وراح عبد الغني العريسي يندد بالحكومة العُثمانيّة إذا حاولت عقد الصلح مع إيطاليا، وطالب بخروج الإيطاليين من ليبيا. ثم دعا أهل بيروت والأمة إلى وجوب توفر القوة الماديّة، ووجوب النهضة والترقي والمعالي، وإقتحام المخاطر، ورفض سياسة الاذلاء الضعفاء الذين يسيّرون الأمة على نحو ما يشتهون.
ونتيجة للقلق والتخوف من المستقبل، تداعى أهل بيروت، وإجتمعوا بالوالي أبي بكر حازم بك، ثم إجتمعوا بالوالي الجديد أدهم بك، وطالبوا الدولة العُثمانيّة بإصلاحات جذريّة، ورأوا أن الحل الأمثل للخروج من هذه الحال هو (إجراء الإصلاحات في ولاية بيروت، وفي جميع الولايات). وبالفعل فقد جرت مكاتبات بين الوالي والصدر الأعظم الجديد كامل باشا رئيس الحكومة الإئتلافيّة، وقد تمّ الإتفاق بينهما على ضرورة تنظيم لائحة إصلاحيّة تقدّم إلى مجلس المبعوثان وبرعاية الدولة وتحت إشرافها. ولهذا فقد ألّف الوالي هيئة إصلاحيّة مكونة من : كامل أحمد باشا الصلح، أحمد مختار بيهم، إبراهيم أفندي ثابت، بترو أفندي طراد.
وفي الوقت ذاته جرت مساع لتكوين هيئة إصلاحيّة غير رسميّة. وبالفعل فقد إجتمع عدد من البيروتيين من مختلف الطوائف الإسلاميّة والمسيحيّة للتداول في الأمر. وفي يوم الأحد في 14 كانون الثاني عام 1913م إجتمع في دار المجلس البلدي أفراد الهيئة الإصلاحيّة برئاسة الشيخ أحمد عباس الأزهري. وقد تكونت الهيئة من إثنين وأربعين عضواً من الطائفة الإسلاميّة، وإثنين وأربعين عضواً من الطوائف المسيحيّة، ومن إثنين من الطائفة اليهوديّة. وكانت هذه الهيئة قد إتخذت إسماً لها هو (جمعيّة الإصلاح لولاية بيروت)، واعتبرت في حينه أول تكتل إصلاحي سياسي في بيروت غير ديني.
هذا وقد بدأت الجمعيّة في عقد جلساتها في منطقة باب إدريس في (نادي الحريّة الإئتلاف) الذي تحوّل من أكثر من 10 شباط عام 1913م إلى (النادي الإصلاحي). وبعد عدد من الجلسات المكثفة، وضعت اللائحة الإصلاحيّة التي تضمنت كيفيّة إصلاح ولاية بيروت وبقية الولايات العربيّة. وبحثت اللائحة في شؤون الإدارة ومسؤولية الوالي والمجلس العمومي وكيفيّة تعيين الموظفين وعزلهم، وكيفيّة تعيين المستشارين والمفتشين، ومالية الولاية، وتنظيم الأراضي المحلولة والأملاك الأميريّة، والأوقاف والبلديات، والخدمة العسكريّة، وجعل اللغة العربيّة لغة رسميّة مثل اللغة التركيّة في مجلس المبعوثان (مجلس النواب) والأعيان .... كما طالبت اللائحة بإعتماد اللامركزيّة أساساً لحكم الولايات العربيّة وبينها ولاية بيروت.
وفي الوقت الذي صدّقت (جمعيّة الإصلاح) على اللائحة، فإذا بالتطورات السياسيّة تتلاحق في الآستانة، ففي 23 كانون الثاني عام 1913م اسقط الإتحاديون حكومة كامل باشا الإئتلافيّة، وتمّ تغيير الحكومة، وأصبح محمود شوكت الصدر الأعظم الجديد، ثم جرى تغيير والي بيروت أدهم بك، فأعيد إليها مجدداً أبو بكر حازم بك.
وفي 12 آذار عام 1913م إجتمع مع الوالي الجديد بعض أعضاء الجمعيّة الإصلاحيّة ومنهم : كامل الصلح، سليم علي سلام: أحمد مختار بيهم، وبترو طراد، وطالبوا العمل على تنفيذ مشروع اللائحة الإصلاحيّة، فأبدى تجاوباً، غير أنه رأى أن الأمر ليس بيده، وإنما القرار الأخير إلى حكومة الآستانة، وأن الأمر يحتاج إلى درس دقيق. ونتيجة للفتور الذي ساد العلاقة بين أعضاء الجمعيّة الإصلاحيّة وبين والي بيروت، بدأ الأعضاء بالإستقالة من المناصب الرسميّة، كما رفض البعض الآخر تولي أية مناصب. وبعد مراسلات بين والي بيروت وحكومته في الآستانة، قررت الحكومة حل (الجمعيّة الإصلاحيّة) ومنع إجتماعاتها. وفي 8 نيسان عام 1913م أصدر أبو بكر حازم بك منشوراً بهذا المعنى، مبرراً الحل، بأن تأسيس الجمعيّة غير قانوني، وأتى مغايراً لنصوص وقانون الجمعيات، كما أن بعض المطالب الإصلاحيّة منافية لأحكام القانون الأساسي. وهدد الوالي في منشوره، بأنه في حال عقدت الجمعيّة أية إجتماعات، فإنه سيتخذ بحق أعضائها ما يقتضيه القانون .
ونتيجة لحل جمعيّة بيروت الإصلاحيّة، تداعى أعضاؤها للبحث في المستجدات، وتمّ الإتفاق على إرسال برقيات إحتجاج للسلطان العُثماني وللصدر الأعظم ولوالي بيروت ولنظارة (وزارة) الداخليّة وللصحف العُثمانيّة.