السينما السوريّة
كانت حلب أول مدينة سورية تعرف فن السينما، وكان ذلك عام 1908. وبعد أربع سنوات من
هذا التاريخ أي عام 1912، قام صاحب مقهى في دمشق بعرض بعض الأفلام السينمائية
القصيرة، وفي عام 1916، افتتح الأتراك داراً للسينما سرعان ما شب فيها حريق التهمها
بكاملها. وفتحت بعد ذلك دور للسينما خلال الحرب العالمية الأولى. وبعد انتصار
الحلفاء في الحرب انقطع ورود الأفلام الألمانية وحلَّت محلها الأفلام الأمريكية
والفرنسية أثناء الانتداب الفرنسي. ويعود إنتاج أول فيلم سوري إلى عام 1928، وكان
عنوانه "المتهم البريء"، وقد تكللت هذه المحاولة الأولى بالنجاح، وعرض الفيلم في
لبنان ونال النجاح نفسه، وهو عبارة عن قصة من قصص المغامرات أنتجته شركة حرمون
فيلم. أما الفيلم الثاني فاسمه "تحت سماء دمشق"، وقد عرض عام 1932، ولما كان فيلماً
صامتاً، فإنه لم يصمد أمام الفيلم المصري الناطق والغنائي "أنشودة الفؤاد"، وهكذا
سقط الفيلم.
وأول فيلم سوري إخباري كان من إنتاج نور الدين الرفاعي، وكان هذا الفنان مصوراً
فوتوغرافياً مولعاً بالسينما، فقد سجل الأحداث الوطنية المهمة مثل اجتماعات
البرلمان السوري الأول عام 1932، والمظاهرات والإضرابات التي نُظمت ضد سلطات
الانتداب الفرنسي. وكان منتجه نور الدين يضطر إلى التوجه إلى بيروت ليحصل على
موافقة الرقابة الفرنسية التي كانت تقص أكثر من نصف الفيلم أحياناً، ولكن هذه
الرقابة الشديدة لم تفت في عضده، فقد واصل إنتاج هذا النوع من الأفلام حتى قيام
الحرب العالمية الثانية، وانقطاع ورود الأفلام الخام.
ومن الأفلام السورية التي أنتجت قبل الحرب العالمية الثانية، "نداء الواجب" إخراج
أيوب بدري، الذي أخرج كذلك فيلماً عن ثورات العرب في فلسطين ضد الانتداب البريطاني،
كما أخرج فيلماً باسم "الصداقة". وإن كانت هذه المحاولات الأولى لم تنجح، فذلك
لأنها لم تقم على أسس علمية وفنية راسخة، هذا بالإضافة إلى أن السلطة الأجنبية
الحاكمة لم تكن تشجع هذه المحاولات.
وفي خلال الحرب العالمية الأولى استطاع بعض التجار السوريين تكوين ثروات ضخمة، ولما
ترامى إلى سمع أصحاب هذه الثروات أخبار النجاح التجاري الضخم الذي حققه الفيلم
المصري بادر بعضهم إلى تكوين شركة أفلام في مدينة حلب، ولكن بدلاً من أن تقوم هذه
الشركة بإنتاج أفلام سورية ، اتجهت نحو مصر. غير أن باكورة أفلامها "ليلى
العامرية"، إخراج نيازي مصطفي، لم ينجح، وواصلت الشركة نشاطها، ولكن في لبنان هذه
المرة، حيث أنشأت استوديو زودته بأحدث المعدات، غير أن هذا الاستوديو ظل مغلقاً من
عام 1951 إلى عام 1959 أي حتى إفلاس الشركة السورية، مما يثبت أن المال ليس كل شئ
في العمل السينمائي، وهكذا ظلت المحاولات في سورية فردية ومتخلفة. وتمّ إنتاج فيلم
"نور الظلام" في هذه الفترة ولكنه لم ينجح تجارياً. كذلك لم يحالف التوفيق فيلمين
آخرين هما "عابر سبيل" و"الوادي الأخضر". وقدمت في الفترة نفسها بعض الأفلام
التسجيلية عن دمشق واللاذقية، وعدد من الأفلام الروائية مثل لمن تشرق الشمس، وفي
الدار غريبة، وقد امتاز الأخير بقصته الجيِّدة وبإخراجه الفني الذي يدل على نضوج
مخرجه يوسف فهدة، وقد برهن هذا الجهد المستمر، وهذه المثابرة على أن هناك إرادة
عنيدة لخلق سينما وطنية قادرة على إظهار الصفات التي يتحلّى بها سكان هذا الجزء من
الوطن العربي، كما برهن على رفض الهزيمة، وهو ما يمتاز به العمل السينمائي السوري.
وفي فترة ما بعد الاستقلال بدأت الدولة تهتم بالسينما، ولكن في حدود ضيقة. فضمَّت
الوزارات أقساماً للسينما، وكانت وزارة الزراعة الأولى في هذا المضمار حيث اشترت
عام 1946– 1947 وحدة متحركة، وأفلام زراعية، وأخذت تنتج بعض الأفلام المحلية إلا
أنها كانت ضعيفة المستوى في غالبيتها. وتلتها وزارة الصحة بإنشائها استوديو، وقسماً
للسينما يعمل فيه مصور سينمائي. وتزود منظمة الصحة العالمية هذه الوزارة بالأفلام
التي تنشر الوعي الصحي. وفي وزارتي التربية والشؤون الاجتماعية والعمل قسم للسينما،
أما وزارة الدفاع فلديها قسم للسينما أنشأته القيادة العليا للجيش عام 1951، وكان
هذا القسم يقوم بإنتاج جريدة سينمائية كل نصف شهر توزع نسخها على المدن، ولم يلبث
نشاط هذه الجريدة أن امتد إلى العالم الخارجي حيث جرى تبادلها مع غيرها من الجرائد
التي من نوعها، ولكن هذا النشاط خبا بعد ذلك ليقتصر على الأخبار الداخلية، وبعد عام
1961، ألحق هذا القسم بإدارة الشؤون والإرشاد، ولعب دوراً مهماً في تطوير صناعة
السينما في سورية.
واهتمت وزارة الثقافة والإرشاد بعد إنشائها عام 1958 بتأسيس إدارة للسينما، هدفها
نشرة الثقافة السينمائية، وإنشاء مكتبة للأفلام، وإنتاج الأفلام السينمائية.
وتعاقدت الوزارة مع خبراء سوريين وأجانب أنتجوا عدداً وفيراً من الأفلام القصيرة عن
سورية، وآثارها، وفنونها الشعبية، ونهضتها الاقتصادية، والاجتماعية.
وفي عام 1963 بدأت المؤسسة العامة للسينما السورية تبعث إلى الخارج بعدد من الشباب
ليتعلموا الفن السينمائي في أشهر معاهد السينما في العالم. وعاد هؤلاء الشبان من
بعثاتهم ليدفعوا الفن السينمائي في بلادهم إلى الأمام، بل ليبدأوا فناً سينمائياً
جديداً يختلف عما كان عليه قبل هذا التاريخ.
وبداية من عام 1969، تقرر أن تقوم المؤسسة العامة للسينما السورية دون غيرها
باستيراد الأفلام الأجنبية، وأنشأت هذه المؤسسة، لنشر الوعي السينمائي بين الشعب
السوري، أندية للسينما في المدن السورية الكبرى. وكان باكورة إنتاج هذه المؤسسة
فيلم "سائق الشاحنة"، إلا أن مخرجه كان أجنبياً، فلم يتمكن من إعطائه الطابع
المحلي. أما الفيلم الثاني الذي أنتجته هذه المؤسسة فهو "إكليل الشوك"، إخراج نبيل
المالح المخرج السوري المعروف، وهو فيلم سياسي يحكي مأساة الفلسطينيين الذين يعيشون
في المخيمات، وأنتجت المؤسسة بعد ذلك فيلم "كفر قاسم" للمخرج برهان علوية، وهو فيلم
سياسي يعرض قضية الشعب الفلسطيني ويصور مذبحة كفر قاسم. وقد فاز هذا الفيلم
بالجائزة الذهبية في مهرجان قرطاج الخامس.
وأنتجت المؤسسة كذلك "رجال تحت الشمس" الذي قام بإخراجه ثلاثة مخرجين سوريين هم:
نبيل المالح، ومروان مؤذن، ومحمد شاهين. وهو فيلم متفائل على الرغم من مرارة الواقع
الذي يصوره ويتناول فلسطين بقضيتها وشعبها. والفيلم عبارة عن ثلاث قصص انفرد كل
مخرج بإخراج واحدة منها.
وإذا انتقلنا إلى "المخدوعون" الذي أخرجه السينمائي المصري توفيق صالح، عن قصة غسان
كنفاني، فإننا نجده فيلماً يتناول جانباً من المشكلة الفلسطينية، وهي مشكلة
اللاجئين الذين يبحثون عن عمل في دولة عربية. وفاز هذا الفيلم في مهرجان قرطاج
السينمائي أيضاً، ونال الجائزة الذهبية الأولى.
كما قدمت السينما في سورية تجربتين جديدتين من خلال فيلم "الحياة اليومية في قرية
سورية"، إخراج عمر أميرالاي، وفيلم "اليازرلي" قصة حنا مينا.
|