آل قنواتي (سلطاني قنواتي)
«حي القنوات» الدمشقي منسوب إليهم وعشائرهم انتشرت في بيروت وصيدا
من الأسر الإسلامية والمسيحية البيروتية واللبنانية والعربية، والتي تعود بأصولها إلى الأسر الدمشقية والسورية التي توطن فرع منها في بيروت وصيدا وبعض المناطق اللبنانية، وهي من الأسر العربية القديمة التي أسهمت في فتوحات بلاد الشام واستقرت فيها وما تزال منذ مئات السنين.
ومما يلاحظ بأن عشائر قنوات قد انتشرت في مناطق عديدة في بلاد الشام، لا سيما في دمشق حيث عرف حي فيها باسم «حي قنوات» كما انتشرت تلك العشائر في قضاء السويداء حيث عرفت بلدة باسم قنوات، كما عرف واديها باسم وادي قنوات على ما جاء في كتاب «عشائر الشام» ص (416، 422). أما قبائل قنوت على ما جاء في كتاب «جامع الدرر البهية» ص (275) فإنهم من سلالة آل البيت الشريف، يعودون بنسبهم إلى الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين (رضي الله عنهما) وفي العهد العثماني شهدت بيروت المحروسة وفادة بعض فروع من تلك العشائر والأسر إلى باطن بيروت وإلى مناطقها، غير أنها تكاثرت في بيروت وصيدا في عهد الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان.
ونظراً لأهمية الدور الذي قامت به أسرة القنواتي، فقد تولى أحد أجداد الأسرة في العهد العثماني مصطفى حكمت بك القنواتي منصب قائمقام صيدا عام 1888 (د. طلال المجذوب، تاريخ صيدا الاجتماعي، ص 443).
عرف من الأسرتين الإسلامية والمسيحية في التاريخ الحديث والمعاصر السادة: أحمد، أسامة، ألبير، إلياس، توفيق، جبران، جورج، حسن، حسين، رياض، زياد، عبد الحفيظ، عبد الرحمن، عبد الغني، عبد الوهاب، عدنان، والدكتور الصيدلي عماد قنواتي، محمد خير صبحي، محمد سامي، محمد غازي، محمود، محيي الدين، مصطفى، هيثم، سامي ود. ريم قنواتي وسواهم. كما عرف من الأسرة المرحوم الحاج عبد الحفيظ مصطفى قنواتي المتوفى في بيروت 20/10/2011، أولاده: المهندس محمد سلطاني قنواتي، وقاسم ويوسف وإسماعيل سلطاني قنواتي.
ومن الفرع المصري برز الأب جورج شحاتة القنواتي، فيما برز من أسرة القنواتي في دمشق وبيروت الصيدلي الشهير وصاحب الانجازات العلمية - الطبية الكبيرة في كل من سوريا ولبنان الطبيب عبد الوهاب محمد القنواتي (1891-1977).
الصيدلي عبد الوهاب القنواتي (1891-1977) - طفولته ونشأته
أبصر عبد الوهاب بن محمد القنواتي النور في حي القنوات بدمشق، في عام 1891. وكان أبوه تاجراً، وله أربعة أشقاء وشقيقتان، والدته السيدة آمنة، لبنانية الأصل من عائلة عفرة.
تلقى دروسه الأولية في أحد كتاتيب الحي، وتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم فيه.
لدى افتتاح المدرسة الكاملية في حي البزورية، وهي أول مدرسة خاصة تفتتح بدمشق، انتسب عبد الوهاب إليها، وكان بين تلاميذها المبرزين؛ ولا سيما في الرسم وحفظ الشعر. وكانت هذه المدرسة تطبق النهج الحديث، وصاحبها الشيخ كامل القصاب، من رواد العلم والوطنية.
بعد أن أكمل عبد الوهاب تحصيله في مدرسته هذه، عُين مدرساً للغة التركية في المدرسة العازارية بدمشق، لقاء أن يدرس فيها اللغة الفرنسية، ويدرس أخوته فيها مجاناً.
التحق الأستاذ عبد الوهاب بعد ذلك بكلية الطب العثمانية بدمشق، وتخرج منها صيدلانياً مجازاً عام 1911 ومارس المهنة في إحدى الصيدليات.
عندما أعلنت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) دعي القنواتي إلى الخدمة العسكرية، برتبة ملازم أول في الجيش العثماني، وانتدب للعمل في مستشفى زحلة العسكري. وانتشرت الكوليرا بعد ذلك في إحدى وحدات الجيش هناك. وذهب ضحية هذا الوباء عدد كبير من الجنود. وهنا تضاعف العمل في المستشفى، وكثرت المسؤوليات والإصابات. وكان فقدان الدواء المناسب من أسباب انتشار الوباء، غير أن القيادة العامة لاحظت أن مستشفى زحلة يقدم الأدوية إلى كافة القطعات دون توقف وبشكل منتظم. هنا أرسلت القيادة لجنة خاصة للتحقيق في الأمر، وتبين لها فيما بعد أن الضابط الصيدلي عبد الوهاب القنواتي، وجد في مستودعات المستشفى صناديق كثيرة، تحوي أدوية من منشأ ألماني، فاستطاع من خلال موهبته وإبداعه صناعة أدوية تلبية لمتطلبات الجنود المصابين أو المرضى.
عندما افتتحت الحكومة العثمانية مدرسة الطب، في الجامعة اليسوعية في بيروت عام 1916، جمع طلاب كليات الطب والصيدلة للجامعات الثلاث، الأميركية في بيروت واليسوعية، وكلية الطب العثماني، وذلك كي يكمل طلابها دراستهم. وعهدت إلى الأستاذ القنواتي منصب أستاذ مساعد في الكيمياء الحيوية والصيدلانية. فتولى الإشراف على مختبر ومكتبة كاملتين. وكانتا بالنسبة له تشكلان النواة الأساسية لتطوير معلوماته في هذا المجال. وكان المختبر مجهزاً بأحدث الوسائل العلمية المعروفة يومذاك.
العودة إلى دمشق
عندما انتهت الحرب العالمية الأولى، ترك الأستاذ القنواتي لبنان وعاد إلى دمشق. وفي عام 1919 عاد إلى الخدمة العسكرية في الجيش العربي.
عندما افتتح المعهد الطبي العربي، كان القنواتي بين مؤسسي هذا المعهد، وقد أسند إليه منصب أستاذ الكيمياء. يومذاك أوفد الملك فيصل بن الشريف حسين ممثلاً له. ليستمع إلى أول محاضرة يلقيها الأستاذ القنواتي، لأن الملك لم يكن يصدق أن هناك من يستطيع أن يحاضر عن الكيمياء، باللغة العربية.
تابع القنواتي عمله في كلية الطب حتى عام 1924، حيث أوفد إلى معهد السوربون في باريس، من أجل الاختصاص بالكيمياء. وقد ألّف الأستاذ القنواتي عدداً من الكتب في الكيمياء العامة والمعدنية وأشباه المعادن. وكانت تدرس لطلاب الطب والصيدلة في السنوات الأولى. كذلك ألف في الكيمياء الغذائية، والكيمياء الطبية. وكانت هذه الكتب كلما أعيدت طباعتها، زودها مؤلفها بمعلومات جديدة، من خلال مطالعاته المستمرة.
مياه الفيجة وبقين
في عام 1921 بدأ بدراسة وتحليل مياه منطقة دمشق. ونشرت نتائج دراساته لأول مرة، وأثبتت جودة مياه عين الفيجة، وبقين، وهريرة، وبقية الينابيع المحيطة بدمشق، ومنها أيضاً عين الصاحب، وعين الفاخوخ في بلدة حلبون وغيرها. وقد أهَّله ذلك كي يكون في عداد مؤسسي جمعية مياه عين الفيجة. وظلت الجمعية تعرف بهذا الاسم إلى أن تحولت إلى مؤسسة مياه عين الفيجة. ثم أصبح عضواً في مجلس إدارتها. الجدير بالذكر أنه، وجميع أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون عن أطباء دمشق، كانوا يمارسون عملهم هذا دون أي أجر أو تعويض، لقناعتهم بأن الواجب الوطني، يلزمهم القيام بمثل هذا العمل. ولا يزال اسمه إلى اليوم منقوشاً مع الأعضاء المؤسسين في قاعة مجلس الإدارة، في بناء عين الفيجة بشارع النصر، تخليداً لجهودهم.
أول معمل للأدوية
أنشأ الصيدلي عبد الوهاب القنواتي في عام 1923 نواة أول معمل صغير لصنع الأدوية، والمستحضرات الطبية، وذلك داخل الصيدلية. وكان يشرف عليه بنفسه، ويساعد إخوته في العمل. وتوسع المعمل الصغير، ولفت الأنظار إلى ضرورة تأسيس معمل كبير في البلاد، ولا سيما بعد أن باتت المستحضرات الطبية باهظة الثمن.
وفي عام 1929 أسس أول شركة مساهمة لصناعة الأدوية، ضمت جميع الأساتذة المختصين في الجامعة، وعدداً من الأطباء والصيادلة السوريين. وقد سجلت باسم «شركة قنواتي، تقي، جراح، كواكبي وشركاه». غير أن النجاح لم يحالف هذه الشركة، فاضطر عام 1931 لتصفيتها وأخذ على عاتقه جميع التزاماتها، وضمن قيمة الأسهم لجميع المساهمين دون أية خسارة.
وتابع القنواتي العمل مع إخوته في إنتاج الأدوية الوطنية. وكان خلال ذلك يشرف فنياً على صناعتها، وينفق معظم وقته في التدريس والتأليف.
في عام 1939 أوفد إلى باريس للمرة الثانية، للاطلاع ومتابعة البحوث والمستجدات العلمية هناك. ولكنه اضطر للعودة على جناح السرعة، لدى نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939.
التقاعد... والرحيل
وفي عام 1949 تقاعد الأستاذ القنواتي عن العمل في المعهد الطبي العربي، بعد أن ظل يعمل فيه طوال ثلاثين عاماً، وتفرغ بكل إمكاناته للعمل في مصنع الأدوية، الذي أخذ يضاعف إنتاجه.
وفي عام 1960 تم تحويل المصنع إلى شركة تحمل اسمه.
تابع عمله في المصنع بنشاط، رغم تقدمه في السن. وكان يحضر كل صباح إلى إدارة المعمل، قبل جميع العاملين فيه. ولم يكن له من هدف سوى بث النشاط في هذه الصناعة، وتأمين الدواء بمواصفات عاليه، وسعر مقبول للمواطنين كافة.
ظل الأستاذ عبد الوهاب القنواتي يتابع نشاطه إلى شهرين قبل رحيله. وكان قد بلغ السادسة والثمانين فأقعده المرض. كان خلال مرضه يتألم ويحزن، لعدم قدرته على متابعة العمل. وإدخال التحسينات التي يجب توافرها في صناعة الدواء.
ورحل الأستاذ القنواتي إلى جوار ربه عصر يوم الأربعاء في الثامن من حزيران عام 1977 ووري الثرى في مقبرة المهاجرين في دمشق (رحمه الله). هذا، وقد برز من الأسرة نجله الدكتور زهير قنواتي.
كما برز من الأسرة الشيخ الدكتور عماد قنواتي، من مواليد بيروت المحروسة، جمع بين الدراسات الطبية والدراسات الشرعية. عمل مشرفاً على المركز الصحي العام لدار الفتوى لمدة أربع سنوات. وفضلاً عن نشاطه الطبي، فهو إمام وخطيب لبعض مساجد بيروت وعرمون وبشامون.
له عدة محاضرات ومؤلفات في مجال الطب والصيدلة والشريعة والحضارة الإسلامية. كما شارك في عدة مؤتمرات علمية لبنانية وعربية ودولية. نال أوسمة وجوائز ودروع تكريمية عديدة.
وقنواتي لغة نسبة إلى بلدة قنوات في قضاء السويداء في سوريا. كما أن قنواتي أطلقت على القائم بمهنة حفر الأقنية المائية في الشوارع والطرقات. وقد انتشر هذا اللقب في عهود تاريخية إسلامية وعربية متعددة تبعاً لاعتماد الأقنية في كل ولاية عربية مملوكية أو عثمانية.
الدكتور الصيدلي عبد الوهاب القنواتي - (1977-1891)