هنا استشهد الشيخ صبحي الصالح وأبو حسن سلامة... و«أبو الليل» ساقية الجنزير التي كانت حرجاً وما زالت تؤثر الهدوء
لم يكن أبناء «ساقية الجنزير» يتوقعون ان تشهد منطقتهم ثلاث عمليات اغتيال خلال السبعينيات والثمانينيات. ففي حزيران 1976 استشهد ابراهيم انور الترك (أبو الليل) عضو «جبهة النضال الشعبي الفلسطيني». وفي شباط عام 1979 استشهد احد ابرز رجال حركة فتح «أبو حسن سلامة»، قائد قوة الـ«17» في بيروت، بتفجير عبوة لاسلكياً بالقرب من سيارته التي كانت راكنة لجهة منطقة الصنوبرة. أما في تشرين الأول من عام 1986 فقد قضى رئيس «المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى» الشيخ صبحي الصالح، رمياً بالرصاص في الساحة، على ايدي مجهولين.
وكانت إسرائيل قد قامت بتصفية الشهيدين الفلسطينيين في إطار سلسلة الاغتيالات التي نفذتها بحق عدد من المناضلين الفلسطينيين آنذاك. ما زال المختار محمد شاتيلا يذكر انه رأى، السادسة من صباح احد ايام تلك الفترة، مجموعة«كومندوس» إسرائيلية تمر في شارعي «الوحدة الوطنية» و«حبيب سرور» الموازيين، ومسلحون من بينها يطلقون النار عبر النوافذ نحو الأعلى، بحثاً عن بعض القياديين الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون المنطقة.
ولكن في المقابل، بقيت المنطقة «سالكة وآمنة» خلال الحرب الأهلية. لم تنخرط في حروب الشوارع، ولم تعرف القذائف والصواريخ إلا نادراً. «كانت المنطقة الأكثر هدوءاً قياساً الى غيرها، معظم القذائف كانت تمر من فوقها نحو الروشة اكثر مما تسقط فيها»، يقول الأهالي.
كنا نسمع القصف ونفتح محلاتنا التجارية، يقول شاتيلا، وكنا نؤمن الخبز للمواطنين، عبر توفير الطحين والمازوت من المنظمات الفلسطينية لتقديمها الى الافران الثلاثة في المنطقة: ( نعم )( مطاوع ) و( جادو ) «الذي ما زال قائماً».
والمنطقة لم تشهد اندلاع حرائق او عمليات سطو وسرقة على غرار ما كان سائداً في الحرب.«كنا نحرس ليلاً مداورة الأحياء حتى لا يدخل اي غريب اليها»، يقول شاتيلا. لم يتعاطَ سكانها السياسة، بحسب بعض السكان. ولم تعرف إشكالات حزبية بين ابنائها، خلال الحرب الاهلية.
واليوم ايضاً، في ذروة الاحتقان السياسي، لم تقع المنطقة في فخ الإشكالات الميدانية، ولكن من دون ان يعني ذلك ان سكانها ما زالوا «صائمين» عن السياسة. فالأعلام اللبنانية التي تشهرها نوافذ بعض الأبنية، وصور آل الحريري، لا سيما في الساحة، تؤشر الى أرجحية «تيار المستقبل» كطرف سياسي يحظى بالتأييد.
السُنة اليوم هم الغالبية في المنطقة. والدروز هم من قدامى المالكين فيها، كانت لهم «جذور» وأملاك. وشكلت المنطقة معقلاً اساسياً لهذه الفئة، الى جانب وطى المصيطبة وكركول الدروز.
اما اليوم فتراجع عدد الدروز الذين باعوا الكثير من أملاكهم، لصالح الشيعة. يليهم قلة من المسيحيين والسريان والأرمن.
شخصيات عدة قطنت المنطقة. رئيسا الوزراء الراحلان عبد الله المشنوق وعبد الله اليافي، الوزير الراحل زكي مزبودي، والراحل الملك فهد، والفنان الفلسطيني غسان مطر.
روايتان حول اسمها
يحد «ساقية الجنزير» عين التينة جنوباً، الصنوبرة شمالاً، الروشة غرباً، وفردان شرقاً.
ثمة روايتان حول مصدر اسم المنطقة. الأولى تقول إن مياه المطار كانت تسيل من المناطق المحيطة، وتتجمع في المنطقة باعتبارها منخفضة، مكونةً ساقية صغيرة، وهي في طريقها الى البحر في الروشة. وكان «يلفي» عليها خنزير بري، فتعدل اسمه الى «جنزير»، بحيث استقرت التسمية على «ساقية الجنزير».
اما الدكتور حسان حلاق فيقول إنها من المناطق البيروتية القديمة والتاريخية، وتمثل منحدراً جغرافياً أدى الى تكوّن ساقية تصب في البحر، عرفت منذ العهد العثماني «بساقية الجنزير»، لأن البيارتة قد أقاموا جنزيراً بالقرب من الساقية لربط احد الحيوانات المتوحشة.
اشتهر سكان المنطقة عبر التاريخ بإحياء ذكرى «اربعاء أيوب» في منطقة الرملة البيضاء تكريماً للنبي ايوب ولصبره، وذلك في الاربعاء الأخير من شهر نيسان، وهي ذكرى مرتبطة بأكلة المفتقة البيروتية الشهيرة.
وكانت المنطقة حتى الخمسينيات عبارة عن حرج من الصنوبر يمتد من الساقية الى ما يعرف اليوم بمنطقة الصنوبرة، الى أن اجتاحتها الحضارة الجديدة، فاقتطعت الاشجار واختفى الحرج.
بين الحاضر والأمس
تدخل المنطقة من باب شارع عبد الله المشنوق، الذي عُرف في السنوات الاخيرة بمدرستين تحملان اسم «شكيب ارسلان»، بناهما الرئيس الشهيد رفيق الحريري: ثانوية ومدرسة متوسطة مختلطة. يقابلهما «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».
في شارع «صوفر» الفرعي، هدوء وسكينة. ولكنه هدوء لا يعجب سكان الشارع قياساً الى ماضيه. «بالأمس كنا نعرف السكان بيتاً بيتاً، اما اليوم فأصبح هناك كثافة سكانية... حتى تهنا عن منطقتنا»، يقول فؤاد عيتاني.
ويستحضر فؤاد فترة الخمسينيات، حين تزوجت والدته سلوى ابنة رأس النبع (منطقة السفارات آنذاك)، من والده ابن ساقية الجنزير التي كانت منطقة جردية تغزوها اشجار الصبار والبلح. ما دفع معارفها للتحسر عليها بالقول: «يا حرام سلوى راحت على رأس بيروت !»
ثمة ابنية سكنية سدت آخر الشارع المفترض ان يؤدي الى «مدرسة الروضة» في الصنوبرة، يملكها آل عيتاني، الذين ورثوا عن معروف عيتاني بيتاً بطابقين ومزرعة بقر. وبنوا مكانهما عدداً من الأبنية، بما يضع حداً جغرافياً لشارع صوفر.
في الشارع الرئيسي، وعلى بعد امتار من المدرستين الرسميتين، تقع المحكمة الاستئنافية المذهبية الدرزية العليا. وهي المساحة التي كانت حتى الخمسينيات مزرعة أبقار يملكها آل ضروب، يشتري ابناء الحي من اصحابها الحليب والمزروعات. وفي محاذاتها كانت ثمة مزرعة اخرى استأجر ارضها من آل شاتيلا تاجر من صيدا اسمه» معروف«.
تقع المحكمة الدرزية عند مستديرة يتفرع عنها «شارع الوحدة الوطنية» يميناً و«شارع فيينا» شمالاً.
الشارع الاول كان يسمى في الخمسينيات «جب النخل«، ثم تعدل فأصبح «شارع العيتاني» قبل ان يعود ويحمل اسمه الحالي. «يا ريت في وحدة وطنية»، يقول عبد الحفيظ عيتاني ساخراً من اسم الشارع.
تنطلق شرارة ذكرياته من منزل العائلة القديم الذي كان والده ابراهيم يخصص مساحة صغيرة من ارضه لصب الحجارة الباطونية، بداعي إنشاء منزل له في الساقية. «لم يكن هناك كسارات، كان يحمل البحص من البحر في الروشة ويصب فوقها نوعاً من الرمل يسمى «نحاتة» لصنع الحجارة.
المنزل اليوم يقطنه اخوه احمد، وهو يبقى شاهداً حياً على أصول وأدوات البناء في تلك الفترة.
ويذكر عبد الحفيظ عيتاني كيف كان الراحلون صائب سلام، عثمان الدنا، وعبد الله اليافي يقصدون والده، باعتباره احد وجهاء المنطقة، في فترات الانتخابات النيابية. فيجمع لهم بعض الاهالي في بيته للاجتماع بهم.
ويروي كيف كان عمه خليل يصعد على حجارة نافرة الى سطح محله التجاري ليؤذن، في غياب المساجد آنذاك. وهو الرجل الذي حارب مع الجيش التركي ضد الانكليز والفرنسيين، وقد مُنح الجنسية التركية.
حتى أواخر الستينيات، كان «شارع الوحدة الوطنية» طريقاً رملية ضيقة على جانبيها تنتشر شتلات الصبار، ويتخللها بساتين تزرع فيها الخضار والمزروعات. هذه الطريق التي تؤدي الى منطقة الصنوبرة كانت تسد جزءاً منها شجرة «خرّوب» ضخمة، لا يفتأ عدد من ابناء الحي يستحضرها بشيء من الرهبة حتى اليوم.
كانت «مسكونة«،«ملبوسة»، «مسحورة». هكذا يصفونها. لم ينسوا حالة الخوف التي كانت تمنع الاهالي من العبور تحتها. «كان اللي عندو شنب يمر من هونيك»، يقول المختار شاتيلا.
وكان تأثير هذه الشجرة اقوى بكثير من تأثير الأفاعي. فهذه الطريق وغيرها من شوارع المنطقة عرفت الكثير من الأفاعي، «كانت تمر من بين ارجلنا، لم نكن نخاف منها، كانت تهرب منا ونحن نحذر منها... لا اكثر»، يقول شاتيلا.
« فيينا » حيث عاش أبو حسن سلامة
وليس «للخروبة» وحدها قصة. فلشجرة الجميزة المعمّرة التي كانت عند مدخل شارع «فيينا» قصة اخرى. «كنا نعتبرها مصيفاً، نظراً للقلة المادية، نقيم العرزال داخلها وننام لساعات»، يقول المختار شاتيلا.
«في الستينيات، يضيف، وفيما كانت البلدية تقتلعها لدواعي التزفيت، علقت جذورها بالمحدلة، ذهبت الى المدرسة صباحاً وعدت بعد الظهر والعمال ما زالوا يحاولون قطع الجذور بالفأس. وعندما اقتلعت بكى والدي بحسرة».
تخترق الأبنية العصرية في «فيينا» الذي يفضي الى منطقة عين التينة، «قرية» صغيرة، هي عبارة عن عدد من الابنية القديمة المظللة بأشجار التفاح، البوملة، المنغا والجوافة، والراكنة الى حديقة ذات طابع ريفي. يفصل بينها وبين الحديقة طريق باطونية متعثرة.
يقطن هذه الابنية حوالى ست عائلات من آل سالم. في الشارع المقابل يقع مبنى قديم يملكه ايضاً آل سالم، يحاذيه منزل من «الجيل» ذاته لصاحبه من آل اسكندراني.
يستقيم عبد الوهاب سالم في وقفته مؤكداً ثبات موقف عائلته إزاء الاحتفاظ بالأبنية القديمة.
«وين بدنا نروح اذا بعنا، يتساءل، خارج هالبقعة نحنا اغراب». بذلك يقطع الرجل السبعيني الطريق امام كل محاولات شراء العقار، من قبل مستثمرين يتطلعون بنهم لنسف القديم وإقامة الابنية العصرية.
وعبد الوهاب، الذي يعمل نصف نهار في محل تجاري، يقضي النصف الآخر في أحضان الطبيعة مهتماً بـ «الزريعة».
وتختص هذه العائلة بنعمة «طول العمر» بحسب جيرانهم. يقول عبد الوهاب إن والده عاش حتى سن 112 وعمه إسماعيل توفي وعمره يناهز 115 فيما جده بدوي أطال الله عمره لغاية سن 117 وكان جندياً في الجيش التركي، شارك في الحرب ضد الانكليز والفرنسيين في فلسطين.
شهد الشارع في السبعينيات مرحلة من حياة المناضل الفلسطيني أبو حسن سلامة، الذي كان يقطن بناية شاتيلا. وبالرغم من ان المتفجرة نالت منه في منطقة الصنوبرة المحاذية في شباط 1979 ألا أن شظية كبيرة منها سقطت في «فيينا» على بعد خطوات من منزله. يقول احمد سنو: «حملنا الشظية وكانت بحجم الكف، ولم نصدق يومها ان احداً لم يؤذَ منها».
يستعيد بعض السكان فترة الاجتياح عندما كان جنود اسرائيليون يدخلون الى محالهم ويسألون بلغة عربية ركيكة: «في هون مخربين؟»، ويروي شاتيلا كيف كان جندي منهم يريد ان يشتري من محله لبيع الدواليب بالعملة الاسرائيلية، وعندما طلب منه الدفع بالدولار، رفض قائلاً إنه يريد ربح عمولة من الضابط الاسرائيلي.
تخرج من شارع «فيينا» خمسة من مشاهير كرة القدم، هم المختار محمد شاتيلا وأشقاؤه الاربعة الذين كانوا في فريق النجمة. لقب محمد «بالحرامي»، ولعب مع الفريق منذ الستينيات وحتى الثمانينيات في عدد من الدول العربية والاجنبية. يبرز اليوم صورته بفخر مع اللاعب البرازيلي بيليه، الذي كان انضم الى فريقه المحلي في مباراة قديمة. حمل لقب «افضل لاعب في الشرق الاوسط» في الستينيات. كما لقب اخوه حسن «بأفضل لاعب عربي». وقام بتكريمه الراحل بيار الجميل عام 1975.
ولكن هذا التكريم لم يمر مرور الكرام في تلك الفترة المحتقنة. دخل مسلحون تابعون لتنظيم بيروتي سابق الى بناية شاتيلا حيث يقطن الأخوة الرياضيون، واصطحبوهم الى مكتب للتحقيق معهم حول اسباب التكريم من قبل «الكتائب» الذين وصفوهم يومها «بالانعزاليين». وبعد التأكد من عدم وجود خلفيات سياسية للتكريم اطلقوا سراحهم.
ساحة الساقية
عند المستديرة الثانية في المنطقة، تقع «ساحة الساقية» بحسب التسمية الشعبية. اطلق عليها رسمياً اسم «ساحة الشيخ صبحي الصالح»، بعيد اغتياله في 7 تشرين الاول عام 1986 فيما كان قاصداً «مدرسة سعيد حجال»، المعروفة اليوم «بالثانوية الدولية الحديثة».
يقول مازن بدران إن صالح كان مسؤول «لجنة رعاية الاطفال المسلمين» في المدرسة، ويستعيد وأخوه محمد حادثة اغتياله، وقد شهداها في صغرهما.
يروي الأخوان أن صالح كان يستقل سيارة باتجاه المدرسة، وقبيل نزوله منها مر شابان يستقلان دراجة، وأطلق احدهم النار على رأسه من الزجاج الخلفي، من مسدس كاتم للصوت.
ويقول بعض السكان إن الصالح كان يصلي احياناً في مسجد «خالد بن الوليد» المحاذي للمدرسة المذكورة في الساحة.
وكان الراحل الدكتور محمد خالد مؤسس «مؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية»، قد بنى المسجد تكريماً للقائد العربي الشهير. «كما كانت علاقة نسب تاريخية تجمعه، وهو ابن مفتي الجمهورية محمد توفيق خالد، بالامير خالد بن الوليد»، بحسب الدكتور حسان حلاق.
يقع المسجد عند زاوية يتفرع عنها شارعان: الاول هو شارع «استراليا»، وهو سياحي يضم فنادق صغيرة وشققاً مفروشة. والثاني هو شارع «برلين» المعروف شعبياً بنزلة فندق الكارلتون. وفي هذه النزلة، كان «نهر ابو شاهين» تتصل ضفته ببستان كبير.
يستعيد المختار شاتيلا أن جنوداً اميركيين ادخلهم الرئيس الراحل كميل شمعون الى البلد، كانوا يعيشون في خيم منصوبة في البستان عام 1958 وكنا اطفالاً نبيعهم العلكة.
وخلف البستان كان ثمة منزل قديم يسمى بالفاخورة، يضيف، ورأيت ورفاقي عدداً من الهنود يصلون عبر مركب في البحر، ويحرقون جثة قرب ذاك المنزل.
ويروي بعض الاهالي ان ارضاً مزروعة بالخضار كانت تشغل المساحة التي بني عليها الفندق، وكانت مملوكة من احد ابناء الساقية من آل سنو.
ويذكر البعض ان المالك كان يستعين بأشجار «المقساس» المنتشرة في المنطقة، والتي يستخرج منها الصمغ، لوضعه على قضيب على الاشجار، كفخ يعلق عليه الطيور. والهدف كان بيعها «لقهوة غلاييني» التي كانت مطعماً يحتل المكان الذي يشغله اليوم فندق موفمبيك.
يقول عدد من كبار السن إن ساحة «الساقية» كانت مليئة بالصخور وأشجار الصنوبر، وكان الأهالي يقصدونها ايام الآحاد، فيفترشون طعامهم بين الصخور، «كنا نشوي بطاطا ونخبز المرقوق هنا باعتبارها اعلى نقطة في «الساقية» المنخفضة، وتطل على المنازل المحيطة»، يقول سعيد شهاب.
اما اليوم فتطالعك لافتة «المرابطون» عند مدخل الساحة، وتدعمها اخرى في وسطها. ولكن اللافتتين لا تختصران التوجهات السياسية لأبناء المنطقة. انهما قديمتان ولم يتم نزعهما حتى اليوم، بحسب سعيد.
على بعد امتار قليلة ترفع صور الرئيس الراحل رفيق الحريري. ومقابل المسجد مباشرة تجمع صورة مشتركة الراحل وابنه النائب سعد الحريري، على باب مقهى «اكسبرس الساحة»، تعلوها لافتة كتب عليها: «الحق ما بيموت ما دام الشيخ سعد موجود».
الغالبية هنا يؤيدون «تيار المستقبل»، هذا ما يتفق عليه كل من تحدثنا اليهم في المنطقة.
يقول احمد المصري: لا مجال هنا لتعليق لافتة تحمل نفَس فريق الموالاة، ويستشهد بأن النائب السابق بهاء الدين عيتاني كان رفع لافتة تدعو الى المصالحة بين فريقي 8 و14 آذار، إلا أننا قمنا بنزعها.
ولكن هذا الكلام لا يعني بالضرورة أن ثمة إشكالات ميدانية تقع بين الاهالي. فهذه المنطقة بقيت بمنأى عن الصراعات التي شهدتها اكثر من منطقة بيروتية في الاشهر الاخيرة.
طلعة الساقية: الملك فهد مرّ من هنا
في شارع عبد الله المشنوق، الجزء المتفرع من الساحة، يزيد عدد الشرفات الشاهرة للعلم اللبناني. هنا يقع معهد العلوم الاجتماعية التابع للجامعة اللبنانية، ودار الريحاني للنشر، ومراكز ثقافية تابعة للسفارة السعودية. كما يوجد مغارة كبيرة، يقول الأهالي إنها حفرت من قبل الانكليز ليمروا من خلالها الى البحر في الروشة، ايام حربهم ضد الفرنسيين في لبنان.
المغارة اليوم مغطاة بالحشائش وبعض الاشجار، لها بابان. الاول رُدم والثاني مغطى بالقش تجنباً لدخولها. يقع على طرفها بيت رجل دين مسيحي وخلفة كنيسة.
قسم من الارض التي تعلو المغارة يملكها اليوم النائب السابق ياسين جابر، فيما القسم الآخر تملكه السفارة الفرنسية بحسب بعض الأهالي.
يقول عبد الحفيظ عيتاني: دخلت يوماً ورفاقي من ابناء الحي الى المغارة، وكان عمري لا يتجاوز 12 سنة، واستعنا بعصا طويلة مربوطة بقماش اشعلناها بواسطة بنزين، ليتسنى لنا الرؤية. كانت ثمة سراديب ضيقة يمنة ويسرة تبعث على الخوف، وكانت جذور الاشجار المعمرة تتدلى من سقفها. وقد خشينا من الضياع داخلها فخرجنا منها والرعب يملأنا.
وفي الشارع الموازي «لعبد الله المشنوق» تفضي «طلعة الساقية» الى منطقة قريطم.
هناك عاش لمرحلة معينة الراحل الملك فهد، الذي كان يملك بناية «اشبيليا» التي ما زالت قائمة، استلمتها شركة «اوجيه لبنان» بعد وفاة مالكها، بحسب بعض السكان. وهي غير مسكونة اليوم.
ويروي هؤلاء ان بناية «روضة البلح» المحاذية كان يملكها ايضاً الرجل نفسه في الخمسينيات. ثم باعها الى الأميرة سعاد، التي عادت وباعتها الى آل روضة عام1971.
وكتب الزميل نهاد المشنوق في جريدة «الحياة» في آب عام ,2005 أن الملك فهد تذكر بعد مرور سبع سنوات على مؤتمر الطائف، أنه يملك مبنى وسيارة كاديلاك في ساقية الجنزير.
فطلب من الرئيس الحريري أن يرمم المبنى والسيارة وتصويرهما ومده بالصور. أراد أن يرى ذكرياته في لبنان وشبابه المبكر في الصور. طالما أن صحته لا تشفع بمعاينة شخصية. وهذا ما حصل.
|