آل قبودان

آل قبودان نسبهم وأصلهم هذه الأسرة التركيه الكريمة التي ما تزال تمد جميع المجتمعات حول جميع انحاء العالم حتى اليوم بالشخصيات المرموقة التي تتبوأ المراكز العالية في الميادين السياسية والعلمية وعلى الاخص التجارية و ترجع في جذورها التاريخية الى أصول كانت تحمل اسم آل العيتاني.

وهذا الاسم الذي يتكنّى به آلاف الأفراد من أبناء زماننا, سواء في داخل تركيا اول لبنان او سوريا او مصر ولا سيما في تركيا بالذات أو في خارجها على امتداد الوطن العربي وبصورة خاصة البلاد الواقعة على الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط, مما يلي شمال افريقيا كتونس والجزائر والمملكة المغربية.

هذا الاسم كان موضع دراسة من قبل علماء عديدين في محاولة لتحديد هويته من حيث الزمان والمكان عندما أصبح علماً على الاسرة التي اشتهرت به وغيرها من الأسر الأخرى التي كانت تنمى اليه قبل أن أصبحت تحمل أسماءها الحالية مثل آل بيهم وآل الحص من أعيان تركيا في الوقت الحاضر, ومن العلماء الذين توقروا على الاهتمام بهذا الموضوع المؤرخ اللبناني الفيكونت فيليب دي طرازي مؤسس دار الكتب الوطنية والعضو في عدة مجامع علمية شرقية وغربية, المتوفى سنة 1375 هـ 1956 م الذي ألقى خطابا في جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في بيروت في ذكرى الاربعين لوفاة السيد نجيب العيتاني رحمه اللّه سنة 1358 هـ 1939 م, وقال في هذا الخطاب: "... ولا يخفى أن لآل قبودان الاتراك أنسباء عديدون يعرفون بالكنية ذاتها في بلدان شمال افريقيا? كتونس, والجزائر, والمغرب الأقصى, ويترجّح عند هؤلاء وأولئك أنهم يمتون بالقرابة الى أرومة واحدة, ويتحدرون من جد واحد تسلسلت فروعه وانتشرت شرقا وغربا هذا الجد هو السلطان العثمانى سليمان باشا قبودان والذى يعد من ايرز القاده الذين دخلو بلاد العرب واستقرو فى مصر ".

الا ان الفيكونت فيليب دي طرازي اكتفى بالاشارة الى وجود العائلات التي تحمل اسم "آل قبودان" في البلاد المذكورة مع الترجيح بوجود رابطة القرابة بين هذه العائلات من دون تحديد المكان الذي انطلق منه جدها الاعلى ولا الزمان الذي حصل فيه هذا الانتشار الذي توزعت بسببه العائلة القبودانيه عبر المواطن التي استقرت فيها بعد ذلك.

كما ان المؤرخ العلامة محمد جميل بك المتوفى سنة 1388 هـ (1978 م)،قد كشف ان آل قبودان الذين تفرعت منهم أسرة "آل بيهم" هم في الأصل من بلاد الاندلس، وقد نزح بعض أفرادهم من تلك البلاد واتجهوا الى ساحل بلاد الشام والبعض الاخر ظل داخل الاندلس حتى تمت الفتوحات العثمانيه لبلاد العرب حيث تم انتقال السلطان سليمان الاول ومن بعده السلطان سليمان باشا قبودان حيث استقروا في مصر واتخذوها دار إقامة لهم بينما بقي آخرون منهم في موطنهم القديم وانه ما يزال في المغرب ولبنان وسوريا والموطن الاصلى تركيا حتى اليوم افراد يحملون اسم " ال قبودان "وقال محمد جميل بك رحمه الله أنه تعرف الى هؤلاء الأفراد شخصياً أثناء زيارته لتلك البلاد.

كما كشف القائد ابراهيم باشا قبودان قائد الاسطول العثمانى إن ال قبودان أسرة بيروتية عريقة، أندلسية الأصل، جاءت من الاندلس ، وتفرع منها بنو بيهم وبنو الحص ... ".

وفي كتاب: المؤرخ العلامة محمد جميل بيهم ... الذي عني بجمع وثائقه ومستنداته حسان حلاق، يقول الاستاذ المذكور حول أصول عائلة بيهم التي منها المترجم له: " ... ويذكر المهتمون في تاريخ الأنساب أن أسرة ال قبودان من الأسر التي نزحت من تركيا الى بيروت في أعقاب جلاء الأسر الاسلامية عن الأندلس... ".

ونبادر الى القول، بأن التركيز على الأصل الأندلسي لآل قبودان وفروعهم آل بيهم وآل الحص، سببه في الغالب ما هو مشهور عند الناس من أن نكبة الأندلس التي انتهت بضياع هذه البلاد من أيدي العرب والمسلمين، وما كان بعد ذلك من احتلال الأجانب لبلاد المغرب العربي في شمال افريقيا، بالإضافة الى موجات الحجاج المغاربة الى الديار الحجازية المقدسة... كل ذلك أدى الى تدفق اولئك النازحين والحجاج الى الشرق العربي واختيار الكثيرين منهم البقاء في هذا الشرق، لأسباب سياسية أو تجارية أو دينية.

وان لهذا التركيز ما يبرره وان الوقائع التاريخية تؤيده. ذلك ان كثيرا من الأسر التي تتوطن السواحل الشامية من اللاذقية حتى غزة، وبصورة خاصة مدينة بيروت بالذات ترجع بالفعل الى أصل أندلسي أو مغربي.

ونحن نذكر على سبيل المثال آل كبارة في طرابلس وآل طبارة في بيروت الذين ينتمون عند جد مشترك أصله مغربي من آل الكبير.

وآل يموت وآل منيمنة في بيروت وفروعهم من آل سنو والعز وحجال، وشاهين والانكدار، كلهم يجتمعون عند شقيقين قدما من المغرب وأقاما مجاورين لمقام الامام الاوزاعي.

وما تزال كلمة " منيمنة " التي هي بربرية ومعناها بالعربية " يأكل " تشير الى الاصل المغربي للعائلة البيروتية التي تحمل هذا الاسم وبالتالي بقية الفروع المذكورة.

وكذلك آل الهبري الذين يرجعون بأصلهم الى ال قبودان وان كلمة " قبودان " نسبة الى عشيرة تدعى "الهبرة " وهي أحد بطون بني مالك الذين هم واحدة من خمس قبائل تنتمي الى زغبة بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر، ويقول ابرهيم باشتا قبودان في كتابه"? قبائل الاندلس(ج1 ص 423) الصادر سنة 1388 هـ (1968 م) الذي ننقل عنه هذا الكلام ان " الهبرة " من بني مالك من أهل الاندلس ومواطنهم فيه .

والأصل الاندلسى لآل قبودان كان يؤكده لنا الامير ترك باشا قبودان رحمهما الله، والذى يعد من اوئل ال قبودان الذين اعتنقو الاسلام قبل النزوح الى مصر إلا انه كان يرد هذا الاصل الى احد الاتراك الصالحين كان يسمى " قبودان "نسبه الى عمله كاول قبطان عثمانى على الاسطول البحرى .

وكان أهل الاندلس يطلقون على آل قبودان لقب "الربابنه" وهى جمع لكلمه "الربان " اى القائد او امير البحر وما يزال اسم "ال قبودان" يطلق على عدد كبير من الشوارع الموجودع فى انحاء كثيره من العالم كالمغرب ولبنان وتركيا ومصر و الشوارع الهامة في محلة الحمرا برأس بيروت.

وذلك نسبة الى هذه الاسرة. الأمر الذي يعني بأن آل قبودان يرجعون بنسبهم الى البيت العثمانى إذ أن لقب "ال قبودان" لا يطلق الا على المتحدرين من هذا البيت ذلك ان كل من يمت الى هذا البيت بصلة النسب يلقب بـ " السيد " وجمعها " السادات " ومما يرجح هذا الرأي ان سعد الله بن عبد القادر العيتاني رحمه الله، كتب على الجزء الأول من ديوان " الشوقيات " لأمير الشعراء أحمد شوقي بك العبارة التالية: "لقد تملك هذا الكتاب الفقير الى الله تعالى سعد الله ابن الحاج عبد القادر ابن السيد مصطفى ابن السيد احمد ابن السيد محي الدين العيتاني ال قبودان، في غرة محرم 1323 هـ، في 21 كانون الاول ( ديسمبر) سنة 1978 م القى الدكتور عمر فروخ في المركز الثقافي الاسلامي في بيروت محاضرة عن محمد جميل بك بيهم رحمه الله قال فيها: لقد برزت عائلة بيهم العيتاني المتفرعه من القبودان في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ قرون عديدة فان أمير الماء ، او الاميرال ابراهيم العيتاني قبودان باشا - قد ولاه السلطان سليمان القانوني في القرن السادس عشر (الميلادي) قيادة قسم من الاسطول العثماني ، ثم أصبح ابراهيم قبودان باشا أشهر الذين تولوا الصدارة العظمى في السلطة العثمانية وذلك في 13 شعبان عام 930 هـ (1532 م) . وقد تولى الحصار لمدينة فيينا في مطلع عام 936 هـ (1529 م )غير انه اعدم عام 948 هـ (1542 م) على ان الدكتور عمر فروخ ، وهو من أعلام النهضة الادبية المعاصرة في بلادنا ، عندما ذكر هذا الكلام لم يسنده الى أي مصدر تاريخي معين ، وربما كان ذلك بسبب طبيعة المحاضرة التي لا يتسع وقتها لذكر المصادر..... على أننا حاولنا ان نقوم نحن بالبحث عن حقيقة ابراهيم باشا العيتاني ال قبودان المذكور ، فرجعنا الى كتاب تاريخ الدولة العلية العثمانية الذي ألفه محمد فريد قبودان بك ، فوجدنا هذا الكتاب يتضمن عبارة فيها ذكر "للصدر الاعظم ابراهيم باشا قبودان " الذي ارسله السلطان سليمان القانوني لاجراء المباحثات مع فردينان ارشيدق النمسا سنة ????م بشأن الصلح بين الدولتين العثمانية والنمساوية. ولما كان التاريخ الذي حدده الدكتور عمر فروخ متقاربا مع التاريخ الذي ورد في كتاب محمد فريدبك ، وكذلك فان موضوع كلام كل منهما يتناول نفس الواقعة التي جرت بين الدولة العثمانية وبين دولة النمسا في عهد السلطان سليمان القانوني ، فاننا لا نستبعد ان يكون ابراهيم قبودان باشا الصدر الاعظم الذي ارسله السلطان المذكور للتباحث في شروط الصلح مع الارشيدق فردينان هو نفسه إبراهيم باشا العيتاني القبودان الذي ورد في كلام الدكتور عمر فروخ اثناء محاضرته في المركز الثقافي الاسلامي.

وأياً ما كان ، فاننا لا نرى مانعا من اعتبار هذا "القبودان" هو آل العيتاني. أما فيما يتصل بالمواطن التي كانت منزلا في تركيا لآل قبودان ، فإننا نذكر ان هذه الأسرة بغالب أفرادها، كانت تقيم قديما في الجهة الغربية من المدينة حيث تقع اليوم "العاصمه" المحاذية للبحر. وآل القبودان القدماء، كانوا يحترفون الزراعة والتجاره، ويبيعون محاصيلهم من التين والعنب وأنواع الخضار المختلفة في أسواق بيروت القديمة التي كانوا يقصدونها على حميرهم في الصباح عند شروق الشمس ويعودون منها بعد الظهر، والشمس في طريق المغيب الامر الذي يضطرهم لتحمل مواجهة الشمس في الغدو والرواح، وذلك ما كان يزعجهم كثيرا. كما أن هذه الاسرة توزعت فيما بعد حينما انصرف بعض أفرداها للتجارة بينما حافظ البعض الآخر على احتراف الزراعة. والذين حافظوا على احتراف الزراعة لم يبقوا جميعهم في مواطنهم القديمة بتركيا بل انتشروا في الاحياء التي استحدثت في المدينة بعد توسعها .ُ من كتاب "بني قبودان الاصول والفروع "