الخيل من الثديات آكلة الأعشاب، ومن رتبة مفردات الأصابع، وتوجد في معظم بلدان العالم. وهي أنواع متعددة، تتفاوت فيما بينها تفاوتاً كبيراً في الشكل والحجم والسرعة. ويُعد الحصان العربي من أعرق سلالات الخيول في العالم وأغلاها ثمناً، ويرجع ذلك إلى عناية العرب بسلالات خيولهم الممتازة والمحافظة على أنسابها، مما جعلها أفضل الخيول الموجودة الآن في العالم، وأجودها على الإطلاق. فهي تجمع بين جمال الهيئة، وتناسب الأعضاء، ورشاقة الحركة، وسرعة العدو من جهة، وحدة الذكاء، والمقدرة العالية على التّكيُف، وسلاسة القيادة، وعلو الهمة، من جهة أخرى.
والحِصَان صديق العربي ورفيقه في الحاضرة والبادية، وله منزلة عالية وقيمة معنوية عظيمة في نفسه، لأنه مرتبط أشد الارتّباط بمعنى حياته ووجوده ومصيره. فالحياة في شبة الجزيرة العربية في الماضي، كانت تعتمد في بعض مظاهرها على السّلب والنّهب، بما في ذلك من الكر والفر، مما يستوجب الشّجاعة والفروسية والتميز في القتال. والحصان هو عدة العربي في الحرب، يشاركه فيها مشاركة فعالة، يكر على الأعداء ويصبر على المكاره، فلا يجفل ولا يكبو ولا يفر عن المعركة مهما احتدمت ومهما ناله من سهام. فالشجاعة التي اشتهر بها العرب أصبحت صفة ملازمة لخيولهم الأصيلة، التي تعودت على المواجهة والسيوف تلمع من حولها، وعلى صدورها تتكسر الأنصال على الأنصال.
وقد راض العرب خيولهم على القتال والنّزال، وعودوها على الثبات في الحروب فأصبح الإقدام صفة لها. وهم يفتخرون بسرعة استجابة خيولهم لمِا يراد منها، فهي تدرك واجبها كما يدركه الفارس نفسه، حتى أصبح الفارس وفرسه متلازمين. بل إلى الفرس يرجع الفضل في منجاة الفارس وبلائه. فالحصان عامل فاعل حاسم في الحرب، ونتيجة كل معركة تتوقف على خبرته ومعرفته بالحرب وثباته وجرأته، وسرعة حركته، وتبعاً لذلك يكون هلاك فارسه أو منجاته.
وقد جعل العربي حصانه جزءاً من نفسه، بل كثيراً ما كان يُقَدّمه على نفسه وأُسرته فيؤثره بالطعام والشراب ويبيت طاوياً. وما أكثر ما جاء في التراث عن إيثارهم الخيل على الولد والزوج، حتى إِن المرأة لتغار من تفضيل زوجها لحصانه عليها وتعلقه به.
ومما ورد في التراث من تفضيل الخيل على الولد والزوج، قول الشاعر عبيد بن ربيعة:
يُجَاعُ لها العِيَالُ ولا تُجَاعُ |
مُفَدَّاةٌ مُكَرَّمَةٌ عَلَيْنا |
فهو يُكْرم فرسه، ويفديه بنفسه، ويؤثره بالطعام حتى لو أجاع عياله من أجله.
كما يصف ثعلبة العبدي حبه لفرسه "عريب" فيقول:
أحبّ حبيبٍ وأدنى قريبِ
|
إنَّ عُرِيباً وإن ساءني
|
بشاكِي السلاحِ نهيبٍ أريب
|
سأجعل نفسي له جُنة
|
ويقول الأخطل:
فإنَّ العِزَّ فيها والجَمَالا |
أَحِبُّوا الخيل واصْطَبروا عليها |
ربطنَاها فشاركت العيالا |
إذا ما الخيل ضيَّعها رِجالٌ |
ونحذوهنّ في السَّفر النِعالا |
نصونُ الخيلَ ما دمنا حضورا |
فهنا إشارة واضحة إلى مشاركة الخيل العيال في الطعام والشراب، وهي دلالة على إعزاز الخيل وإكرامها.
ومالك بن نويرة يقول:
وأسقيه محض الشَوْل والحيُ هاتفُ |
أعللُ أهلي عن قليلِ مَتَاعهم |
أي يصرف عياله عن قليل الطعام الموجود، ويُقدمه لحصانه.
ويُنكر الأعرج الطائي غيرة زوجته من تعلقه بفرسه (الورد):
تلوم وما أدري عَلاَمَ تَوَجّعُ |
أرى أمَ سهلٍ ما تزال تَفَجَّعُ |
وما تستوي والوِرْدَ ساعة تَفْزَعُ |
تلُوم على أن أُعطي الوِرْدَ لَقْحَة |
نخيبُ الفؤاد رأسُها ما تَقَنَّعُ |
إذ هي قامت حاسراً مُشْمَعِلَّةً |
هنالك يجزيني التي كنتُ أصنعُ |
وقمتُ إليه باللجام مُيِّسِرا |
أما خالد بن جعفر فيقول في فرسه حَذْفَة:
وألحفها ردائيَ في الجليد |
أسويها بجاري أو بِجُزْءٍ |
لها لبنُ الخَلِيَّة والصَّعود |
وأوصي الراعيين ليَغْبِقَاها |
جهاراً من زُهَيْرٍ أو أُسْيدِ |
لعل الله يفديني عليها |
وقال شداد بن معاوية العبسي "والد عنترة":
إذا ما أوقِدَتْ نارُ الحروبِ |
جزى الله الأغرَّ جزاءَ صدقٍ |
وأحميه بِمُطَّرِدِ الكعوبِ |
يَقِينِي بالجبين ومَنْكِبَيْهِ |
ولعل من أهم ما يميز الحصان العربي وفاءه النادر لفارِسه، فهو لا يدهسه أبداً إن سقط عن صهوته في حين تجده يدوس جماجم القتلى من الأعداء والجرحى، ويغرس سنابكه القوية في أجسادهم، وفي ذلك يقول عنترة:
وقد أخذت جَماجِمَهُم نعالا |
تدوسُ على الفوارسِ وهي تعدُو |
بل هو يسعى للثأر والانتقام كفارسه تماماً، فلا غرو أن نرى العربي قد علّق التمائم على حصانه خوف الحسد والعين، مثلما يُعلقها على أبنائه.
وكما حفظ العربي نسبه واعتزّ به، حفظ كذلك نسب حصانه، وحرص على ألاّ تشوب أصالته شائبة حتى يبقى دمه نقياً ليعتز به أيضاً. وعلى الرغم من طبيعة الجزيرة العربية بصحاريها المترامية الأطراف، إلاّ أن العرب استطاعت أن تحتفظ بمُشجّرات مطولة بأنساب خيولها وأسمائها.
وقد تداخلت أسماء الخيول العربية الشهيرة مع أسماء فرسانها، حتى أصبح من العسير تمييز اسم الفرس من الفارس، حيث يقال: فارس الأبْجر، وفارس الجَوْن، وفارس النّعامة، فيُلقّب الفارس بلقب فرسه تعظيماً وتكريماً. وقد اشتُهر بعض فرسان العرب بحبهم للخيل واعتنائهم بها فنسبوا إليها مثل قولهم: "زيد الخيل"، والطُّفيل الغنوي، الذي أُطلق عليه "طفيل الخيل" أيضاً، مع أنه شاعر مشهور إلاّ أن حب الخيل غلب عليه فعُرف بها. واعتناء العرب بخيولهم والمحافظة على خصائصها المتميزة يفوق الوصف، مما جعل الحصان العربي الأنموذج، أو المثال في جمال الخيل وكمالها.
|