الكولا لن تبقى مجرد نقطة انطلاق
يخفي السياج الباطوني الذي أحيط بمعمل الكولا سابقاً ورشة إعمار كبرى، ربما تشكل بداية الطريق نحو تغيير معالم المنطقة المعمارية.
تعمل الحفارات والرافعات في بناء أساسات أربعة مبان كبرى، سوف ترتفع مكان المعمل القديم.
أبنية من الطراز الحديث أطلق عليها إسم (سماء بيروت) ، بينما لا يعرف أهالي المنطقة المحيطة بها من هي الجهة التي تتولى عملية البناء. بعد سؤال المهندس شاغوري أوضح أن رانيا الأخرس تشرف على تنسيق المشروع، اوضحت الأخرس بدورها أنه توجد شركة مساهمة تضم تسعة رجال أعمال لبنانيين لم تشأ ذكر أسمائهم يتولون عملية البناء، لكنها قالت إنهم غير معروفين، كما يتولى أحد المصارف عملية التمويل عبر القروض الميسرة، على أن يفتتح فرعاً له في أحد المباني بعد انتهاء المشروع.
تضم المباني الأربعة استناداً الى التصاميم التي وضعت لها مئة وأربعين وحدة سكنية، تحيط بها حديقة مساحتها ألف وخمسمئة متر مربع، ومجموعة محلات يبلغ عددها ثمانية عشر محلاً، تخصص لحاجيات السكان بالدرجة الأولى، سوف تبنى الشقق السكنية استنادا إلى مواصفات البناء الحديثة، جدران عازلة للاصوات والحرارة واشكال هندسية مختلفة عن مبانٍ المنطقة، بناء عليه ستخصص تلك الشقق لذوي المستوى الاقتصادي المتوسط وما فوق.
تقول الأخرس إن المشروع يهدف الى تغيير وجه المنطقة المعماري، وسوف يشجع على بناء العديد من المباني الحديثة فيها، لأنه يوجد حالياً العديد من العقارات الفارغة.
يشكل المشروع التغير الثالث في وجهة استخدام الأرض التي بني عليها معمل الكولا. بنى المعمل رجل الأعمال الراحل نجيب صالحة في العام 1955 بعد حصوله على امتياز بيع المشروبات الغازية من ماركتي كولا وميراند، ثم حولته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الى قاعدة عسكرية لدى دخولها إلى بيروت مع المقاومة الفلسطينية في السبعينيات، ودمّرته الطائرات الاسرائيلية خلال اجتياح بيروت في العام 1982.
بعد الاجتياح، باع نجيب صالحة العقار لرجل أعمال آخر يدعى محمد حمود فحوّله الأخير الى موقف سيارات خاص، قبل أن يبيعه الى المساهمين الحاليين.
التحول الثاني الذي شهدته منطقة الكولا هو اختيار الساحة الواقعة تحت الجسر حالياً إلى موقف للنقليات خارج بيروت.
يروي رئيس اتحاد نقابات السائقين العموميين عبد الأمير نجدة وهو من أقدم المسؤولين في النقابات أنه قبل العام 1976 كانت مواقف السيارات موجودة في كل من ساحتي البرج ورياض الصلح والدباس والريفولي. في العام نفسه بدأ إنشاء محطة شارل الحلو كموقف بديل عن وسط البلد، بالاضافة الى وضع مشروعين لمواقف السيارات في كل من الحازمية والأوزاعي. لكن خطة بناء مواقف جديدة للسيارات تعطلت مع بداية نشوب الحرب الأهلية وجرى اختيار ساحة الكولا كموقف لنقل الركاب الى كل من مناطق الجنوب والبقاع وجبل لبنان الجنوبي أي منطقتي الشوف وعاليه، بينما جرى اختيار مستديرة الدورة كموقف لنقل الركاب الى كل من الشمال والمتن وكسروان، انقسمت المواقف في حينها تبعاً لتقسيم بيروت بين منطقتين شرقية وغربية. يقول نجدة إنه في تلك المرحلة لم يكن سائقو سيارات الأجرة المسلمين في مدينة طرابلس وهي عاصمة الشمال يستطيعون الانتقال عبر الدورة، وإنما كانوا يسلكون طريق الكولا ـ عرمون ـ البساتين ـ سوق الغرب ـ عاليه ـ بحمدون ـ زحلة ـ بعلبك ـ بدنايل ثم عكار وبعدها طرابلس، فيما كان سائقو الأجرة المسيحيين الذين يودون الانتقال الى منطقة جزين في الجنــوب يسلكــون طريق برمانا ـ بعبدات ـ صاليما ـ عين زحلتا ـ الباروك ـ المختارة ـ جزين. اما الذين يودن الانتقال الى سوريا من المسلمين فكانوا يسلكون طريق الكولا ـ عرمون ـ البساتين ـ سوق الغرب ـ عاليه ـ ظهر البيدر ـ طريق الشام، ويسلك المسيحيون من جهتهم طريق الدورة ـ بكفيا ـ ظهور الشوير ـ ترشيش ـ زحلة ـ الشام.
تسلمت نقابة اتحاد السائقين العموميين إدارة موقف الكولا بموجب قرار صادر عن محافظ بيروت السابق متري النمار في العام .1982 كان كل سائق يدفع في حينها ثلاثة آلاف ليرة يومياً بدل نقل الركاب من الموقف، بينما يدفع كل سائق حالياً ثلاثين ألف ليرة يومياً.
يوضح نجدة أن رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري اتخذ في العام 1995 قراراً بإعادة تأهيل محطة شارل الحلو من أجل اعتمادها كموقف للنقليات إلى الشمال وسوريا، بعدما تحولت خلال فترة الحرب الأهلية إلى مكان لرمي عدد من قتلى الحرب فيها. لكن عملية التأهيل استغرقت وقتاً طويلاً، ولم تستطع محطة شارل الحلو أن تكون بديلاً عن مواقف أخرى ما زالت تؤمن النقليات الى الشام، بينها موقف سيارات صغير في الكولا.
من المعروف هنا أن تزايد عدد العمال السوريين في لبنان أدى الى تزايد كبير في عدد السيارات والحافلات التي كانت تقل الركاب الى سوريا وقد تسبب ذلك الازدحام عند مدخل بيروت الجنوبي بحصول إشكالات عدة في المنطقة، قبل انتقال الحافلات الى شارل الحلو.
انتقلت الحافلات السورية، لكن حلت مكانها الحافلات والفانات التي تنقل الركاب الى خارج بيروت، بعدما أصبحت بديلاً عن السيارات.
يقول نجدة إن عـدد سيارات الأجرة التي تنقل الركاب الى الجنوب والبقاع والجبل انخفض في موقف الكولا من أربعمئة سيارة الى ستين سيارة حالياً، بينما زاد عدد اللوحات العمومية في لبنان الى ثلاثة وثلاثين ألفاً، يضاف اليها أربعة آلاف لوحة عمومية خاصة بالفانات، بموجب تراخيص وزارة الداخلية، أما ما يحصل فعلياً هو تحويل عدد كبير من سائقي السيارات العمومية لوحاتهم الى الفانات من أجل الاستمرار في عملهم، وقد وصل عدد الفانات إلى ما يقارب الخمسة عشر ألف فان. أصبح موقف الكولا أكثر ازدحاماً من ذي قبل، واقيمت مواقف رديفة للنقل بشكل عشوائي عند كل من المشرفية والسفارة الكويتية والأوزاعي..
أعلى الصفحة
|