المدينة
المنورة
هي مدنية النبي مُحَمّد،على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وكانت تسمى قبل
الهجرة بيثرب، ترتفع عن سطح البحر نحو
619
متراً، ودرجة حرارتها في الصيف تصعد إلى
38
درجة وتنزل في الشتاء إلى عشر درجات فوق الصفر نهاراً. ذهب بعضهم أن كلمة
يثرب محرفة عن الكلمة المصرية (إتربيس) بناها العمالقة بعد خروجهم من مصر،
وذهب غيرهم إلى أن موسى في طريقه إلى فلسطين، أرسل فرقة من قومه لتكتشف له
تلك الجهة، فساروا إليها، وبلغهم موته فبنوا مدينة إتربيس وأقاموا فيها.
وعليه فعمران المدينة يبتدىء من سنة ألف وستمائة قبل المسيح أو ألفين
ومائتينٍ واثنتينٍ وعشرين قبل الهجرة.
وكانت المدينة مركز لواء كانت ملحقة بولاية الحجاز ثم جعلت متصرفية قائمة
بنفسها وكان فيها عاملان كبيران يقومان بإدارة شؤونها وهما: شيخ الحرم،
والمحافظ، وهذا الأخير في يده السلطة العسكرية التي هي أهم السلطات ويتبع
المدينة قضاء الوجه أو قضاء ينبع، والكور، وتيماء ودومة الجندل، والفرع،
وذو الرمة، ووادي القرى، وقرى عرينة، والسيالة، والرهط، وكحل، ومدين، وفدك،
وخيبر.
*
أزقة المدينة وشوراعها:
المدينة مبنية في وسط واد شاسع يمتد إلى الجنوب، وأغلب مبانيها من الحجر
المجلوب إليها من المحاجر القريبة منها. وشكل الأبنية فيها شبيه لأبنية
مكة، لو لا أن منازلها أصغر، وشوارعها أضيق، وخصوصاً ما كان من حول الحرم
الشريف.
وأغلب حارات المدينة كانوا يسمونها لضيقتها أزقة: منها في شمال الحرم، زقاق
البقر، وزقاق الخياطين، وزقاق الحبس، وزقاق عنقيني، وزقاق السماهيدي، وزقاق
البذور، وزقاق الأغوات، وفي جنوبه زقاق ياهو، وزقاق الكبريت، وزقاق
القماشين، وزقاق حيدر، وزقاق الحجامين، وزقاق مالك بن أنس.
وعلى كل حال فحارات المدينة نظيفة وضيقها يساعد كثيراً على تلطيف الحرارة
فيها زمن الصيف، كما هو الشأن في أغلب بلاد الشرق. وكان سوق المدينة يبتدىء
من الباب المصري إلى الحرم الشريف في شارع ضيق طوله
500
متر تقريبا يقطعه على المارة تقابل جملين فيه مع بعضهما والحركة فيه تكاد
تنحصر في مدة الحج والموسم الرجبي وهو موسم الزيارة الرسمية في بلاد العرب.
وتجارة المدينة مدارها على وارداتها الخارجية، لا سيما واردات جاوة والهند
والشام، وعلى الخصوص في الأقمشة القطنية والصوفية والحريرية والسبح والليف
الأبيض والحناء والبسط والسجاجيد والحنابل(الأكلمة) العجمية والهندية
والمغربية والتركية، وأثمانها أغلى منها في مكة بل وفي مصر، وإنما ابتياع
الحجاج لها على سبيل البركة وسهولة الصرف في هذه الجهات وتجارة البلح فيها
هي أكبر التجارات وأوسعها لأن ضواحيها فيها كثير من البساتين وفيها نخيل
كثيرة تنتج نحو سبعين صنفاً من التمر وأحسنها البلح العنبري، ثم الجلبي، ثم
السكري وهو أكثرها حلاوة، ثم بلح السبح، ويكثر نخله في جهة الخيف بين
المدينة والحمراء.
وكان في المدينة سابقاً مكتبات كثيرة أحسنها مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت،
وهي قريبة من باب جبريل إلى جهة القبلة، وهذه المكتبة آية في نظافة مكانها
وحسن تنسيقها، وترتيب كتبها وأرضها المفروشة بالسجاد العجمي الفاخر. وفي
باب السلام مكتبة للسلطان محمود ومقدار الكتب التي فيها
4569
كتاباً وهي وإن كانت أصغر من مكتبة عارف وأقل منها نظاماً إلا أنها جميلة
ومرتبة. وفيها مكتبة للسلطان عبد الحميد الأول بها
1659
كتاباً، وفيها أيضاً مكتبة بشير أغا، في زقاق الخياطين، بها
2603
كتاباً ويقدر مجموع هذه الكتب بثلاثين ألف كتاب من الكتب النادرة المثال.
وكان في المدينة حمامان تركيان أحدهما داخل المدينة وهو من عمل السلطان
سليمان القانوني والثاني بالمناخة. وفيها 5 تكايا أهمها التكية المصرية.
والباقي يسمونها رباطات. وللمدينة المنورة حرم مثل حرم مكة كان يبلغ قطر
دائرته قبل التوسيعات الحديثة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد
وسلفه الراحل الملك خالد نحو كيلومترين.
*
أهم مساجد المدينة:
في المدينة وضواحيها مزارات كثيرة أشهرها مسجد قباء، ومسجد سيدنا حمزة،
والبقيع. أما مسجد قباء فيبعد عن المدينة بمسافة خمسة كيلو مترات، وهو أول
مسجد بني في الإسلام، بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنوب الغربي
للمدنية عند دخوله إليها في هجرته، وقد جدد بناءه السلطان عبد الحميد
الأول، وبوسط صحنه قبة أقيمت على مبرك ناقته صلى الله عليه وسلم حين قدومه
إليها في هجرته من مكة. وأما مسجد سيدنا حمزة فإنه يوجد في شمال المدينة في
وادي أحد. وهذا الوادي مشهور بالواقعة التي حصلت بين المسلمين والمشركين في
15
شوال سنة
2
للهجرة، وأبلى فيها المسلمون بلاءً حسناً، واستشهد فيها سيدنا حمزة عم
النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت فيها رباعية النبي اليمنى وشج وجهه وكلمت
شفته السفلى، ودخلت حلقتان من مغفره في وجنته. وقد ورد عن عائشة رضي الله
عنها أن أبا عبيدة بن الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فسقطت ثنيته، ثم نزع الأخرى فسقت ثنيته الثانية، فكان ساقط
الثنيتين. ودفن حمزة في مصرعه شرق مسجده الحالي الذي نقلت جثته إليه فيما
بعد لما عبث السيل بقبره الأول. ومن حوله قبور الشهداء الذين قتلوا في هذه
الواقعة وعددهم نيف وسبعون. وفي نهاية الوادي إلى الشمال جبل أحد وهو جبل
صخري من الفرانيت، وهو وإن كان من السلسلة الجبلية التي تخترق بلاد العرب
إلا أنه يكاد يكون منفصلاً عنها وطوله من الشرق إلى الغرب نحو ستة
كيلومترات. والبقيع له عند المسلمين مكانة عظيمة ويقال له بقيع الغرقد،
لأنه كان يكثر فيه هذا النوع من الشجر، وبه دفن نحو عشرة آلاف من الصحابة
الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وكثير من آل بيت النبوة صلوات الله عليهم.
منهم سيدنا علي زين العابدين بن سيدنا الحسين وولده محمد الباقر وولده جعفر
الصادق.
ومن مساجد المدينة المباركة مسجد الراية، ومسجد الفتح، ومسجد القبلتين،
ومسجد السقيا، ومسجد الغمامة (بالمناخة ومسجد علي في طريق قباء)، ومسجد
المائدة (أمام البقيع من جهة الشرق) ومسجد الأحزاب (وراء جبل سلع الذي هو
على يسار الخارج من الباب الشامي)، ثم مسجد عروة.
وكان أهل المدينة يشربون من آبار كثيرة منها: بئر الأعواف، وبئر أنس بن
مالك، وبئر رومة التي اشتراها عثمان بن عفان لشرب المسلمين منها في صدر
الإسلام. وفيها بئر القويم، وبئر العباسية، وبئر صفية، وبئر البويرة، وبئر
فاطمة، وبئر عروة. وكان أهل المدينة في السابق يهدون من ماء البئرين
الأخيرين للملوك وكبار المسلمين. وفي قباء بئر يسمونها بئر الخاتم، وبئر
أريس التي وقع فيها خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان بن عفان وهو
خليفة، وكانوا لذلك الوقت يختمون به على مكاتباتهم، وكان نقشه (محمد رسول
الله).
وماء المدينة الذي عليه مدار سقياها من العين الزرقاء التي توجد غربي مسجد
قباء، ماؤها عذب لذيذ، وسميت بالزرقاء نسبة إلى مروان بن الحكم الذي أجراها
بأمر معاوية رضي الله عنه وقت أن كان عاملاً له على المدينة، وكان يسمى
(الأزرق لزرقة عينيه) ويمد ماء هذا العين مجرى مأخوذ من عين في قباء أيضاً
يسمونها عين النبي صلى الله عليه وسلم وماؤها يسير إلى المدينة.
وفي ضواحي المدينة عدا العين الزرقاء عين كهف، غربي جبل سلع، وعين الخيف
وتجري من عوالي المدينة وعين الوادي بجوار قبر حمزة، ثم عين السلطان وهي
مالحة وتجري من قباء إلى المدينة.
وكان يوجد في المدينة بالجهة الشمالية حدائق كثيرة بالقرب من السور منها
حديقة الداودية، وحديقة الزكى، والسبيل، وبضاعة، وبضيعة، والطرناوية،
والفيروزية، والزينية، والدرويشية، وبئرحا، والتوانية، والجودية، والكاتبية،
والعثمانية، وفي داخل السور الحدائق الرومية. وفي الجهة الشرقية بساتين
وكروم كثيرة من النخيل. وفي جهة قباء وذي الحليفة والعوالي شيء كثير من
المزارع والبساتين والأخيرة مشهورة بثمرها ويزرع فيها كثيراً من الخضراوات
مثل الكرنب والقنبيط (القرنبيط) والكرات أبو شوشة والخرشوف والبامية
والملوخية والباذنجان والقوطه والقرع واللوبياء والفاصولياء والرجلة
والسبانخ والخبيزة والكرفس والبقدونس. ومن الفاكهة البطيخ والقاوون والخوخ
والرمان والعنب والموز والتمر والليمون والبرتقال والليم( وهو نوع من
الأترج كبير الحجم).
وحول المدينة وديان كثيرة وينزل فيها كثير من مجاري السيول التي تسير بها
إلى بساتينها وخصوصاً في الجهات المنخفضة منها.
|