آل نجا

نسب شريف وعلم نافع ومواقف وطنية مشرِّفة يتقدّمهم

أسرة نجا من الأسر الإسلامية البيروتية والطرابلسية والعربية، ولها انتشار واسع في العالم العربي منذ الفتوحات الإسلامية الأولى.

برز العديد من الأسرة في مجال العلم والجهاد والتجارة منهم: الشيخ مصطفى نجا الجد الذي كان يملك تجارة في «ميناء الأرز» حسب سجلات المحكمة الشرعية عام 1259هـ – 1843م، والشيخ عبد القادر أفندي نجا (1806 – 1869) عالم وفقيه في طرابلس الشام، له مؤلفات مخطوطة ومنشورة. أطلق عليه لقب «فخر الفضلاء» استناداً إلى سجل 1259هـ وسواهم الكثير.

أطلق على بعض آل نجا لقب العجم نجا استناداً إلى سجلات عام 1259هـ – 1843م.

كما برز مفتي بيروت المحروسة العلّامة الشيخ مصطفى نجا (1269 – 1350هـ، 1852 – 1932م) من مواليد بيروت في 27 رمضان عام 1269هـ – 1852م، والده الشيخ محيي الدين بن مصطفى بن الشيخ عبد القادر بن محمد نجا العجم الطرابلسي أصولاً البيروتي مولداً وانتماء، الشافعي مذهباً، الشاذلي طريقة.

شارك أجداده مع الملك الناصر لدين الله السلطان صلاح الدين الأيوبي في مقاومة الإفرنج في العصور الوسطى. وقد ذكر المؤرّخ أبو شامة في كتاب «الروضتين في أخبار الدولتين» أبي الحسن بن نجا، وأشار العماد الكاتب بأنه «البيروتي» وأنه كان من العلماء وأكابر الخطباء، وفي تاريخ بيروت لأحمد البيروتي ورد ذكر هذه الأسرة الكريمة. كمـا أشار العلّامة البستاني في دائرة المعارف بأن آل نجـا من أقدم العائلات الإسلامية البيروتية. كما عرفت الأسرة بإسم نجا العجم، وقد انفصلت أسرة العجم عن نجا في القرن العشرين.

هذا وفضلاً عن شهرة العائلة بالأخلاق الحميدة، فقد اشتهرت بالتجارة منذ مئات السنين لا سيما تجارة الحرير الطبيعي، وكان من أهم تجار آل نجا في القرن التاسع عشر الشيخ مصطفى نجا الجد شريك السيد أحمد قريطم اللذين أدّيا فريضة الحج معاً، وانتقلا معاً إلى جوار ربهما في مكة المكرمة في ليلة واحدة، ودفنا معاً في البقيع.

نزح فرع من أسرة نجا من طرابلس الشام إلى باطن بيروت في القرن التاسع عشر، وتميّزت بالتديّن والتقوى ومكارم الأخلاق. تلقى الشيخ مصطفى نجا منذ صغره العلم على علماء بيروت الأعلام، فتلا القرآن الكريم على الحافظ الشيخ حسين شومان، وجودّه على شيخ القراء في الديار الشامية الشيخ حسين موسى المصري الأزهري نزيل دمشق وبيروت والمتوفى بها والمدفون في مقبرة الباشوراء سنة 1327هـ. وتعلم الخط في مدرسة العلّامة الشيخ عبد الرحمن النحاس نقيب السادة الأشراف في بيروت والمتوفى بها سنة 1318هـ، وتلقى العقائد الدينية على العلّامة الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت والمتوفى بها سنة 1321هـ – 1905م، وأخذ الحديث عن الشيخ الإمام المحدّث عبد الله بن إدريس السنوسي الفاسي نزيل دمشق وبيروت، وقد أجازه بصحيح الإمام البخاري وبشرحه «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني، وبصحيح الإمام مسلم وشرحه للإمام النووي وغيرهما من الكتب الصحيحة. وتعلّم الفقه والعلوم الشرعية والأدبية على العلّامة الشيخ يوسف الأسير المتوفى في بيروت سنة 1307هـ، والشيخ إبراهيم الأحدب الطرابلسي الأصل نزيل بيروت والمتوفى بها سنة 1308هـ، والشيخ عمر الأنسي السجعان البيروتي المتوفى بها سنة 1293هـ، والشيخ قاسم أبي الحسن الكستي البيروتي المتوفى بها سنة 1328هـ، والشيخ عبد القادر الخليلي وسواهم الكثير.

وفضلاً عن هذا وذاك، فقد أجازه من علماء دمشق الشيخ محمد بدر الدين محدث الديار الشامية، والشيخ عبد الرزاق البيطار، والشيخ محمد سليم سماره، كما أجازه الشيخ أحمد ابن المفضل، والشيخ محمد بن سعيد السلاوي من علماء المغرب عند عودتهما معاً من الحج سنة 1324هـ، والشيخ حسن المدور البيروتي، والشيخ محمود فرشوخ البيروتي، والشيخ محمود الشميطلي البيروتي، والشيخ محمد رضا القباني الدمشقي.

أخذ الطريقة الشاذلية سنة 1297هـ عن المرشد الكامل سيدي العارف بالله السيد الشيخ علي نور الدين اليشرطي الحسني التونسي نزيل عكا. وما هي إلا سنوات قليلة حتى بات مقدماً للطريقة الشاذلية في بيروت. أدى فريضة الحج سنة 1313هـ، وكررها مرة ثانية سنة 1324هـ.

ولما توفي والده الشيخ محيي الدين نجا كان الشيخ مصطفى نجا في العشرين من عمره، وهو أكبر أشقائه وهم السادة: عبد الرحيم، محمد عمر، سليم، محمد، عبد الغني، عبد المجيد. وكان محمد وعبد الغني صغيرين وعبد المجيد رضيعاً فكفل الثلاثة وأحسن تربيتهم. لهذا فقد اشتغل الشيخ مصطفى نجا بالتجارة في محل اتخذه لتجارته في سوق العطارين بمشاركة صديقه عمر أفندي سلطاني. ولم تمنعه التجارة من السعي وراء العلوم الشرعية. كان الشيخ مصطفى نجا منذ صغره يتميّز بالأخلاق والشمائل الحميدة والسيرة الحسنة، وكان يستمع كما يُسمع له، وينصت كما يُنصت لكلامه، مجلسه مجلس علم وجد وأدب وحشمة، لا يؤخذ على أحد فيه وقاحة ولا سخافة، ولا لغو ولا تأثيم ولا غيبة ولا نميمة. وكان حازم الرأي حتى مع محبيه ومخالفِه على السواء، ومع اتصافه باللين واللطف كان شديداً رافعاً لواء الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، كان شديد الغضب في إنكار المنكرات، جامعاً للتقوى والعدل والإحسان، ناهياً عن الفحشاء والمنكر والبغي.

الشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت الأكبر 1909 – 1932 بعد أن توفي مفتي بيروت العلّامة الشيخ عبد الباسط الفاخوري عام 1905 ظل منصب الإفتاء في بيروت شاغراً ما يقارب أربعة أعوام لأسباب بيروتية وعثمانية. وفي عام 1909 ظهرت منافسة شديدة بين العلّامة الشيخ مصطفى نجا مدعوماً من آل سلام، وبين العلّامة الشيخ أحمد عباس الأزهري مدعوماً من آل الصلح. وبدت الانقسامات واضحة بين البيارتة، إلى أن توجه وفد بيروتي مشترك إلى استانبول للاطلاع على رأي السلطنة، لحل هذه المعضلة ومقابلة السلطان العثماني ووزير الأوقاف وشيخ الإسلام المفتي الأكبر للديار الإسلامية.

وقد سبق الوفد برقيات من أبناء بيروت والمناطق الأخرى إلى شيخ الإسلام في الآستانة تطالب بتعيين الشيخ مصطفى نجا مفتياً لبيروت. ولدى عرض المسألة على مجلس إدارة ولاية بيروت، وبعد أن نظمت المضبطة القانونية بذلك، أبرق والي بيروت إلى مقام مشيخة الإسلام الجليلة بطلب التصديق على تعيينه.

ونتيجة للمداولة بين المسؤولين في بيروت واستانبول، تبين للسلطان العثماني أن غالبية أبناء بيروت فضلاً عن أبناء طرابلس وصيدا وصور ومرجعيون والبقاع يميلون لتعيين الشيخ مصطفى نجا. ولما لم يشأ السلطان إحداث مزيد من الانقسام بين البيارتة أومأ إليهم قائلاً:

«إن البيارتة كلهم أولادي وأحبائي، ليكن الرسول محمد (#) قدوة لنا ولكم، فاتبعوه لأن من لاذ بالمصطفى نجا». وهكذا فهم أعضاء الوفد المشترك أن الدولة العثمانية مع أكثرية أبناء بيروت تود تعيين الشيخ مصطفى نجا مفتياً لبيروت، وهكذا كان. ففي 8 ربيع الأول 1327هـ – 1909م صدر منشور شيخ الإسلام بتعيينه مفتياً لبيروت. فقابل سكان بيروت والولاية من جميع الطوائف هذا المنشور بالابتهاج والمسرّة.

ولما شاع خبر تعيينه أقبلت الوفود إلى منزله في منطقة برج أبي حيدر، ومن ثم إلى محله في سوق العطارين يقدمون لفضيلته التهاني. وفي اليوم التالي اجتمع فضيلته ونقيب السادة الإشراف والعلماء وأعيان المدينة وجمع غفير من الأهالي وطلاب المدارس في دار الحكومة في السراي الصغير يتقبلون التهاني وسط أنغام الموسيقى العسكرية. وبعد أداء صلاة الظهر في الجامع العمري الكبير، تواصلت الاحتفالات وإلقاء الكلمات والأدعية للدولة العثمانية وللسلطان العثماني ولسماحة المفتي. وبهذه المناسبة نظمت وألقيت قصائد عديدة.

بعض مواقفه في العهدين العثماني والفرنسي 1909 – 1932 لقد تبيّن أن سماحته في فترة توليه منصب الإفتاء بين أعوام (1909 – 1932) قد نهض بأعباء المنصب بقوة وعزيمة، وحكمة وحنكة، وكان صلباً أشد الصلابة حينما تدعو الضرورة، وكان مرناً تارة أخرى حينما تدعو الحاجة إلى المرونة. غير أنه لم يفرط في الشرع والشريعة الغراء، ولم يفرط في حقوق المسلمين، ولا تجاوز على غير المسلمين. ومن مميّزاته البارزة أيضاً انكبابه على العلم والتعلم، فقد كان يومياً ينكب على القراءة والكتابة فجراً وليلاً. فضلاً عن دراسة الأسئلة الشرعية ليس من بيروت وحسب، وإنما من مختلف الأقطار الإسلامية، لذا فإن اجتهاداته وفتاويه كانت تتعلق بجميع المسلمين. وكان يرفض باستمرار اكتساب المغانم له ولأفراد عائلته. وكان يقول باستمرار: «أنا ليس لي مصلحة ذاتية ولا أخدم إلا المصلحة العامة، ولا يحل لي اتخاذ الوظيفة ذريعة لجلب المنفعة لنفسي أو لأهلي، بل أنا لكل الناس والوسيط الأمين بين الحاكم والمحكوم».

وبالرغم من أن الدولة العثمانية هي التي عمدت إلى تعيينه مفتياً لبيروت، وبالرغم من أنه كان مؤيّداً لها، غير أنه لم يكن يجامل سلاطينها وولاتها، وكان يرفض باستمرار قبول الهدايا الرشوية وزيادة راتبه الشهري سواء في العهد العثماني أو العهد الفرنسي. وقد أرادت الدولة في إحدى السنين زيادة راتبه نظراً لأعبائه الكثيرة ونظراً لتدنّي الراتب، فرفض رفضاً قاطعاً، وأجاب جواب المؤمن المسؤول عن أفراد الأمة قائلاً: «لو تمت زيادة راتبي وراتب سواي، ماذا يعني ذلك. إنني أخشى – عند ذاك – نقص الموازنة فتعمد الحكومة إلى زيادة الضرائب على أفراد الشعب، والشعب غير قادر على تحملها، لهذا فإني أرفض زيادة راتبي».

وعلى الصعيد الأخلاقي والديني، فقد أرادت إدارة ولاية بيروت إقامة حفلة نسائية في مدرسة الصنائع، فرأى سماحته أن هذه الحفلة يمكن أن تخل بالأخلاق الحميدة في بيروت، فطالب والي بيروت بإلغائها، وهكذا كان. كما أن بلدية بيروت في الفترة ذاتها نظمت عقد إيجار حديقة في ساحة الشهداء، وأباحت للمستأجر تقديم الخمور فيها، وبتدخّل من سماحته ألغي عقد الإيجار بعد إقامة الحجّة الشرعية والقانونية، لا سيما وأن الحديقة، إنما أنشئت أساساً لنزهة الأهالي، فلا يجوز حرمان الفقراء منها وتمتع الأغنياء بها.

ومثل هذه المواقف من سماحته تكررت أكثر من مرة في العهدين العثماني والفرنسي، وقد ألغيت الكثير من الحفلات الرياضية التي كان من المقرر مشاركة الفتيات المسلمات أمام جمهور الناس وهي حفلات مخلّة بالآداب الشرعية، حيث كان من المقرر أن يظهرن بملابس خلاعية ويقمن بألعاب لا تليق بالفتاة المسلمة وفيهن البالغات والمراهقات. ولما وصل أحمد جمال باشا – قائد الفيلق التركي الرابع – إلى لبنان في فترة الحرب العالمية الأولى، بدأ يتقرّب لرجال الدين المسلمين لكسب تأييدهم، ويغدق عليهم آلاف الليرات الذهبية. وقد حاول عند زيارته لبيروت عامي 1915 – 1916، ومرتين على التوالي إعطاء الشيخ مصطفى نجا مبلغ مئتي ليرة ذهب من الأموال السرية للمخابرات العثمانية، بحجة إنه يحتاج إلى هذا المبلغ لتوزيعه على الفقراء، غير أن الشيخ مصطفى نجا رفض المبلغ قائلاً: «إن المبلغ الذي أتقاضاه كافٍ، أما إذا كان لا بد من صرفه على الفقراء، فإن في بيروت مئات من العائلات المحتاجة أزودك بلائحة بأسمائها، وباستطاعتك أن توزع الأموال أو الطحين عليها مباشرة».

لقد أعجب أحمد جمال باشا بأخلاق وكرامة وشموخ مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا، فجاءه إلى دار الفتوى صاغراً محترماً موقفه فتم توزيع الطحين على العائلات المحتاجة بدعم وإشراف من دار الفتوى. في الوقت الذي استطاع فيه أحمد جمال باشا استمالة العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بإغداق الأموال والذهب عليها، رغم تدهور الأوضاع المالية للدولة العثمانية.

وبالرغم من أن الشيخ مصطفى نجا والمسلمين في بيروت أبدوا تحفّظات عديدة على سياسة الدولة العثمانية ضد العرب، غير أن المسلمين كانوا من المؤيدين لصيغة الدولة وصيغة الإمبراطورية الموحّدة، لهذا لم يجد مفتي بيروت مانعاً من دعم هذه الصيغة وتشكيل وفد بيروتي وسوري للسفر إلى الأراضي التركية والدردنيل بصحبة الشيخ حسين الحبال، للقاء القائد مصطفى كمال (أتاتورك) والقادة الألمان، للاطمئنان على الوضع العسكري، ولإعطاء الدعم المعنوي للجيش العثماني، غير أن أهم موقف حرج مر به مفتي بيروت، إنما يتمثل في فترة محاكمة جمال باشا للشباب البيروتي واللبناني، والقرارات التي اتخذها بإعدام كوكبة من هؤلاء الشباب. فقد أبدى سماحته معارضته لتلك القرارات مؤكداً أن ما أقدم عليه الشباب البيروتي طيلة حياتهم، إنما يؤكد وطنيتهم، وما أقدموا عليه في مؤتمر باريس عام 1913، إنما يؤكد إخلاصهم للدولة العثمانية، وكل ما طالبوا به إنما يتمثل بضرورة تطبيق الإصلاحات، واعتماد اللامركزية، واعتبار اللغة العربية لغة رسمية في الدولة.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، وتسلّم الأمير فيصل بن الشريف حسين السلطة في دمشق، دعم الشيخ مصطفى نجا وعمر بك الداعوق رئيس بلدية بيروت وأعيان ووجوه بيروت السلطة الفيصلية، ولكن ما هي إلا عشرة أيام حتى دخل الجيش الفرنسي إلى بيروت، وأسقط الأعلام العربية، ورأى أن قضية لبنان ستبحث في مؤتمر دولي، ولا يحق لأحد التصرف به. وبالفعل فقد بحثت القضية اللبنانية في مؤتمر فرساي، حيث تأرجحت بين مؤيد للوحدة السورية، وبين معارض لها. وبكل الأحوال فقد حرص الأمير فيصل بن الشريف حسين بعد عودته من مؤتمر فرساي وجولاته الأوروبية على المرور ببيروت في 20 نيسان عام 1919، والاجتماع بالقادة المسلمين والمسيحيين ووضعهم في أجواء المؤتمر، وفي مقدمتهم مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا، القاضي الشيخ محمد الكستي، الشيخ أحمد عباس الأزهري، الأب يوسف اسطفان، الشيخ مصطفى الغلاييني، الشيخ أحمد المحمصاني، سليم علي سلام، أحمد مختار بيهم، ألفرد سرسق، عمر الداعوق، نجيب نعمة طراد، محمد اللبابيدي، رضا الصلح، محمد فاخوري، داوود عمون، بترو طراد، جان فريج، وعبد الحميد غندور. لهذا اتفق المؤتمرون في مؤتمر باريس عام 1919 على إرسال لجنة كنج – كراين لتقصي الحقائق في البلاد السورية. وبعد وصول اللجنة إلى بيروت واجتماعها بمفتي بيروت ووجوه الطائفة الإسلامية سلمت مذكرة هامة تضمنت رفض المسلمين الاحتلال أو الانتداب الفرنسي وسواه من الانتدابات، مؤكدة على أهمية وحدة واستقلال البلاد السورية جمعاء، وأن بيروت ومدن الساحل والأقضية الأربعة جزء لا يتجزأ من سوريا منذ فجر التاريخ. كما تضمنت المذكرة رفض إقامة دولة يهودية في فلسطين.

وفي بداية عهد الاحتلال الفرنسي للبلاد، حاول قنصل فرنسا جورج بيكو – الذي تولى الحكم مؤقتاً في بيروت – استمالة الشيخ مصطفى نجا على غرار ما تفعله السلطات في كثير من العهود، فقد قال له مرة بحضور عبد القادر الدنا «إننا نقدر حبك للخير والدعاية إلى السلام، وبما أنك رئيس الطائفة الإسلامية الكريمة فهذه الاضبارة اشتملت على (36) ألف ليرة مصرية من الأوراق المالية لك أن تتصرف بها أو توزعها على السادة العلماء وإصلاح المساجد» فأجاب المفتي شاكراً وقال: «أما أنا وأخواني من أهل العلم فكل منا له وظيفة براتب يكفيه. وأما المساجد فلها أوقاف كافية لحاجياتها أيضاً». وبذلك رفض الشيخ مصطفى نجا محاولات فرنسا استقطابه واستمالته حرصاً على واقع ومستقبل المسلمين وقرارهم الحر. وقد كرر مثل هذه المحاولات معه لاستمالته الجنرال «فندنبرغ».

وبعد إعلان عصبة الأمم المتحدة انتداب فرنسا على سوريا ولبنان، أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير، في الأول من أيلول عام 1920، ودعا البطريرك الياس الحويك بطريرك الموارنة ومفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا لاحتفال كبير رسمي في قصر الصنوبر، للمشاركة في احتفال إعلان الدولة الوليدة، ليظهر لجميع اللبنانيين والسوريين أن المسلمين والمسيحيين على السواء مع دولة لبنانية منفصلة عن سوريا، غير أن المفتي لم يشارك في هذا الحفل إلا بعد تلقيه وعوداً رسمية بأنه يهم فرنسا جداً لا سيما من الناحية الاقتصادية والعسكرية إبقاء سوريا ولبنان دولة واحدة، غير أن الأيام أثبتت تنفيذ عكس هذه الوعود.

ومما يلاحظ أن سماحته استمر معارضاً ممارسات السلطة الفرنسية في إطار الحكمة والحنكة، لأن قرارات السلطة لا تنعكس عليه فحسب، وإنما تنعكس على جميع المسلمين. ففي الثاني من آذار عام 1921 أصدر المفوض السامي الفرنسي القرار رقم (753) يقضي بإنشاء جهاز فرنسي لبناني لمراقبة الأوقاف الإسلامية والجمعيات الإسلامية الخيرية، وعين الجنرال غورو الشيخ شفيق الملك – من علماء طرابلس – مراقباً عاماً، والموسيو (جناردي Genardy) مستشاراً. واستناداً إلى ذلك القرار وجه مرقب الأوقاف إلى مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا بوصفه أيضاً رئيساً لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية كتاباً يطلب فيه الاطلاع على أعمال ووثائق ومستندات الأوقاف وجمعية المقاصد محدداً فترة قصوى لتنفيذ القرار المصدق من الحكومة ومجلس النواب. كما أرادت السلطة الفرنسية إلغاء المحاكم الشرعية ودوائر الإفتاء، وأن تسلم أوقاف المساجد إلى الطائفة الإسلامية فتقوم الطائفة بالصرف على مرتبات الموظفين في المحكمة الشرعية ودوائر الإفتاء والأوقاف من واردات تلك الأوقاف.

وما أن علم المفتي والمسلمون في بيروت بهذا القرار وأهدافه ومراميه الهادفة إلى تقويض المؤسسات الإسلامية المرتبطة بالدولة منذ نشوء الدولة الإسلامية، وإلى مراقبة واردات الأوقاف والجمعيات الإسلامية، حتى بدأت الاحتجاجات والرفض القاطع لكل ما يؤول إلى مراقبة الدولة للأوقاف وإخضاعها للسلطة، وإلغاء المحاكم الشرعية وضمها إلى العدلية. وقال الشيخ مصطفى نجا آنذاك: «أما تعلم الحكومة أن هذه البلاد إسلامية، وكيف ساغ لها العمل بالقانون العثماني من كل وجه، وفي ذلك القانون اعتبار المحاكم الشرعية ودوائر الإفتاء رسمية، ومن ثم يكون لها الحق باستيفاء الرواتب من صندوق الحكومة لا من مال الأوقاف المشروط إنفاقه على أمور معينة لا يجوز الصرف منها على أشياء لم تتعيّن لها».

ونتيجة لهذا الموقف الصارم لمفتي بيروت وللمسلمين في بيروت والمناطق اللبنانية الأخرى، تراجع الجنرال غورو عن هذا القرار، واستمر واقع المحاكم الشرعية والأوقاف الإسلامية على ما كان عليه زمن الحكم العثماني، وكان لذلك الموقف الفضل الكبير في استمرار هذا الواقع المستقل شرعاً والمرتبط إدارة ومالاً بالدولة حتى اليوم.

ومن مواقفه الشرعية المميّزة، رفضه دعوة للجنرال غورو، فسأله الموسيو «كايلا» الحاكم الفرنسي عن السبب فقال: «أنا أعلم أن من عوائدكم شرب المسكّرات المحرّمة عندنا، وأنا بصفتي الدينية أن حضرتها تكون فتوى، ولذلك اعتذرت، كي لا أشق، عليكم. ولما عرض قوله على الجنرال قال: إذن أخبره أنه لن يكون على المائدة غير الماء القراح. فأجاب الدعوة، ونهض الجنرال، فصب الماء، وقال: إنني أشرب هذا الماء الطاهر بإسم سماحة المفتي الذي قلبه أبيض كعمّته البيضاء». وقد كرر الشيخ مصطفى نجا موقفه هذا من الموائد التي تقدم فيها الخمور في عهد الجنرال ويغان، وفي مختلف العهود.

ومن الملاحظ أن الشيخ مصطفى نجا ظل مع المسلمين يأملون بتحقيق الوحدة السورية الشاملة – كما كانت عليه على مر التاريخ – لهذا، عندما دعت السلطات الفرنسية إلى إجراء إحصاء سكاني أولي عام 1923، لم يتجاوب المسلمون مع هذه الدعوة، ولم يشارك منهم إلا القليل، لأنهم رفضوا أن يتسلموا هويات يكتب عليها أنهم «لبنانيون» لأن اللبنانية آنذاك كانت تعني وتخص أبناء جبل لبنان.

ولما اتخذت سلطات الانتداب الفرنسي قراراً بتحويل «دولة لبنان الكبير» إلى «الجمهورية اللبنانية» عام 1926، طلبت من الشيخ مصطفى نجا وأعيان ووجوه المسلمين والمسيحيين بإبداء آرائهم حول صيغة لبنان الجديد والدستور المزمع إصداره. واعتبر المسلمون أن المشاركة في صياغة الدستور اللبناني، يعني الاعتراف بانفصال لبنان عن سوريا، لهذا رفضوا الإجابة على الأسئلة الموجهة إليهم. وفي 5 كانون الثاني عام 1926 عقد أعيان الطائفة الإسلامية اجتماعاً برئاسة المفتي الشيخ مصطفى نجا في دار جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت أصدروا على أثره قراراً جاء فيه: «… قررنا بالإجماع رفض الاشتراك بسن هذا الدستور عملاً برغائب عموم المسلمين المجتمعين على رفضه، لأنه لا يتفق مع مصلحة البلاد… فقد قررت الطائفة الإسلامية في بيروت … أن تعيد تثبيت احتجاجاتها على الإلحاق بلبنان ورفض الاشتراك بسن دستوره، والإجابة على الأسئلة بشأنه، وهي تؤيد وتكرر طلب الالتحاق بالاتحاد السوري على قاعدة اللامركزية».

والأمر الملاحظ بأن عمر الداعوق نائب بيروت في المجلس التمثيلي كان أحد الموقعين على هذا القرار. بالإضافة إلى تواقيع بدر دمشقية رئيس بلدية بيروت، والشيخ عبد الكريم أبو النصر اليافي نقيب الأشراف، والشيخ أحمد عباس الأزهري، والدكتور حسن الأسير، والدكتور حليم قدورة وعشرات من الشخصيات الإسلامية الفاعلة. وفي 9 كانون الثاني عام 1926 أرسل مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا إلى رئيس المجلس التمثيلي موسى نمور قرار أعيان الطائفة الإسلامية في بيروت، وأعاد إليه الأسئلة الموجهة إلى أعيان المسلمين. وهكذا فعلت جميع القوى الإسلامية في طرابلس وصيدا وصور وجبل عامل وبعلبك والأقضية الأربعة.

وبعد ولادة الدستور اللبناني وإعلان الجمهورية اللبنانية في أيار عام 1926 وتعيين شارل دباس الأرثوذكسي رئيساً للجمهورية. وفي محاولة لاستمالة الشيخ مصطفى نجا عرض عليه المفوض السامي الفرنسي هنري دي جوفنيل أن يمنحه لقب «مفتي الجمهورية اللبنانية» عوضاً من لقب «مفتي بيروت» وقد سبق للجنرال غورو أن عرض عليه العرض نفسه بمنحه لقب «مفتي دولة لبنان الكبير» غير أن سماحته في الحالتين رفض اللقب الجديد وقال للمفوض السامي غاضباً: «إني عينت مفتياً لبيروت المحروسة بفرمان من الخليفة المسلم العثماني، ولا يمكن أن أستغني عن هذا الفرمان واستبدله بقرار فرنسي مهما كان قيمة هذا القرار، ومهما كانت مميّزاته. إنكم تستطيعون أن تصدروا قراراً باستحداث منصب مفتي الجمهورية اللبنانية ولكن ليس قبل وفاتي».

وبالفعل فإن منصب مفتي الجمهورية اللبنانية لم يستحدث إلا بعد وفاة الشيخ مصطفى نجا عام 1932، وكان أول مفتي حمل هذا اللقب هو الشيخ محمد توفيق خالد.

 

المفتي نجا والبطريرك إلياس الحويك وبينهما الجنرال غورو في الأول من أيلول 1920 بمناسبة إعلان دولة لبنان الكبير في قصر الصنوبر في حرج بيروت، وقد شارك المفتي نجا على مضض في هذا الاحتفال لأن المسلمين في لبنان كانوا يرفضون تقسيم البلاد السورية.

هذا، وقد شهدت بيروت المحروسة وطرابلس الكثير من آل نجا ممن تبوأ مناصب سياسية وإدارية وطبية وعلمية واقتصادية واجتماعية منهم على سبيل المثال:

الحاج أنيس عمر نجا (1896-    ) يعتبر الحاج أنيس نجا ركن من أركان الاقتصاد اللبناني وعنصر فعّال في تقدّم الوطن. وهو إلى جانب ذلك قطب من أقطاب السياسة والاجتماع في لبنان، وله جولات موفّقة في الميدان الأدبي.

ولد في بيروت المحروسة عام 1896. وتلقى علومه في الكلية العثمانية لصاحبها الشيخ أحمد عباس الأزهري، ولما نال شهادتها التي تعادل شهادة البكالوريا، التحق بالجامعة الأميركية ودرس اللغة الإنكليزية.

نزل إلى ميدان العمل الحر وسافر إلى أكثر الأقطار ملاحقاً أعماله التجارية في تركيا واليونان وبلغاريا وإيطاليا وسواها. وفي عام 1937 حجّ إلى بيت الله الحرام وزار نجد والحجاز حيث كان بضيافة جلالة الملك السعودي الملك عبد العزيز آل سعود.

تخصص الحاج أنيس نجا بالاقتصاد، وقدّم لوطنه أجلّ الخدمات، فحينما هبط سعر الفرنك تمكن من أن يوفر للبنان مبلغ (20) مليون ليرة، وله مقالات عديدة في الاقتصاد كما نال جائزة في الأدب.

ترشح للنيابة عن بيروت عام 1947 ولم يوفّق، وسياسته تهدف إلى توحيد البلدان العربية.

تولّى مناصب عديدة منها رئيس الكتلة الإسلامية، كما كان عضوا في المؤتمر الإسلامي وفي الهيئة الوطنية، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ونائبا لرئيس جمعية التجار. وسبق له أن مثّل لبنان في مؤتمر «باري» بإيطاليا عام 1954.

والحج أنيس نجا متزوج منذ عام 1927 من السيدة زكية طبارة وقد رزق بولدين هما: عمر الذي حصل على درجة «بكالوريوس علوم» من بيروت، ودرجة «أستاذ في العلوم» من جامعات أميركا، وعبد المجيد، وخمس بنات هن: أنيسة، أمل، سهام، نبيلة، وغادة.

احتل الحج أنيس نجا مكانة ممتازة من الاحترام والتقدير لدى البيارتة واللبنانيين والعرب نتيجة كفاحه ونشاطه وعمله الدؤوب بإخلاص وتفانٍ لنفع البلاد العربية ورفع شأنها، وإليه يعزى الفضل في الكثير من المشاريع الاقتصادية والعمرانية التي سارت أشواطاً بعيدة نحو التقدّم والازدهار، وطبيعي أن تقابل خدماته العديدة بجزء مما تستحق، لذا فقد نال وسام الاستقلال عام 1942.

النائب والوزير رفيق علي نجا (1912-1989) من مواليد طرابلس عام 1912، تلقى علومه في مدارس طرابلس، وتابع دراسة الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت وتخرّج منها، وتابع دراسته في لندن ونال منها شهادة دكتوراه في المال والاقتصاد.

سافر إلى نيجيريا، فعيّن مديراً لمدرسة فيها سنة 1935، ثم عاد إلى بيروت سنة 1940 وعمل في حقل التجارة.

عيّن سنة 1956، مديراً للأوقاف الإسلامية، ثم رئيساً لحزب الهيئة الوطنية سنة 1966، وترأس مجلس إدارة بنك الكويت والعالم العربي.

انتخب نائباً عن محافظة بيروت، الدائرة الثالثة، سنة 1960. وكان عضواً في لجان: الشؤون الخارجية، الاقتصاد الوطني، التصميم العام.

عيّن وزيراً للمال، في أيلول سنة 1958، في حكومة الرئيس رشيد كرامي، لكن الحكومة لم تمثل أمام المجلس النيابي، ووزيراً للاقتصاد الوطني، في تشرين الأول سنة 1961، في حكومة الرئيس رشيد كرامي، ووزيراً للاقتصاد الوطني، في تموز سنة 1965، في حكومة الرئيس رشيد كرامي.

توفي في 5 شباط سنة 1989، وقد منحه العماد ميشال عون بعد الوفاة وشاح الأرز الوطني.

هذا، واستناداً إلى سجل آل نجا التاريخي، فقد برز الكثير من وجوه آل نجا في بيروت المحروسة وطرابلس الشام منهم:

1- مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا ونجله الوحيد الصيدلي محمد مصطفى نجا.

2- وزير المالية ونائب بيروت رفيق نجا.

3- الحاج محمد نجا عضو جمعية المقاصد في بيروت.

4- الدكتور جميل نجا اختصاصي أمراض نسائية.

5- الدكتور صلاح نجا الناظر الأول في ثانوية البر والإحسان في الطريق الجديدة في بيروت، وأنجاله: الدكتور زياد نجا، الدكتور زهير نجا، والحاج وليد نجا، والدكتور هلال نجا، والدكتور عماد الدين صلاح نجا، والدتهم الحاجة زهار فؤاد الترك المتوفية في 8 كانون الأول 2010، صهرها الحاج المرحوم عدنان زكريا عماش.

6- الصيدلي مصطفى نجا.

7- الدكتور عدنان نجا المستشار القانوني للريجي.

8- الدكتور أديب نجا طبيب أسنان.

9- الدكتور مهاب نجا مدير كلية إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية.

10- الأستاذ علي نشأت نجا الإعلامي في هيئة الإذاعة البريطانية.

11- الأستاذ أحمد نجا المفتش التربوي.

12- الشرطي محمد نجا المتوفى في انفجار السفارة الأميركية في عين المريسة.

13- الحاج سليم نجا من موظفي مصرف لبنان.

14- الحاج عمر والحاج فؤاد والحاج عارف من تجار الأدوات المنزلية في بيروت المحروسة.

15- الحاج رشيد نجا تاجر خضار وفاكهة.

16- الحاج محمد سليمان نجا تاجر خضار وفاكهة.

17- الدكتور عدنان نجا مقيم في فرنسا اختصاصي أمراض السرطان ورئيس دائرة الطب الشعاعي في تولوز.

18- الدكتور زهير نجا اختصاصي بنج في مستشفى المقاصد.

19- الدكتور زياد نجا اختصاصي طب الأطفال.

20- الدكتور عماد نجا اختصاصي في أمراض القلب والشرايين.

21- الدكتور هلال نجا طبيب أسنان.

22- الدكتور نبيل نجا اختصاصي في طب الشيخوخة والطب الداخلي، رئيس قسم العجزة والمسنين في مستشفى دار العجزة الإسلامية.

23- الدكتور ربيع نجا طبيب أسنان.

24- الدكتور أحمد غسان نجا طبيب أسنان.

25- الدكتور وديع نجا اختصاصي في علم النفس.

26- الدكتورة مهى نجا اختصاصية تغذية.

27- الدكتورة هدى نجا أستاذة جامعية.

28- الأستاذ خلدون نجا نقيب المحامين في الشمال.

29- الأستاذ وليد رفيق نجا، المدير السابق لغرفة التجارة والصناعة في بيروت.

30- الأستاذ بسام نجا من موظفي مديرية الإحصاء.

31- الأستاذ محيي الدين نجا رئيس محاسبة في أحد مصارف بيروت.

32- المهندس العميد عبد الله نجا.

33- المهندس عبد المجيد نجا.

34- المهندس غسان نجا.

35- المهندس الزراعي حسام نجا.

كما عرف منهم: الحاج أحمد زهير وطلال وبلال وسليمان وأسامة ورغيد والحاج محمد ومحمود والحاج عفيف ومصباح ومصطفى ورفيق وسميح وطارق ومحمد ويحيى وعمر وفاروق ومحمد وسالم وبشار ومحمد ووليد وبسام. كما عرف من الأسرة المرحوم الحاج محمد سليمان نجا، ونظراً لإسهاماته فإننا نشير إلى سيرته الذاتية الموجزة:

الحاج محمد سليمان نجا من مواليد بور سعيد في مصر سنة 1889، أدخل في سلك البوليس في العهد العثماني وفي عهد الانتداب الفرنسي. عاصر الحاكم التركي جمال باشا الذي استدعاه وكلّفه الإشراف على عملية إبادة الجراد في بيروت.

انصرف إلى أعمال التجارة الحرة في تجارة الخضار والفاكهة.

وكان من رجال البر والإحسان، تقياً ورعاً، عاملاً في سبيل خدمة المسلمين في بيروت المحروسة ولبنان.

كما عرف نجله الأستاذ غسان نجا، ونظراً لإسهاماته العلمية، فإننا نشير إلى سيرته الذاتية الموجزة:

الأستاذ غسان نجا من مواليد بيروت المحروسة عام 1943. متخرّج من كلية التجارة في جامعة بيروت العربية، مجاز في المحاسبة، وإدارة الأعمال، والإدارة والاقتصاد. تابع دراسته العليا في القانون العام في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية.

تدرّج في الوظيفة العامة منذ العام 1963 من كاتب ثم محرر محاسب في المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، ثم انتقل بعدها إلى وزارة المالية وعيّن مراقباً.

عيّن رئيسياً للضرائب في دائرة ضريبة الدخل، ثم رئيساً لدائرة ضريبة الأملاك المبنية في بيروت، ومديراً للمحاسبة العامة قبل إحالته إلى التقاعد عام 2007.

أستاذ المحاسبة المالية في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية الفرع الأول من العام 1978 لغاية العام 2011 وله مؤلفات في المحاسبة المالية.

متزوج من الدكتورة إكرام فاعور أستاذة قواعد اللغة العربية في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية.

أولاده: حسام، وليد، رولا، وهم من حملة الشهادات العليا. وهو يرتبط مع أولاده بمصاهرة ونسب مع عائلات بيروتية عديدة، من بينها أسرة رجل الأعمال السيد عثمان حلاق.

من الأهمية بمكان أن أسرة نجا تفرّعت عبر العصور إلى عدة فروع منها:

1- نجا العجم: عرف منهم عبد الرزاق نجا العجم، عبد الناصر عزت نجا العجم، محمد عبد الرحمن نجا العجم، محمد علي نجا العجم وسواهم. وقد ورد هذا الفرع في الكثير من سجلات المحكمة الشرعية في بيروت.

2- نجا صبره: حسب سجل المحكمة الشرعية في بيروت (1259-1263هـ) ص (60).

3- نجا المصري: عرف من هذا الفرع السيد حسن بن نجا المصري حسب سجل المحكمة الشرعية في بيروت (1259-1263هـ) ص (95).

4- نجا الطرابلسي: وقد ورد اسم هذا الفرع في الكثير من السجلات لا سيما السجل (1259هـ-1843م)، لا سيما ما يختص بجد المفتي الشيخ مصطفى نجا.

5- نجا: وهو فرع مسيحي قليل العدد، عرف منه السيد إلياس نجا، جوزيف نجا، ميشال نجا وسواهم.

6- نجا: وهم أصلاً وجذوراً من أمراء بني أبي الجيش في العهد المملوكي.

7- نجا مفرج: وهم من الأمراء زمن المماليك.

وقد أشار الشيخ طنوس الشدياق في كتابه «أخبار الأعيان في جبل لبنان» جـ1، جـ2، صفحات (221، 510-511) وسواهما، بأنه في العهد المملوكي وفي أحداث عام 1388 حدث قتال في بيروت بين أمراء الغرب أصحاب الملك الظاهر وتركمان كسروان وقد قتل في هذه المعركة من أمراء بني نجا الذين عرفوا باسم بني أبي الجيش 11 أميراً وهم الأمراء: الأمير نور الدين صالح، وكان عاقلاً شجاعاً شاعراً فقيهاً منطقياً متقناً عدة علوم، وقتل ولده الأمير تاج الدين داوود، والأمير جمال الدين عبد الله بن عثمان نجا، وولده الأمير شجاع الدين عمار، والأمير عز الدين حمدان بن نجا، والأمير ناصر الدين بشير بن يوسف بن علي، والأمير شهاب الدين، والأمير عماد الدين موسى بن مسعود بن أبي الجيش وابنه الأمير فيض الدين، والأمير ناهض والأمير قطب الدين، والأمير نجم الدين...». وهكذا يستدل، من أن آل نجا هم في الأصل من أمراء العهد المملوكي عرفوا قبل حادثة قتل أمرائهم باسم «بني أبي الجيش».

ونجا لغة أطلقت على من كان يجاهد أو يقاتل، أو مرَّ بظروف صعبة، وقد أنقذه الله عز وجل فيقال بأن فلاناً نجا من الموت أي أُنقذ. وقد أشار الشيخ طنوس الشدياق في كتابه «أخبار الأعيان في جبل لبنان، جـ2، ص (510-511) من أنه في عام 1388م قتل أحد عشر أميراً من آل أبي الجيش نجا ومما قاله «لم ينجُ من الأمراء بني أبي الجيش سوى الأمير سيف الدين أبي المكارم يحيى بن نور الدين صالح بن مفرج، فإنه نجا من المعركة بفئة قليلة وتبعه القوم وهو يقاتلهم قتال الأسود...» ثم استعان به الملك الظاهر برقوق فانتصر على أعدائه، فأقرّه أميراً على بيروت، وقد لقب ليس باسم نجا فحسب، وإنما باسم «مفرج الكروب».