سعد بن أبي وقاص
واسم أبي وقاص مالك بن أهيب
الأمير أبو إسحاق القرشي الزهري المكي ،
أحد العشرة ، وأحد السابقين الأولين ، وأحد من شهد بدراً والحديبية ، وأحد الستة
أهل الشورى
.
توفي بالعقيق في قصره ، على سبعة أميال من المدينة،
وحمل إليها سنة خمس وخمسين
.
عن سعيد بن المسيب : سمعت سعداً يقول : ما
أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت ، ولقد مكثت سبع ليال وإني لثلث الإسلام
.
وقال سعد : ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد قبلي ، ولقد رأيته يقول
لي : "ارم يا سعد ، فداك أبي وأمي " ، وإني لأول المسلمين رمى المشركين بسهم ، ولقد
رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة مالنا طعام إلا ورق السمر، حتى
إن أحدنا ليضع كما تضع الشاء
.
وعن
عامر بن سعد عن أبيه : أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم جمع لأبويه . قال : كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ارم فداك أبي وأمي " فنزعت بسهم ليس فيه نصل
فأصبت جبهته ، فوقع فانكشفت عورته ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت
نواجذه.
وعن عائشة قالت : أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة
فقال : ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة ، قالت : فسمعنا صوت السلاح ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هذا ؟ قال سعد بن أبي وقاص : أنا يا رسول
الله ، جئت أحرسك ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه
.
وعن عامر بن سعد أن أباه سعداً كان في غنم له ، فجاء ابنه عمر، فلما رآه قال : أعوذ
بالله من شر هذا الراكب ، فلما انتهى إليه قال : يا أبة أرضيت أن تكون أعرابياً في
غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة ، فضرب صدر عمر وقال : اسكت فإني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي).
وعن
أبي إسحاق قال : أشد الصحابة أربعة : عمر وعلي والزبير وسعد
.
وعن أبي عثمان أن سعداً قال : نزلت هذه الآية فيّ {وإن جاهداك على أن
تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } قال: كنت براً بأمي ، فلما أسلمت قالت: يا
سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت ؟ لتدعن دينك هذا أولا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير
بي فيقال : يا قاتل أمه، قلت : لا تفعلي يا أمه إني لا أدع ديني هذا لشيء ، فمكثت
يوماً لا تأكل ولا تشرب وليلة ، وأصبحت وقد جهدت ، فلما رأيت ذلك قلت : يا أمه
تعلمين والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني ، إن شئت فكلي أو
لا تأكلي ، فلما رأت ذلك أكلت
.
وعن جابر قال : كنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، إذ أقبل سعد بن مالك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هذا
خالي فليرني امرؤ خاله).
قلت: لأن أم النبي زهرية ، وهي آمنة بنت وهب بن عبد
مناف ابنة عم أبي وقاص
.
قال سعد : اشتكيت بمكة ، فدخل عليّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعودني ، فمسح وجهي وصدري وبطني وقال : " اللهم اشف سعداً " ، فما
زلت يخيل إ ليّ أني أجد برد يده على كبدي حتى الساعة
.
وعن
عامر بن سعد عن
أبيه قال : مرضت عام الفتح مرضاً أشفيت منه ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعودني ، فقلت: يا رسول الله ، إن لي مالاً كثيراً ، وليس لي إلا ابنة ، أفأوصي
بمالي كله ؟ قال: لا ، قلت : فالشطر ؟ قال: لا ، قلت: فالثلث ؟ قال : والثلث كثير ،
إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ، لعلك أن تؤخر على
جميع أصحابك ، وإنك لن تنفق نفقة تريد بها وجه الله إلا أجرت فيها ، حتى اللقمة
ترفعها إلى فيّ امرأتك ، قلت: يا رسول الله ، إني أرهب أن أموت بأرض هاجرت منها ،
قال: لعلك أن تبقى حتى ينتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون ، اللهم امض لأصحابي هجرتهم
، ولا تردهم على أعقابهم ، لكن البائس سعد بن خولة . (يرثي له أنه مات بمكة).
وعن قيس : أخبرني سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اللهم
استجب لسعد إذا دعاك).
وعن جابر قال : شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر
فقالوا: إنه لا يحسن أن يصلي ، فقال سعد : أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلاتي العشي لا أخرم منها ، أركد في الأوليين وأحذف في
الأخريين ، فقال عمر : ذاك الظن بك يا أبا إسحاق ، فبعث رجالاً يسألون عنه بالكوفة
، فكانوا لا يأتون مسجداً من مساجد الكوفة إلا قالوا خيراً ، حتى أتوا مسجداً لبني
عيسى ، فقال رجل يقال له أبو سعدة : أما إذا نشدتمونا بالله ، فإنه كان لا يعدل في
القضية ، ولا يقسم بالسوية ، و لا يسير بالسرية ، فقال سعد : اللهم إن كان كاذباً
فأعم بصره ، وأطل عمره ، وعرضه للفتن
.
قال عبد الملك : فأنا رأيته يتعرض للإماء
في السكك ، فإذا سئل : كيف أنت ؟ يقول : كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد
.
وعن ابن المسيب : أن رجلاً كان يقع في علي وطلحة والزبير ، فجعل سعد ينهاه ويقول
:
لا تقع في إخواني ، فأبى ، فقام سعد وصلى ركعتين ودعا ، فجاء بختي يشق الناس ،
فأخذه بالبلاط فوضعه بين كركرته والبلاط حتى سحقه ، فأنا رأيت الناس يتبعون سعداً
ويقولون :هنيئاً لك يا أبا إسحاق ، استجيبت دعوتك .
وفي سنة إحدى وعشرين شكا أهل الكوفة سعداً فعزله
.
ومن
مناقب
سعد أن فتح العراق كان على يدي سعد ، وهو كان مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية ، ونصر
الله دينه ، ونزل سعد بالمدائن ، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء ، فكان النصر على
يده ، واستأصل الله الأكاسرة
.
وعن
عمرو بن ميمون : عن عمر أنه لما أصيب
جعل الأمر شورى في الستة ، وقال : من استخلفوه فهو الخليفة بعدي ، وإن أصابت سعداً
وإلا فليستعن به الخليفة بعدي ، فإنني لم أنزعه يعني عن الكوفة من ضعف ولا خيانة
.
وعن حسين بن خارجة الأشجعي قال: لما قتل عثمان أشكلت عليّ الفتنة ، فقلت
:
اللهم أرني من الحق أمراً أتمسك به ، فرأيت في النوم الدنيا والآخرة بينهما حائط
، فهبطت الحائط فإذا بنفر فقالوا: نحن الملائكة ، قالت : فأين الشهداء ؟ قالوا:
اصعد الدرجات ، فصعدت درجة ثم أخرى ، فإذا محمد و إبراهيم ، صلى الله عليهما ، وإذا
محمد يقول لإبراهيم : استغفر لأمتي ، قال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم
أهرقوا دماءهم ، وقتلوا إمامهم ، ألا فعلوا كما فعل خليلي سعد ؟
قال : قلت
:
لقد رأيت رؤيا فأتيت سعداً فقصصتها عليه، فما أكثر فرحاً، وقال : قد خاب من لم
يكن إبراهيم عيه السلام خليله ، قلت : مع أيّ الطائفتين أنت ؟ قال : ما أنا مع واحد
منهما ، قلت : فما تأمرني ؟ قال : هل لك من غنم ؟ قلت : لا ، قال : فاشتر غنماً ،
فكن فيها حتى تنجلي
.
قلت: اعتزل سعد الفتنة ، فلا حضر الجمل ولا صفين ولا
التحكيم ، ولقد كان أهلاً للإمامة ، كبير الشأن ، رضي الله عنه
.
وعن أم
سلمة أنها قالت : لما مات سعد وجيء بسريره فأدخل عليها ، جعلت تبكي وتقول : بقية
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
مات سنة ست وخمسين
.
|