الفصل الخامس الملامح الاقتصادية والاجتماعية في بيروت في القرن التاسع عشر تعتبر العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في بيروت من أسس التكون التاريخي والديموغرافي والاجتماعي والاقتصادي، ذلك أن هذه الأسس تعود إلى بداية الفتح الإسلامي لبيروت وبلاد الشام، وقد اعتادت العائلات البيروتية عبر عصور متتالية: من الفتح الإسلامي، فالعهد الأموي مروراً بعهود متتالية إلى العهد العثماني، على أن تعيش معاً مسلمين ومسيحيين، وقد أقيمت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين هذه العائلات في بيروت في القرن التاسع عشر فضلاً عن علاقاتها مع رعايا الدولة العثمانية ورعايا الدول الأجنبية، على عدة عوامل وأسس منها : 1- الحارات والأحياء والمناطقفي إطار الحارات والأحياء والمناطق، سواء في داخل السور أو في خارجه تفاعلت العائلات الإسلامية والمسيحية، وكان من أهم الحارات (الأحياء) التي تلتقي من خلالها العائلات البيروتية في باطن بيروت في داخل السور ثلاث حارات : 1- حارة الإسلام. 2- حارة النصارى. 3- حارة اليهود وهي أصغر الحارات. وقد شهدت هذه الحارات والأحياء والمناطق تفاعلاً بين المسلمين والمسيحيين في مختلف المجالات، حتى أن تكون المناطق البيروتية خارج السور، اختط خطة جديدة له أكثر انفتاحاً حيث شهدت مناطق الأشرفية، ورأس النبع ورأس بيروت وزقاق البلاط والمزرعة وسواها تمازجاً سكانياً إسلامياً – مسيحياً، مما أسهم مجدداً في تزايد العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. 2- الأسواق البيروتية: لقد شهدت بيروت أسواق متخصصة في باطن بيروت كانت عاملاً أساسياً في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين المسلمين والمسيحيين في القرن التاسع عشر. ومن بين هذه الأسواق : سوق الأساكفة، سوق البازركان، سوق الحدادين، سوق البوابجية، سوق البياطرة، سوق الخضار، سوق الساحة، سوق ساحة الخبز، سوق الشعارين، سوق الشبقجية، سوق العطارين، سوق القطن، سوق اللحامين، سوق المنجدين، سوق النجارين، سوق باب إدريس، سوق سرسق، سوق اياس، سوق سيور، سوق الجميل، وسواها. وبدون أدنى شك، فقد كانت هذه الأسواق تكون مجتمعاً اجتماعياً واقتصادياً للأسرة البيروتية : المسلمة والمسيحية. وقد شهدت معاملات مهنية وحرفية أنتجت مزيداً من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. وكثيراً ما شهدت هذه الأسواق تفاعلات مع التجار غير البيارتة سواء القادميـن من المناطق اللبنانية، أو الولايات العربية، أو الدول الأجنبية. 3- مرافئ بيروتشهدت بيروت منذ فجر التاريخ مرفأها الشهير، وكانت تشاهد جميع أنواع السفن التجارية والحربية في هذا المرفأ لاسيما في القرن التاسع عشر. ونتيجة لتطور العلاقات الاقتصادية بين بيروت والولايات العربية والبلدان الأجنبية، فقد استحدثت عدة مرافئ متخصصة منها : ميناء القمح، ميناء البصل، ميناء الأرز، ميناء البطيخ، ميناء الخشب، ميناء السلسلة، وموانئ أبعد قليلاً منها : ميناء الشامية، ميناء الحصن (الحسن)... ولا شك بأن هذه المرافئ مجتمعة شكلت حركة ناشطة اقتصادية واجتماعية، فكانت مراكز حضارية للتلاقي الإسلامي – المسيحي في إطار المصالح الاقتصادية والتجارية المتبادلة. 4- الخانات (الفنادق)شهدت بيروت كسائر المدن العثمانية، خانـات (فنادق) عديدة تنتشر حول مرفأ بيروت، وحول الأحياء البيروتية في باطن بيروت، مثل خان أنطون بك، الخـان الجديد، خان فخري بك... وهذه الخانات كان يرتادها التجار من اللبنانيين والعرب والأجانب، وتعقد فيها الاجتماعات مع تجار بيروت من مختلف الطوائف اللبنانية، وكانت هذه الاجتماعات ذات أبعاد اقتصادية، مما كان ينعكس إيجاباً على العلاقات الاجتماعية والمنافسات الاقتصادية بين المسلمين والمسيحيين البيارتة. 5- الساحات والحدائق والمياديناهتمت الدولة العثمانية لاسيما في القرن التاسع عشر، بإقامة الساحات والحدائق والميادين العامة، كمراكز ترفيهية، ومتنزهات لأبناء بيروت قاطبة. وكانت ساحة البرج (الشهداء فيما بعد) من أهم ساحات الالتقاء بين البيارتة على مر تاريخ بيروت، فضلاً عن ساحات أخرى مثل : ساحة الثكنات، ساحة الدركاه، ساحة دير العازارية، ساحة القمح، ساحة الهال، ساحة المصلى، فضلاً عن ميدان البلشة، وميدان بيروت، وميدان حرج بيروت، وحدائق متعددة في مقدمتها حديقة الجوسق في باطن بيروت. إن جميع هذه الساحات والحدائق والميادين والمزارع أيضاًَ، كانت عنصراً أساسياً من عناصر العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين المسلمين والمسيحيين في بيروت. 6- طرق المواصلات والبريد والبرق والهاتف والكهرباءشهد القرن التاسع عشر نقلة نوعية في تقديم الخدمات في ولايات ومدن الدولة العثمانية، ومن بينها مدينة بيروت التي شهدت نهضة عمرانية واقتصادية واجتماعية واضحة المعالم. وبدون أدنى شك، فإن القرار العثماني الذي نص على ضرورة تعبيـد الطرقات البرية، وإنشاء خطوط السكك الحديدية لاسيما خط بيروت – دمشق، فضلاً عن خطوط السكك الحديدية بين المناطق اللبنانية، كل ذلك أدى إلى تطور الحركة التجارية والاقتصادية والمالية في بيروت والمناطق اللبنانية. كما أسهم البريد والبرق والهاتف والكهرباء فيما بعد بتطور لافت في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، كون هذه العناصر من سمات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. 7- المحاكم الشرعية في بيروتإن المحاكم الشرعية في بيروت في العهد العثماني، كانت تنقسم إلى عدة محاكم، وهي تماثل محاكم العدلية اليوم، ولم تكن حكراً على معاملات ودعاوى المسلمين، بل كانت لجميع الطوائف وفئات المجتمع ليس للبيارتة فحسب، وإنما لكل مقيم في بيروت، أو لكل من أوكل من المناطق العثمانية وكيلاً عنه في بيروت لمعاملة ما، ثم إنها لم تقتصر اهتماماتها على معاملات الإرث والزواج والطلاق والوصية، بل شملت معاملاتها جميع ما يتعلق بالحياة الدينية والدنيوية للمسلمين والمسيحيين على السواء، بما فيهم الأجانب من رعايا عاديين، ومن قناصل وهيئات قنصلية ودبلوماسية. من هنا ندرك أهمية سجلات المحكمة الشرعية في بيروت، فهي وثائق أساسية لا يمكن الطعن في صحتها، من حيث توثيقها للحياة الاجتماعية والاقتصادية، ومن حيث توثيقها للمعاملات المالية، بما فيها الاطلاع على أنواع العملات والنقود العثمانية والأجنبية المتداولة في العهد العثماني. وفضلاً عن هذا وذاك، فإن مراكز المحاكم الشرعية في بيروت تكمن أهميتها في أنها كانت مراكز التقاء بين المسلمين والمسيحيين للبحث في بعض الشؤون المالية أو الاجتماعية أو الدينية. 8- عناصر أخرىبالرغم من تواضع مدينة بيروت مقارنة مع مدن عثمانية كبرى مثل دمشق والقاهرة وبغداد، غير أن بيروت لا سيما بعد إعلانها ولاية عام 1888، باتت أكثر أهمية، وشهدت مزيداً من العلاقات الإسلامية – المسيحية. ومما ضاعف من هذه العلاقات عناصر أخرى – غير السابقة الذكر – منها :1- الجوامع والمساجد والزوايا والكنائس والأديرة. 2- المؤسسات الحكومية. 3- السرايات. 4- الخستة خانات (المستشفيات). 5- المدارس والجامعات. 6- بلدية بيروت. 7- حرج بيروت. 8- الجبانات والمقابر الإسلامية والمسيحية. 9- القيساريات (الأسواق المسقوفة). 10-المقاهي. يتبين لنا، من خلال دراستنا لعناصر وأسس "العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين المسلمين والمسيحيين في بيروت في القرن التاسع عشر" كم هي مهمة دراسة هذه العناصر من خلال وثائق وسجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة، إذ باستطاعة الباحث التوصل إلى حقائق جديدة عن بيروت، لاسيما في إطار العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، بحيث تمثل هذه الحقائق مادة بحثية وتاريخية جديدة، تؤدي إلى إغناء المكتبة اللبنانية والعربية وإثرائها بحقائق وعناصر لم يسبق نشرها عن تاريخ بيروت العثمانية وعن التاريخ اللبناني الحديث. 9- الإدارة العثمانية في بيروت وبعض عائلاتها الإسلامية والمسيحيةكانت الدولة العثمانية تعين والي ولاية بيروت من الجنسية التركية، ويكون مقره مدينة بيروت، وكان يعاونه في إدارة الولاية والأقضية : المفتي، مجلس إدارة الولاية، مأمورو الولاية، المحكمة الشرعية وقضاتها وكتبتها، هيئة التخمين، محكمة استئناف الحقوق، محكمة استئناف الجزاء، محكمة بداية الحقوق، محكمة بداية الجزاء، المدعي العام ومعاونه، مأمور دائرة الأجراء، دائرة الاستنطاق، محرر المقاولات، محكمة التجارة، مأمورو إدارة المعارف، دائرة الأوقـاف ولجنة الأوقاف، لجنة الطرق والمعابر، إدارة البنك الزراعي، دائرة الشرطة. وكانت هذه الدوائر أو بعضها يضم بعض الموظفين مثال : الدفتردار، المكتوبجي، المحاسبجي، التذكرجي، اليوزباشي، القومندان، رئيس المحكمة، مدير البوليس، رئيس البلدية، نقيب الأشراف، مدير البرق والبريد، مدير المعارف، مفتش الصحة، مدير الأمور الأجنبية، رئيس مهندسي النافعة، ناظر النفوس، مدير تحرير الويركو (الضرائب)، محاسب الأوقاف، مفتش الأحراج، مأمور السجل السلطاني، مأمور المعية، مفتش الزراعة.... ومن بين ولاة بيروت الذين تبوأوا منصب الوالي : مدحت باشا، أدهم باشا، بكر سامي بك، حازم بـك، حمدي باشا، خليل باشا، رشيد باشا، ناظم باشا، عزمي بك، علي منيف بك، إسماعيل حقي. أما رؤساء بلدية بيروت فقد كانوا من أبناء بيروت ومنهم : محي الدين حمادة، الشيخ عبد القادر قباني، عبد القادر الدنا، محمد أياس، سليم علي سلام، عمر الداعوق. أما العائلات البيروتية في العهد العثماني فهي بأكثريتها من الطائفة الإسلامية وهناك عائلات مسيحية جلها من الروم الأرثوذكس. أما أهم العائلات البيروتية الإسلامية فهي على سبيل المثال لا الحصر : الأزهري، الأسطة، الأسير، الأحدب، الأنسي، إدريس، أياس، بالوظة، قليلات، بدران، البراج، البربير، برهومي، بكداش (ومكداشي وبكداشي) بكار، بنداق، بلوز مشاقو (مشاقـة)، بليق، بواب، بولاد الحوت، بيضون، بيهم، تنير، جبر، الجبيلي، الجزائري، الحسامي، جلول، الجمَّال، الجندي، جارودي، حاسبيني، حبـوب، |