الشيماء
بنت الحارث السعدية
الشيماء بنت الحارث السعدية ، امرأة بدوية من بني سعد .
وهي ابنة حليمة
السعدية التي كانت من بين مراضع بني سعد حين انطلقن إلى مكة يلتمسن الأطفال
لإرضاعهم ، فلم يطل مكثها بمكة حتى عادت تحمل معها طفلاً ، ولم يكن هذا
الطفل
الرضيع سوى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي أرضعته حليمة ، وطرحت
البركة
في كل ما عندها .
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحراء سنتين
ترضعه حليمة ، وتحضنه ابنتها الشيماء بنت الحارث بن عبدا لعزى بن رفاعة
السعدية أخت
الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.
وقد كان عليه الصلاة
والسلام يخرج مع أولاد حليمة إلى المراعي ، وأخته الشيماء تحضنه وتراعيه ،
فتحمله
أحياناً إذا اشتد الحر ، وطال الطريق ، وتتركه أحياناً يدرج هنا وهناك ، ثم
تدركه
فتأخذه بين ذراعيها وتضمه إلى صدرها ، وأحياناً تجلس في الظل ، فتلعبه
وتقول
:
يا ربنــــا أبق لنا محمداً |
حتى أراه يافـــعاً
وأمـــردا |
ثم أراه سيداً مســـــوداً |
واكبت أعاديه معـاً
والحســـدا |
قال محمد بن المعلى الأزدي : وكان أبو
عروة الأزدي إذا أنشد هذا يقول : ما أحسن ما أجاب الله دعاءها.
وأقام
النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد إلى الخامسة من عمره ينهل من جو
البادية الطلق
الصحة والنماء ، ويتعلم من بني سعد اللغة المصفاة الفصيحة. وقد تركت هذه
السنوات
الخمس في نفسه الكريمة أجمل الأثر وأبقاه ، وبقيت الشيماء وأهلها وقومها
موضع محبته
وإكرامه طوال حياته – عليه الصلاة والسلام.
ذكر
الإمام ابن حجر في الإصابة
أن الشيماء لما كان يوم هوازن ظفر المسلمون بهم ، وأخذوا الشيماء فيمن
أخذوا من
السبي ، فلما انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله
، إني
لأختك من الرضاعة. قال : وما علامة ذلك ، قالت : عضة عضضتها في ظهري ، وأنا
متوركتك
،
فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، ثم قال لها
: ههنا
،
فأجلسها عليه ، وخيّرها ، فقال : إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة ، وإن
أحببت
أن أمتعك فارجعي إلى قومك ، فقالت : بل تمتعني وتردني إلى قومي ، فمتعها
وردها إلى
قومها.
ولم
يتوقف إكرام النبي صلى الله عليه وسلم للشيماء عند هذا فحسب ،
بل شمل ذلك بني سعد جميعهم ، ومعلوم أن بني سعد من هوازن ، وذلك أنه لما
انتصر
عليهم يوم حنين وغنم أموالهم ونسائهم وذراريهم ، عند ذلك جاءه وفد هوازن
بالجعرانة
وقد أسلموا، فقالوا : يا رسول الله ، إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من
البلاء ما لم
يخف عليك فامنن علينا من الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد أبو صرد فقال: يا
رسول الله ، إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ،
ولو أنك
ملحنا لابن أبي شمر أو النعمان بن المنذر، ثم أصابنا منها مثل الذي أصابنا
منك،
رجونا عائدتهما وعطفهما وأنت رسول الله خير المكفولين ، ثم أنشأ يقول :
امنن
علينا رسول الله في كرم |
فإنك المرء نرجوه وننتظــر |
امنن على
بيضة قد عاقها قدر |
ممزق شملها في دهرها غيـر |
أبقت لنا الدهر
هتافاً على حزن |
على قلوبهم الغمّاء والغمــر |
يا خير طفل ومولود
ومنتجـب |
في
العالمين إذا ماحصل البشر |
إن لم تدراكها نعماء
تنشرهـا |
يا
أرجح الناس حلماً حين يختبر |
منن
على نسوة قد كنت
ترضعها |
إذ فوك تملؤه من مخضها
الدرر |
امنن على نسوة قد كنت
ترضعها |
وإذ يزينك ما تأتي وما تــذر |
لا تجعلنا كمن شالت
نعامتــه |
واستبق منا فإنا معشر زهــر |
إنا لنشكر آلاء وإن
كفــ،رت |
وعندنا بعد هذا اليوم مدخــر |
فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : (نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم) ؟ فقالوا: يا
رسول الله ،
خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا ، بل أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا ، فقال رسول
الله صلى
الله عليه وسلم : (أما ما كان ولي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، وإذا أنا
صليت بالناس
فقوموا فقولوا : إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين ،
وبالمسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبنائنا ونسائنا ، فإني
سأعطيكم
عند ذلك ، وأسأل لكم)، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر
قاموا
فقالوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : (إما ما كان لي
ولبني عبد
المطلب فهو لكم ) ، فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله
عليه
وسلم ، وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
|