كيف إستقبل البيروتيون الترامواي
كان ظهور الترامواي الكهربائي حدثاً مثيراً بالنسبة للمواطن البيـروتي، إذ أن أنباء ذلك الزمان لم يستطيعوا أن يصدقوا ما رأته عيونهم من أن كتلة ضخمة من الحديد تنطلق من مكان إلى آخر دون أن تدفعها أيدي الناس أو تجرها الدوابّ، لا سيما أنهم رأوا مثل هذه الحافلة من قبل في طرابلس الشام وهي تُجَرُّ بواسطة الخيول، وذلك عندما أدخل مدحت باشا الترام (البغَّالي) إلى هذه المدينة أثناء ولايته فيها.
وكان أول رد فعل علّق به البيروتيون على ظهور الترامواي هو أنهم وصفوه تــارة (دولاب الشيطان) وتارة بأنه (حارة متنقلة)، وكان الناس يفرّون لدى رؤيتهم الترامواي.
ويروي المعمّرون أن الكثيرين ممن كانت بيوتهم قرب خط الترامواي بادروا بالابتعـاد ببيوتهم عن هذا الخط قائلين: إِبعد عن الشّر وغَنِّ له، كما قالوا: يا عمّي، نبعد عنــه أحسن لنا، مين بيعرف إذا جفل شي جفلة، وعلى الكهرباء مين بيقدر يهدّيه ؟.
فقد إعتاد البيروتيون آنذاك على جفلات بغالهم وحميرهم والبهائم الأخرى فحسبـوا أن الترامواي الكهربائي يجفل أيضاً، ثم ما لبثوا أن قابلوه بالاستنكار والاستهجان لأنه من صنع (الكفّار) وإستغل أصحاب العربيات التي تجرها الخيول نقمة الناس لأن الترامواي إمتصّ عدداً كبيراً من زبائنهم فراحوا يغذون هذه النقمة بكتابة لافتة تقول:
الخيل والدواب مذكورة في القرآن الكريم، أما {الترين} فإن الله لم يذكره في كتابه
وبسبب هذه المواجهة السلبية للترامواي، فإن الشركة صاحبة الامتياز لم تجد، يومئذ، بُدّاً من استخدام القبضايات لحماية الحافلات من اعتداء الناس عليها، وكان من بين هـؤلاء القبضايات عبد القادر النويري (أبو وجيه)، الذي يُعتبر أول العمال والمستخدمين الـذين تولوا العمل في الترامواي، وإكراماً له فإن الشركة أطلقت على أحد المواقف في شـارع البسطة إسمه، وما يزال هذا الموقف حتى اليوم معروفاً باسم محطة النويري، ومـــن الطريف أن أبا وجيه النويري المذكور رافق قيام الترامواي وشهد نهايته.
ويروي أبو وجيه:
عندما بدأت العمل سنة 1909م كان الترين مفتوح الجانبين يصعد إليه بواسطة حافــة، وكان يفصل بين المقاعد المتقابلة عامود حديد وكان في زاويته مقصورة مربعة، خاصة بالحريم، تسدل عليها الستائر، والويل لمن يدخل تلك المقصورة، سواء أكانت خاليـة أو مشغولة، حدث أن دخل هذه المقصورة، أزعر، ذات يـوم للتحرش بالحريم، وحــاول الجابي ردعه فنال هذا الجابي نصيبه من الضرب، ودخلت سيـدة محجبـة للجلوس فلما رأت الرجل الأزعر خافت ولم يكن منها إلا أن تناولت قبقابها وانهالت على رأسه تحطيماً ولم تتركه إلا حين رمى بنفسه من الترين.
ولما كانت حافلات ذلك الزمن مكشوفة الجانبين، فإن ركابها كانوا يستعملون مظلاتهم لإتقاء حرارة الشمس في الصيف ومياه المطر في الشتاء.
|