أصل الحصان العربي
جاء في الأساطير الجاهلية أن الخيل فرت عقب انهيار سد مأرب إلى البراري
وتوحشت. فخرج ذات يوم خمسة أعراب هم: جُذْران، وشُوَيّة، وسِّباح، والعجوز وشِّراك،
إلى بلاد نجد، فشاهدوا خمسة من جياد الخيل وكرائمها، فاحتالوا لصيدها وكمنوا لها
بالقرب من مورد الماء حيث نصبوا الفخاخ الخشبية. فلمّا سقطت في الكمين تركوها حتى
أخذ منها الجوع والعطش مأخذاً، وهم في غضون ذلك يترددون عليها ويتقرّبون منها حتى
تألفهم وتتعود عليهم، حتى استأنسوها وركبوها قاصدين مضاربهم. وخلال عودتهم نَفِدَ
ما لديهم من زاد، وبلغ منهم الجوع مبلغاً، فاتفقوا أن يتسابقوا باتجاه خيامهم
ويذبحوا الفرس التي تتأخر. ولكن عقب السباق رفض راكب الفرس الأخير ذبح فرسه، وأبى
إلا أن يُعاد السباق. ثم تأخرت أخرى غير الفرس الأولى، فرفض فارسها ذبحها، وهكذا
حتى رفضوا جميعاً ذبح خيولهم. وفي اليوم الخامس ظهر قطيع من الظباء، فأغناهم عن
الذبح، وهكذا سَلِمَت الأفراس الخمسة. فسُميت الفرس التي كان يركبها جُدْران
الصقلاوية، لصقالة شعرها، وسميت التي كان يركبها شُوَيَّة أم عرقوب لالتواء
عرقوبها، أما فرس سّباح فقد أطُلق عليها اسم شويمة لشامات كانت بها، وسميت الرابعة
كحيلة لكحل عينيها وكان يركبها العجوز. أمّا الخامسة التي كان يركبها شِّراك، فسميت
عبيه لأن عباءة شِّراك سقطت على ذيلها، فظلت ترفعها بذيلها وتردها طيلة السباق.
ولم يخلُ كتاب أنساب الخيل لابن الكلبي من بعض الأساطير حول أصل الخيل
العربية، إذ ذكر أن كل الخيول العربية ترجع في أصلها إلى زاد الرَّكب. وتزعم
الأساطير أنه من بقية جياد سليمان، عليه السلام، وأن فحول الجياد العربية من نسله،
وأن سليمان، عليه السلام، ورث عن أبيه عدداً من الخيل.
وقد حدّث الكلبي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، ما أنه قال: "أول ما
انتشر في العرب من تلك الخيل أن قوماً من الأزد من أهل عَمّان قدموا على سليمان بن
داود، عليهما السلام، بعد تزويجه بلقيس ملكة سبأ، فسألوه عما يحتاجون إليه من أمر
دينهم ودنياهم، حتى قضوا من ذلك ما أرادوا، وهمّوا بالانصراف؛ فقالوا يا نبي الله:
إن بلدنا شاسع وقد أنفضنا (نفد ما عندنا) من الزاد، فمر لنا بزاد يبلغنا إلى بلدنا،
فدفع إليهم سليمان فرساً من خيل داود، وقال: هذا زادكم! فإذا نزلتم فاحملوا عليه
رجلاً وأعطوه مطرداً (رمحاً) واحتطبوا وأوروا ناركم حتى يأتيكم بالصيد. فجعل القوم
لا ينزلون منزلاً إلا حملوا على فرسهم رجلاً بيده مطرد، واحتطبوا وأوروا نارهم؛ فلا
يلبثون إلا قليلاً حتى يأتيهم صاحبهم بصيد من الظباء والحُمر والبقر، فيأتيهم بما
يكفيهم، وفضلاً عن ذلك اغتبطوا به فقال الأزديون: ما لفرسنا هذا اسم إلاّ زاد
الركب؛ فكان ذلك أول فرس انتشر في العرب من تلك الخيل".
يُضيف ابن الكلبي أن أول فرس انتشر في العرب "زاد الركب"، فلما سمعت به
بنو تغلب أتوا الأزدين فاستطرقوهم فنتج لهم الهجيس، فكان أجود من زاد الركب. فلما
سمعت به بكر بن وائل، أتوا بني تغلب فاستطرقوهم، فنتج عن الهجيس الديناري، فكان
أجود من الهجيس؛ ومن نسله أَعْوج والوجِيه وغُراب ولاحق وسَيِل".
مهما يكن من أمر، فإن الدراسات الحديثة تؤكد أن الحصان العربي هو وليد
الصحراء، ونتاجها الطبيعي. وقد خضع في الصحراء لعملية انتقاء طبيعية صارمة، فلم
يصمد أمام قسوة الطبيعة إلا الأجود والأقوى والأصلح من الخيول، حتى إِن بعض الخبراء
بالخيل يرى أن كل سلالة كريمة من الخيل، لا تضمن لنفسها البقاء دون اختلاطها
بالسّلالة العربية الأصيلة. و للاعتراف بالحصان على أنه عربي أصيل، فلا بدّ أن يكون
منحدراً مباشرة من الصحراء العربية، حيث يحرص العرب على أنساب الخيل، فيعرفون كل
فرس ومشجّرات آبائه. فهم لا يقفون عند الآباء فحسب، بل يحرصون على حفظ نسب الخيل من
الأمهات، لأنها تحمل الصفات النقية الأصيلة. ومن اهتمام العرب بالخيل أنهم كرّسوا
لها بعض مؤلفاتهم؛ مثل (أنساب الخيل) لابن الكلبي و(أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر
فرسانها) للغندجاني، و (كتاب الخيل) للأصمعي، وغيرها.
وقد اشتهرت كثير من الخيول بنسبتها إلى الجد الأكبر، وبقيت أنسابها
متوارثة في مكان نشأتها في جزيرة العرب، فوق هضاب نجد ومنطقة عسير. فهذه المناطق
كانت، وما زالت، من أخصب المناطق وأكثرها ملاءمة لتربية الجياد الأصيلة. وقد أكدت
الكشوف الأثرية أن الحصان العربي أصيل في شبه جزيرة العرب، ولم يفد إليها من
خارجها. وقد جاء في كتاب "الأقوال الكافية والفصول الشافية في الخيل" للغساني، أن
عروبة الخيل وأصالتها وقدمها أمر تؤكده المصادر العربية، والأحاديث النبوية
الشريفة؛ وأن الخيل سُميت عراباً لأنها عربية.
|