«حي السريان»: 90 عاماً من الانتظار
النازحون من «بين النهرين» كمواطنين
في العام ,1995 أخلى أهالي «وقف فقراء طائفة السريان الكاثوليك»، في منطقة الأشرفية ـ «أوتيل ديو»، منازلهم المتواضعة. جرفتها الآليات تحت أنظارهم. كان أملهم كبيراً في «التعهد الصريح» الموقع بينهم وبين بطريركيتهم، والذي يقضي بحصول كل عائلة على شقة بمواصفات «طبيعية» في مجمعات سكنية موعودة. إنما، وبعد تسع سنوات من العيش بين المقابر أو في قبو تحت الكنيسة أو في في شقق مفروشة وأديرة، بدأ، في العام ,2004 التململ من أن بطرس الثامن عبد الأحد، بطريرك الطائفة «الجديد» آنذاك، لم ينفذ الاتفاقية «التي التزم بها سلفه ومعاونوه». واعتبر أهالي الحي أنه سلّم بعض العائلات مفاتيح شقق على أساس «اتفاقية سماح أعدها محاموه بطريقة لا تمنح الأهالي أي حق بالشقق، بل تجعل منهم مجرد محتاجين في الطائفة.
وكان البطريرك بطرس الثامن عبد الأحد، قد قال مطلع العام ,2003 إن «توقيع الأهالي على التصريح والتعهد مع المطران السابق (انطون الثاني حايك) لا يعني حصول العائلات تلقائياً على الشقق، لأن هناك تزويراً في عدد العائلات». وعن الوجه القانوني لـ«اتفاقية السماح» قالت محامية الأهالي آنذاك، رين يوسف، انه «ليس في القانون تسمية عقد سماح، وبالتالي لا تضمن الاتفاقية حقوق الناس، فهم أصحاب حقوق، بالمعنى القانوني، وليس الأمر مجرد تسامح أو سماح لهم، لأن هذه الصفة تفقدهم حقوقهم، وتجعل مصيرهم في يد البطريركية.
تاريخياً، كان وقف طائفة السريان الكاثوليك يمتد على مساحة سبعة آلاف متر مربع، على العقار الرقم 1021 في منطقة الأشرفية. ويعود أمر وضعه تحت وصاية بطريرك الطائفة إلى العام ,1917 حين وهبه الكونت «فيليب دو طرزي» للفقراء من أبناء الطائفة، بوصاية بطريركها. هكذا، صارت 220 عائلة تقطن في منازل على هذا العقار، لكن من دون تملك أي صكوك ملكية أو دفع بدلات إيجار أو تلقي إيصالات. وبقي الوضع على حاله حتى العام ,1970 حين أعربت الدولة عن نيتها في استملاك العقار لشق أوتوستراد، مقتطعة 4300 م.م. من أصل المساحة، مع قرار بتحويل المساحة المتبقية إلى حديقة عامة. وقتها، رفض السريان الكاثوليك، بطريركية وأفراداً، القرار، منعاً لتشريد الأهالي من أكبر تجمع سكني لهم.
وأدى الاعتراض على مشروع الأوتوستراد، وإعداد الدراسات وتأمين التمويل وأمور أخرى، إلى تأخير التنفيذ حتى العام .1975 اندلعت الحرب الأهلية، وتوقف الحديث عن المشروع، تلقائياً. بقيت العائلات في «حي السريان»، واستمرت البطريركية في وصايتها عليها.
ثم، فجأة، ومع بداية العام ,1995 أبلغت شركة «أشادا» (وكانت متعهدة تنفيذ جسر العدلية واستكماله بأوتوستراد يمتد حتى منطقة رأس النبع) الأهالي بنيتها تنفيذ المشروع، مما يستتبع هدم منازلهم، فأنذرت السكان بضرورة الإخلاء. سارع الأهالي إلى تأليف لجنة، برعاية ووصاية البطريرك، لمتابعة الموضوع. وتمكّنت اللجنة من الاستحصال، من الدولة، على مرسوم جمهوري حمل الرقم 7070 بتاريخ 26 تموز 1995، وقضى بإلغاء الحديقة العامة، التي كانت ستحتل مساحة 2700 متر مربع من مساحة الوقف، والموافقة على بناء مجمعات سكنية على هذه المساحة للعائلات التي ستضطر إلى إخلاء منازل عاشت فيها منذ العام .1917 ثم كلّفت اللجنة مهندسين بإعداد الخرائط اللازمة لبناء أربعة مجمعات سكنية تحتوي على 124 شقة، وبذلك كان من المفترض أن تؤمن البطريركية شققاً سكنية لمئتين وعشرين عائلة كانت تشكل سكّان «حي السريان.
واليوم، يقطن نصف أصحاب الحقوق، تقريباً، في الشقق الجديدة، بعدما كانوا قد وقعوا على عقد السماح المذكور. فيما ينتظر النصف الآخر، الذي لم يوقع، ما سينتج عن المداولة في المحكمة في أيار المقبل. علماً أن أصحاب الحقوق لم يطالبوا يوماً بتسجيل الشقق بأسمائهم، وإنما بإعادة الحال، في ظل توفر الشقق الجديدة، إلى ما كان عليه سابقاً لجهة وصاية البطريركية وعلاقتهم بها.
أعلى الصفحة
|