السينما التونسيّة
عرفت تونس السينما قبل غيرها من البلاد العربية، فبعد أن أعلن الفرنسيون الحماية
على تونس عام 1881، قام عام 1896 أحد معاوني الأخوة لوميير بتصوير اثني عشر فيلماً
تسجيلياً عن تونس. وفي عام 1897، نظم ألبير سماما شيكلي، والمصور سولي، حفلات العرض
السينمائية الأولى في مدينة تونس. وفي عام 1905 قام فيلكس مسجيش، لحساب الأخوة
لوميير أيضاً، بتسجيل أفلامٍ تسجيليةٍ عن تونس.
أما أول قاعة عرض سينمائية دائمة أقيمت في مدينة تونس، فهي التي أسستها شركة أوميا
باتيه عام 1907.
وقام ألبير سماما، بتصوير بعض المناظر من منطاد قاده فالير لوكونت عام 1909. وفي
السنة التالية قام المصور نفسه بالتقاط مناظر تحت البحر من غواصة تابعة للأسطول
الفرنسي، بالقرب من شواطئ صفاقس. وبمناسبة زيارة الرئيسي الفرنسي أرمان فاليير
Armand Fallieres
لتونس عام 1911، صُورت أول جريدة سينمائية في تونس، وحمضت وطبعت محلياً.
وبعد الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1919، قام لويتز مورا بتصوير فيلم "الأسياد
الخمسة الملعونون"، وهو أول فيلم طويل يصوَّر في أفريقيا. ويعتبر ابن كملا أول مدير
مالك لدار سينمائية في تونس، بعد أن اشترى في عام 1920 دار أومنيا باتي.
وفي عام 1912 صُور فيلم "معروف" لطيب بلخيريا، وهو أول فيلم بسيناريو فرنسي. وفي
العام التالي صور ألبير سماما شيكلي أول فيلم كتب له سيناريو، وكان اسم الفيلم
"زهرة"، ولعبت ابنته هايدي دور بطلة الفيلم. وفي عام 1924 صور سماما أول فيلم طويل،
تونسي مائة في المائة، واسمه "عين الغزال". وكان ممثلوه تونسيين جميعاً. وأمر الباي
بصرف إعانة لمنتجيه.
وتأسست عام 1928 شركة الأفلام التونسية، وفي العام نفسه صور ديكونكلوا "أسطورة
كربوس"، كما صور "سر فاطمة".
وعرفت تونس السينما الناطقة لأول مرة عام 1929، حين عرض فيها فيلم "مغني الجاز"
لآلان كروسلاند، إنتاج شركة إخوان وارنر. وفي العام نفسه عرفت كذلك أول مجلة
سينمائية، وكان اسمها "أفلام المجلة السينماتوغرافية الأفريقية الشمالية".
ويصوِّر عبدالعزيز حسين في عام 1935 فيلماً بعنوان "تارجي"، قامت بالدور الأول فيه
المطربة حسيبة رشدي. ولكن الفيلم ظل محفوظاً، ولم يعرض على الجمهور. أما أول فيلم
تونسي غنائي ناطق، بترجمة فرنسية على الفيلم ذاته فهو "مجنون قيروان" لمحيي الدين
مراد.
وفي 13 يونية 1946، صدر مرسوم بإنشاء مركز سينماتوغرافي تونسي، اتخذ فيما بعد اسم
استوديوهات أفريكا.
وظلت تونس بلا إنتاج سينمائي محلى زهاء ثلاث سنوات حين قام ألبير لاموريس، عام
1949، بتصوير فيلمه "بيم الحمار الصغير" في جزيرة جربة التونسية. وفي العام التالي
أنشئ الاتحاد التونسي لأندية السينماتوغرافية في تونس. أما في عام 1952، فقد قام
جورج رينين بتصوير "رحلة عبدالله"، وظهر فيه لأول مرة على الشاشة الممثل علي بن
عايد الذي أصبح في الستينيات الممثل الأول في المسرح التونسي.
وأنشئت في عام 1953 الأخبار السينمائية التونسية، وهي جريدة نصف شهرية كانت تنتج في
استوديوهات أفريكا. وفي عام 1954 عرض لأول مرة في تونس السينماسكوب والسينما
البارزة. ويصور سليم دريجا، في السنة نفسها فيلم "شبح للزواج"، ولكن هذا الفيلم لم
يعرض لأن منتجه لم يستكمله. أما أول شركة إنتاج سينمائي في تونس فقد تأسست عام 1955
باسم العهد الجديد.
وفي عام 1955 اعترفت فرنسا بالحكم الذاتي في تونس. وفي 29 ديسمبر صدر مرسوم بإنشاء
جمعية تأسيسية. وتأثرت الحياة الثقافية والفنية في تونس بهذين الحدثين التاريخيين.
ففي عام 1956 أنشئ مكتب للسينما في وزارة الشؤون الثقافية والإعلام. وتطور هذا
المكتب ليصبح قسماً خاصاً عام 1962 وفرعاً للسينما عام 1970.
تأثرت السينما التونسية بهذه الأحداث المهمة، ففي عام 1958 أصدر طاهر الشريعة مجلة
نوادي السينما في صفاقس، وصوَّر جاك بارتيه فيلم "جحا"، الذي أعطى اسمه بعد ذلك
للمجلة التونسية السينمائية الوحيدة التي تصدر في تونس الآن. وأُنشئت في العام
نفسه، منظمة أصدقاء مكتبة الأفلام برئاسة السيدة صوفي الجوللي، التي تحولت عام 1970
إلى مكتبة الأفلام التونسية.
وفي عام 1959 أُنشئت الشركة المساهمة التونسية للإنتاج السينماتوغرافي، كما ألحقت
مكتبة الأفلام بالدولة. وتأسست جمعية تنمية الفنون للمسرح والسينما، وهي أول جمعية
لهواة التمثيل والسينما.
وصدر عام 1960 قانون صناعة السينما، وإنتاج الفيلم، وأسس فـي العام التالي 1961
الاتحاد التونسي للسينمائيين الهواة.
وسارت حركة التحرر في تونس جنباً إلى جنب مع الحركات الفنية والثقافية. ففي عام
1962 تأسست جمعية السينمائيين التونسيين الشبان.
وأنشئ عام 1964 مهرجان في قليبيا التونسية، لسينما الهواة، كما أنشئ مركز للتدريب،
للسينماتوغرافي.
وبدأ التليفزيون في تونس إرساله عام 1966، وفي العام نفسه صور أول فيلم طويل أنتجته
تونس بعد الاستقلال، واسمه "الفجر"، إخراج عمر خليفي. وفي العام نفسه كذلك، استحدثت
أيام قرطاج السينمائية، وهي مهرجان سينمائي سنوي.
وتلاحق النشاط السينمائي في تونس فافتتح عام 1968، المجمع السينماتوغرافي. كما أخرج
صدوق بن عيشة فيلم "مختار أو الضائعون". وأخرج حمودة بن حليمة خليفة فيلم "الأقرع"،
كما صور فريد بوغدير وكلود دانا فيلم "الموت يقلق".
وقام عبد اللطيف بن عمار، عام 1969 بتصوير فيلم "قصة غاية في البساطة"، وصوَّر علي
عبدالوهاب فيلم "أم عباس"، ولعبت زوجته زهرة فايزة المطربة التونسية الدور الأول في
هذا الفيلم، وحصلت الشركة المساهمة التونسية للإنتاج والاستغلال السينماتوغرافي على
امتياز استغلال الأفلام، وتوزيعها بمقتضى المرسوم الصادر في 31 يناير 1969.
وصوَّر عمر خليفي "الفلاجة" في عام 1970. وتأسست جمعية السينمائيين التونسيين
والاتحاد الأفريقي للسينمائيين في العام نفسه. واشترك عام 1971، حمودة بن حليمة،
وهادي بن خليفة، وفريد بوغدير، في إخراج فيلم "في بلاد الترزاني"، وهو فيلم يتكون
من ثلاثة أجزاء مقتبسة من ثلاث قصص لعلي دواجي، الكاتب الفكاهي التونسي. وأخرج
إبراهيم باباي، في العام نفسه فيلم "وغدا ؟". كما أخرج أحمد خشين فيلم "تحت أمطار
الخريف" الذي لم يُسمح بعرضه.
وأدى نجاح أمي تراكي الوجه المشهور في التليفزيون التونسي، إلى قيام المخرج حمامي
بتقديمه سينمائياً عام 1972، وفي العام التالي أخرج عمر خليفي فيلم "الصياح".
واهتمت الحكومة التونسية بالثقافة السينمائية، فافتتحت عام 1974 مكتبة الأفلام
التونسية الجديدة، في حين أخرج عبداللطيف بن عمار فيلم "سجنان"، الذي كان قد أطلق
عليه من قبل "الأب".
وهكذا سار الفيلم التونسي في درب يختلف إلى حد كبير عن الدرب الذي تسير فيه صناعة
السينما في بلاد عربية أخرى، فأغلب الأفلام التونسية لا تهدف إلى الربح بل إلى عرض
القضايا الاجتماعية، والسياسية التي يحاول التونسيون إيجاد حل لها.
|