عبد الله بن حذافة السهمي
إبن واضح ، الإمام ، شيخ الإسلام، عالم زمانه و أمير الأتقياء في وقته ، أبو عبد
الرحمن الحنظلي مولاهم التركي ثم المروزي، الحافظ الغازي ، أحد الأعلام.
مولده في سنة ثمان عشرة ومئة
.
قال نعيم بن حماد : كان ابن المبارك
يُكثر الجلوس في بيته ، فقيل له : ألا تستوحش ؟ فقال : كيف استوحش و أنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم و أصحابه ؟.
قال أشعث بن شعبة المصِّيصي : قدم الرشيد
الرقة ، فانجفل الناس خلفَ ابن المبارك ، وتقطعت النعال و ارتفعت الغبرة ، فأشرفت
أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب ، فقالت : ماهذا ؟ قالوا : عالم من أهل
خراسان قدم ، قالت : هذا والله المُلكُ ، لا ملكُ هارون الذي لا يجمع الناس إلا
بشُرط و أعوان.
قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق : سمعت أبي قال : كان
ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو ، وفيقولون : نصحبك ،
فيقول : هاتوا نفقاتكم ، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويُقفل عليها ، ثم يكتري
له ويخرجهم من مرو إلى بغداد ، فلا يزال يُنفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام و أطيب
الحلوى ، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي و أكمل مُروءة ، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول
صلى الله عليه وسلم، فيقول لكل واحد : ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من
طُرفها ؟ فيقول : كذا وكذا فيشتري لهم ، ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم قال لكل
واحد منهم : ما أمرك عيالُك أن تشتري لهم من متاع مكة ؟ فيقول : كذا وكذا ، فيشتري
لهم ، ثم يُخرجهم من مكة، فلا يزال يُنفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو ، فيجصص
بيوتهم و أبوابهم ، فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة و كساهم، فإذا أكلوا
وسرّوا دعا بالصندوق ، ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صُرته عليها اسمه
.
قال
سفيان الثوري : إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك ، فما أقدر أن
أكون ولا ثلاثة أيام
.
قال
ابن عُيينة : نظرت في أمر الصحابة ، و أمر
عبدالله ، فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وغزوهم
معه.
قال
القاسم بن محمد بن عباد : سمعت سُويد بن سعيد يقول : رأيت ابن
المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى شربة ، ثم استقبل القبلة ، فقال : اللهم إن ابن أبي
الموال حدثنا عن محمد بن المُنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
: (( ماء زمزم لما شُرب له )) وهذا أشربه لعطش القيامة ، ثم شربه
.
قال
نعيم
بن حماد : كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة
من البكاء، لا يجترئ أحد منا أن يسأله عن شيء إلا دفعه
.
قال أبو حاتم
الرازي : حدثنا عبدة بن سليمان المروزي قال : كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد
الروم ، فصادفنا العدو ، فلما التقى الصفان ، خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز ،
فخرج إليه رجل فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم دعا إلى البراز ، فخرج إليه رجل ، فطارده
ساعة فطعنه فقتله فازدحم إليه الناس ، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك و إذا هو
يكتم وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو هو . فقال : و أنت يا أبا عمرو ممن
يُشنع علينا
.
وقال أبو حسان عيسى بن عبد الله البصري : سمعت الحسن بن
عرفة يقول : قال لي ابن المبارك : استعرت قلماً بأرض الشام ، فذهبت على أن أرده
فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي ، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه
.
قال أسود بن سالم : كان ابن المبارك إماماً يُقتدى به ، كان من أثبت الناس في
السنة،إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك فاتهمه على الإسلام
.
اجتمع جماعة
فقالوا : تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير ، فقالوا : العلم ، والفقه ،
والأدب ، والنحو ، و اللغة ، و الزهد ، و الفصاحة ، و الشعر ، و قيام الليل ، و
العبادة ، و الحج ، و الغزو ، و الشجاعة ، و الفروسية ، و القوة ، و ترك الكلام
فيما لا يعنيه ، والإنصاف ، وقلة الخلاف على أصحابه
.
قال حبيب الجلاب
:
سألت ابن المبارك ، ماخير ما أعطي الإنسان ؟ قال : غريزة عقل ، قلت : فإن لم يكن
؟قال : حسن أدب ، قلت : فإن لم يكن؟ قال : أخٌ شفيق يستشيره، قلت : فإن لم يكن ؟
قال : صمت طويل ، قلت : فإن لم يكن ؟ قال : موت عاجل
.
عن عبد الله قال
:إذا
غلبت محاسن الرجل على مساوئة لم تذكر المساوئ ، و إذا غلبت المساوئ على
المحاسن لم تذكر المحاسن
.
قيل لابن المبارك : إذا أنت صليت لم لا تجلس
معنا ؟ قال : أجلس مع الصحابة و التابعين ، أنظر في كتبهم و آثارهم فما أصنع معكم ؟
أنتم تغتابون الناس
.
وجاء أن ابن المبارك سُئل : من الناس ؟ فقال
:
العلماء ، قيل : فمن الملوك ؟ قال : الزهاد، قيل : فمن الغوغاء ؟ قال : خزيمة
وأصحابة ( يعني من أمراء الظلمة )، قيل : فمن السفلة ؟ قال : الذين يعيشون بدينهم
.
وعنه قال : إن البصراء لا يأمنون من أربع : ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع
فيه الرب عز و جل ، وعمر قد بقي لا يُدرى مافيه من الهلكة ، وفضل قد أُعطي العبد
لعله مكر واستدراج ، وضلالة قد زينت يراها هدىً ، وزيغ قلب ساعة فقد يسلب المرء
دينه ولا يشعر
.
عن ابن المبارك قال : من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ، ومن
استخف بالأمراء ذهبت دنياه ، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته
.
عن محمد بن
إبراهيم بن أبي سُكينة ، قال : أملى علي ابن المبارك سنة سبع وسبعين ومئة ، وأنفذها
معي إلى الفضيل بن عياض من طرسوس
:
ياعابد
الحرمين لو أبصرتنا |
لعلمت أنك في
العبادة تلعب
|
من كان يخضب جيده بدموعه |
فنحورنا بدمائنا تتخـضب |
أو
كان يُتعب خيله في باطلٍ |
فخيولنا
يوم الصبيحة تتعب |
ريحُ العبير لكم ونحن
عبيرنا |
رهج السنابك والغبار الأطيب |
ولقد
أتانا من مقال نبينا |
قول
صحـيح صادق لا يكذب |
لا
يستوي وغبار خيل الله في |
أنف امرئ ودخان نار
تلهـب |
هذا كتابُ الله ينطق بيننا |
ليس الشهـيد بميت لا يُكذبُ
|
فلقيت
الفُضيل بكتابة في الحرم فقرأ و بكى ثم قال : صدق أبوعبد الرحمن ونصح
.
وجاء
من طرق عن ابن المبارك ، ويُقال : بل هي لحميد النحوي :
اغتنم ركعتين
زُلفى إلى اللـه |
إذا كـنت فارغاً مُستريحاً |
وإذا ما هممت بالنطق بالباطل |
فاجعل
مكـانه تسبيـحاً |
فاغتنم السكوت أفضل من خوض |
وإن
كنت بالكلام
فصيحاً |
وقال إسماعيل بن إبراهم المصيصي: رأيت الحارث بن عطية في النوم،
فسألته، فقال : غفر لي، قلت :فابن المبارك ، قال : بخ بخ ذاك في علِّيين ممن يلج
على الله كل يوم مرتين
.
مات سنة إحدى وثمانين ومئة
.
عن يحيى
الليثي قال : كنا عند مالك، فاستؤذن لعبد الله بن المبارك بالدخول فأذن له،
فرأينا مالكاً تزحزح له في مجلسه ، ثم أقعده بلصقه ، وما رأيت مالكاً تزحزح لأحد في
مجلسه غيره ، فكان القارئ يقرأ على مالك ، فربما مر بشيء فيسأله مالك : ما مذهبكم
في هذا ؟ أو ما عندكم في هذا ؟فرأيت ابن المبارك يُجاوبه ، ثم قام فخرج فأعجب مالك
بأدبه ، ثم قال لنا مالك : هذا ابن المبارك فقيه خراسان
.
وسئل ابن
المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة فقال : إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا
.
|