مقبرة الشهداء
هذه المقبرة استحدثت خلال الأحداث التي وقعت في بيروت عام 1958م لأسباب سياسيّة ففي تلك السنة عمّت بيروت موجة من الإضطرابات المسلحة جعلت وصول الناس إلى مقبرة الباشورة الواقعة في شمال محلة البسطة التحتا مستحيلاً أو محفوفاً بالخطر على حياتهم، لأن هذه المحلة وما جاورها كانت مسرحاً لتبادل النيران بين الأهالي وبين قوات الأمن الحكوميّة، ولهذا أصبح دفن أموات المسلمين في المقبرة المذكورة غير ميسور وهذا ما حمل الناس على البحث عن فسحة مناسبة من الأرض للوفاء بهذا الغرض الملحّ الذي لا مفر من إنجازه باستمرار.
وحدث في ذلك الحين أن بعض المسلحين في المنطقة الغربيّة في بيروت فتكوا بالأديب المعروف فؤاد حداد، من موظفي وزارة التربيّة اللبنانيّة لأنه كان ينشر في جريدة العمل لسان حال حزب الكتائب اللبنانيّة في زاوية (من حصاد الأيام) مقالات إعتبرت آنذاك تعريضاً بمكانة الزعيم جمال عبد الناصر رئيس الجمهوريّة العربيّة المتحدة رحمه الله، الذي يعتبر في نظر كثير من العرب شخصيّة ذات حرمة مصونة لا يجوز مسّها من قريب أو بعيد، ولم يجد الناس مكاناً يوارون فيه جثة القتيل أنسب من غابة الصنوبر المحاذية للمقبرة الفرنساويّة، فبادروا إلى دفن هذه الجثة بطرف الغابة المذكورة في مكان لم يُعرف فيما بعد، وكان ذلك سبباً لتوالي الدفن في هذه الغابة لا سيما لأولئك الذين كانوا يموتون صرعى برصاص القوات الحكوميّة، ولما كان الناس يعتبرون هؤلاء الضحايا شهداء في سبيل العروبة والإسلام فإنهم أطلقوا على هذه المقبرة إسم مقبرة الشهداء وأصبح هذا الاسم جارياً على ألسنة الناس حتى اليوم .
ولقد أصبحت مقبرة الشهداء في طريقها إلى أن تكون البديل العفوي للمقابر الإسلاميّة الأخرى الواقعة في الوسط التجاري من المدينة القديمة وذلك نظراً لاتساع رقعتها وبُعدها نسبياً، عن العمران الكثيف واشتمالها على غابة وارفة من أشجار الصنوبر التي تضفي على المكان جوّاً طبيعيّاً من شأنه أن يخفف من قسوة الموت المتمثل بالقبور المنتشرة هنا وهناك بين جذوع تلك الأشجار.
ومقبرة الشهداء تشتمل على رقعة واسعة من الأرض وهي تمتد ما بين مستديرة شاتيلا شمالاً بمحاذاة الطريق المؤدي إلى مطار بيروت الدولي بين الأرض المتصلة بشارع صبرا من الجهة الغربيّة والجنوبيّة، وقد شاد المسلمون بطرف هذه المقبرة مسجداً تعلوه مئذنة لطيفة مضلعة الحدود تقام فيه الصلاة اليوميّة، ولوجوده في داخل المقبرة فإنه يستخدم لإقامة صلاة الجنازة على الموتى الذين يدفنون فيها.
|