هذه الدعوى إلى المشيخة الإسلامية مع كافة أوراق المعاملة المتعلقة بها ثم عاد بعد حين العرض حال وحده وبقيت تلك الأوراق في دار المشيخة». وأفاد الحاج راشد بأنه كان كلما راجع النائب (القاضي) يماطله ويعلله مع وأنه حقوق عائلته في الملك المذكور ثابتة لا تحتاج إلى هذه المماطلة.
وطلبت الصحف في حينه من القاضي «أن يهتم في إنجازها إسعافاً لذلك المعوز إذ ليس من الإنصاف عدم الاكتراث لمطالب أمثال هذا الفقير...».
وقد آلت القهوة موضوع النزاع إلى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وعرفت بقهوة الحمراء، وتهدمت مع المقبرة أثناء الحرب اللبنانية.
وممن برز من آل عز الدين في المناطق اللبنانية الأخرى العلامة الشيخ محمود علي عز الدين والشيخ علي عز الدين، والشيخ إبراهيم حسن عز الدين، والدكتور أحمد عز الدين، والأديب علي محمد عز الدين، والدكتور حسان عز الدين، والدكتور جهاد عز الدين. كما برز النائب والوزير السابق حسن عز الدين (1946-2005) من عكار والعلامة بشير عز الدين، والعلامة عبد الرحمن بن عبد الحميد عز الدين، وقاضي طرابلس الأسبق أمين عز الدين، ونجله القاضي زهير أمين عز الدين، والوجيه مصطفى عز الدين رئيس بلدية طرابلس عام 1929، ونجله واصف عز الدين وسواهم الكثير.
وممن عرف من الأسرة حديثاً السادة: إبراهيم، أحمد، أمين، بشير، جميل، حبيب، حسان، حسن، حسين، رضوان، زهير، سمير، طلال، عبد القادر، عبد الوهاب، علي، كامل، محمد، محمود، نبيل، وسام، ناظم عز الدين رئيس منبر التضامن البيروتي ويوسف عز الدين وسواهم.
وعز الدين لغةً اتخذها عبر التاريخ الأشراف لقباً لهم، لما أسهموا به من رفعة وعزة الدين الإسلامي. لهذا فإن عز الدين تعني فخر الدين ورفعة وعلو الدين.
المصدر:مؤرخ بيروت الكبير الدكتور حسّان حلاّق.
كتاب نور الفجر الصادق، سيرة مؤسسي جمعية المقاصد، الكاتب عبد اللطيف فاخوري- محام في الإستئناف.
|