ـ
|
كان سليمان بن ربيعة الباهلي يُعرَّبُ الخيل ويُهَجِنَها (أي يحدد
نَسَبَها أيها عربي أصيل، وأيها غير أصيل) في زمن الخليفة الراشد عمر
بن الخطاب رضي الله عنه. فجاءه عمرو بن معد يَكْرب بفرس كُميت، فكتبه
سليمان الباهلي هجيناً، فاستعدى عمرو الخليفة عمر ضد سليمان، وشكاه له،
فقال سليمان: ادع بإناء رجراج قصير الجدر، فدعا به فصُبّ فيه ماء، ثم
أتي بفرس عتيق (أي أصيل) لا يُشَك في عتقه، فقدّم إليه الإناء فشرب منه
ولم يشرع سُنْبُكَه (أي لم يثنِ طرفَ حافرِه)؛ ثم أُتى بفرس عمرو،
فأسرع الفرس فنصب سنبكه ومد عنقه كما فعل العتيق، ثم ثنى أحد السنبكين
قليلاً فشرب. فلما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك، وكان بمحضره
قال: "أنت سليمان الخيل". وسبب ذلك أن في أعناق الهُجْن من الخيل
قصراً، فهي لا تنال الماء على تلك الحال حتى تثني سنابكها، بينما أعناق
العتاق طوال، فهي تشرب ولا تثني سنابكها.
|
ـ
|
ورد في قصص التّراث أن ملوك العرب بلغ من حزمهم، وبُعْد نظرهم إلى
العواقب، أن أحدهم لا يبيت ليلة إلاّ وفرسه موقوف بسرجه ولجامه بين
يديه، قريباً منه مخافة فُجاءة عدو، أو قضاء حاجة عاجلة. وكان للنعمان
بن المُنذر فرس يقال له "اليحموم" يتعهده عشية كل يوم، وهو عمل يتفاخر
به العرب ويتمادحون بقيامهم على الخيل، وارتباطها بأقبية بيوتهم
وأخبيتهم.
|
ـ
|
وقال عقبة بن سِنان يصف خيلاً أُهديت إلى معاوية بن أبي سفيان: إنها
لسامية العيون، لاحقة البطون (أي ضامرة)، دقيقة الآذان، أفتاء الأسنان
(أي قوية دلالة على مقتبل العمر)، ضِخَام الرّكبات (قوية السيقان)،
مشرفات الحجبات (عالية الظهور)، رحاب المناخر، صِلاب الحوافر، وقعها
تحليل ورفعها تعليل، فهذه إن طُلبت سَبقَت وإن طَلبَت لحِقتَ.
|
ـ
|
وروي أن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه سأل مطر بن
دراج: أي الخيل أفضل، وأوجز؟ فقال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا
استدبرته قلت زاخر (أي ممتلئ كالبحر الطامي)، وإذا استعرضته قلت زافر
(عظيم الجنبين)، سوطه عنانه، وهواه أَمامه (أي لا يحتاج إلى زجر أو حثّ
على العدو والسرعة).
|
ـ
|
ووصف الأعرابي فرساً فقال: إنه لَدَركُ الطالب (أن يدرك ما يطلبه)،
ونجاة الهارب، وقيد الظباء (يدركها في سهولة ويسر كأنها مقيدة لا
تستطيع الهرب)، وزين الغَناء (أفضل المال).
|
ـ
|
ووصف ابن القِرِيَّة (الكلبي) فرساً فقال: حَسَنُ القَدِّ، أسيل الخد،
يسبق الطرف، ويستغرق الوصف (أي يجمع كل الأوصاف الحسنة).
|
ـ
|
وقال أعرابي لنخاس: أُطلب لي فرساً حسن القميص، جيد الفصوص، وثيق القصب
نقي العصب، يشير بأذنيه، ويسدر بيديه، ويدس برجليه، ويبعد مدى نظره إلى
أقصى أثره، كأنه موج في لجة، أو سيل في حدور.
|
ـ
|
وقد ورد في الأثر: "كان العرب لا يهنأون إلا بغلام يولد لهم، أو شاعر
ينبغ فيهم، أو فرس تنتج" وقال أكثم بن صيفي "عليكم بالخيل فأكرموها
فإنها حصون العرب". وقيل لبعض الحكماء: أي الأموال أشرف؟ قال: فرس
تتبعها فرس في بطنها فرس" وقد قالت العرب أيضاً: أربع لا ينبغي لأحد أن
يأنف منهن وإن كان شريفاً أو أميراً: قيامه من مجلسه لأبيه، وخدمته
لضيفه، وقيامه على فرسه، وخدمته للعَالِم.
|
ـ
|
وقد تحاور عمرو وربيعة أبناء أحد ملوك حمير، فقال ربيعة: أي الخيل أحب
إليك عند الشدائد إذا التقى الأقران للتجالد؟ قال: الجواد الأنيق،
الحصان العتيق، الكفيت الغرنيق الذي يفوت إذا هرب، ويلحق إذا طلب، قال:
نعم الفرس والله نعت، قال عمرو: فما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أحب إلي
منه، الحصان الجواد، السلس القياد، الشهم الفؤاد، الصبور إذا سرى،
السابق إذا جرى.
|