الخنساء
(الخنساء) تماضر بنت عمرو بن الشريد بن رباح السلمية ، صحابية جليلة ،
وشاعرة
مشهورة ، قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم مع قومها بني سليم ، فأسلمت
معهم.
كانت الخنساء تقول البيتين أو الثلاثة حتى قتل أخوها شقيقها
معاوية بن عمرو ، وقتل أخوها لأبيها صخر ، وكان أحبهما إليها لأنه كان
حليماً جوداً
محبوباً في العشيرة ، كان غزا بني أسد ، فطعنه أبو ثور الأسدي طعنه مرض
منها حولاً
ثم مات ، فلما قتل أخوها صخر قال ترثيه :
أعيني جودا ولا
تجمــدا |
ألا تبكيان لصخر النـدى |
ألا تبكيان الجريء
الجميل |
ألا تبكيان الفتى السيـدا
|
طويل النجاد رفيع
العمـاد |
ساد عشيرتــه أمـردا |
إذا القوم مدوا بأيديهــم |
إلى المجد مد إليـه يـدا
|
فنال الذي فوق بأيديهــم |
من
المجد ثم مضى مصعدا
|
يحمله القوم ما
عالهــم |
وإن كان أصغرهم مولــدا |
ترى المجد يهوي إلى
بيته |
يرى أفضل المجد أن يحمدا
|
وإن ذكر المجد
ألفيتـــه |
تأزر بالمجد ثم ارتــدى |
وقالت في رثاء
معاوية:
ألا لا أرى في الناس مثل معاوية |
إذا طرقت إحدى الليالي
بداهيـة |
بداهية يصغى الكلاب حسيسها |
وتخرج من سر النجي
علانيـة |
وكان
لزاز الحرب عند نشويها
|
إذا سمرت عن ساقها وهي ذاكية
|
وقواد خيل نحو أخرى كأنهـا |
سعال وعقبان عليها زبانيـــة |
بلينا وما تبلى تعار وما تـرى |
على حدث الأيام إلا كما هيــه |
فأقسمت
لا ينفعك دمعي وعولتي
|
عليك بحزن ما دعا الله داعيـة |
لقد كانت شهرة الخنساء رضي الله عنها قد ذاعت وطار صيتها في كل مكان
وخاصة من خلال مراثيها التي سارت بها الركبان .
وهي إلى شاعريتها صاحبة
شخصية قوية ، تتمتع بالفضائل والأخلاق العالية والرأي الحصيف، والصبر
والشجاعة
.
وإن موقفها يوم القادسية لدليل واضح على صبرها وشجاعتها ، فقد خرجت في
هذه المعركة مع المسلمين ومعها أبناؤها الأربعة، وهناك، وقبل بدء القتال
أوصتهم
فقالت : يا بني لقد أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين ، ووالله الذي لا إله
إلا هو
إنكم بنو امرأة واحدة ، ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ...
إلى أن قالت :
فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين ، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ،
وبالله
على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها ، وجعلت ناراً
على
أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها ، تظفروا
بالغنم
والكرامة في دار الخلد والمقامة.
فلما أصبح أولادها الأربعة باشروا القتال
واحداً بعد واحد حتى قتلوا، وكل منهم أنشد قبل أن يستشهد رجزاً ، فأنشد
الأول
:
يا إخوتي إن العجوز الناصحة
|
قد نصحتنا إذ
دعتنا البارحة |
بمقالة ذات بيان واضحـــة |
وإنما تلقون عند الصابحـة
|
وأنشد الثاني :
إن العجوز ذات حزم
وجلد |
قد أمرتنا بالسداد والرشــد |
نصيحة منها وبراً
بالولد |
فباكروا الحرب حماة في العدد |
وأنشد الثالث
:
والله لا نعصي
العجوز حرفـاً |
نصحاً وبراً صادقاً
ولطفاً
|
فبادروا الحرب الضروس زحفا ً |
حتى تلقوا آل كسرى
لفا |
وأنشد الرابع :
لست لخنساء ولا للأقــــــرم |
ولا
لعمرو ذي النساء الأقــدم |
إن لم أراه في الجيش خنس الأعجمي |
ماض
على الحول خضم خضرم
|
وبلغ الخنساء خير مقتل أبنائها الأربعة فقالت : (الحمد
لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).
وقفلت الخنساء عن ميدان القادسية وقد فتح الله تعالى على المسلمين. عادت
إلى
المدينة ، وعلم بها عمر رضي الله عنه فعزاها في أبنائها ، وكان يعطيها
أرزاق
أولادها الأربعة حتى قبض.
ثم
انصرفت إلى البادية ، إلى مضارب قومها بني
سليم ، وقد أنهكتها الأيام والأعوام ، وما لبثت أن فارقت الحياة مع مطلع
خلافة
عثمان بن عفان رضي الله عنه.
|