وكلما رأى عند موسيقي ما ليس عنده تعلمه منه، حتى استطاع أن يبزهم جميعا
ويحملهم
حملا على الإعتراف له بالأستاذية والعبقرية. ومن عجب أن يتتلمذ عليه بعد
ذلك
أستاذاه الأولان علي محمود وإسماعيل سكر، وكذلك طائفة كبيرة من الموسيقيين
المحترفين والهواة، يتقدمهم: حسن والي، مصطفى رضا بك، صفر بك علي، حسن
أنور، الشيخ
أبو العلا محمد، محمد عبد الوهاب، زكريا أحمد، عبد الحليم نويرة، وأخيرا
أحمد صدقي
الذي نهل من أستاذه الشيء الكثير.
ومن الطريف أن يشترك ثلاثة من إنتاد دور
"أحب
أشوفك كل يوم" ينظمه حسن أنور ويلحنه درويش الحريري ويغنيه محمد عبد
الوهاب..
ولا عجر فإن بعض هؤلاء يدينون له بما وصلوا إليه من شهرة، بل يدينون له بما
ينتجون
ويلحنون، لأنهم لا يستطيعون أن يخرجوا بثمراتهم إلى السوق إلا بعد أن يمروا
بها
عليه لينقحها ويهذبها ويصححها.
ولعل أعجب شيء في المسيرة الموسوعية للشيخ
درويش الحريري أنه لم يكن يعزف على آلة موسيقية، ولكنه كان يصحح للجميع وضع
أصابعهم
على مخارج الأصوات. ولما كان راوية للجميع لألحان القدامى، فقد سجل نخبة
النخبة من
ألحانهم في مؤتمر الموسيقى العربية الأول عام 1932، وكانت كبار شخصيات
الموسيقى
العربية من الشرق والغرب، عرب ومستشرقون، ترجع إلى درويش الحريري في لحنة
المقامات
وغيرها من اللجان.
كان لدرويش الحريري ابتكاراته في التلحين، بل في وضع
أوزان غير مطروقة، ولعله أول من لحن من المصريين من مقام حجاز كار كورد في
لحنه
للموشحة شبه المعجزة "حبي زرني ما تيسر" كما ابترك مقام صبا الحجازم لحن
منها
سماعيات وموشحة مشهورة.
يعتد درويش الحريري بنفسه اعتدادا كبيرا، وبعض الناس
يرميه بالكبرياء والتعالي، ولعله هذا عيبه الوحيد، فلم يكن يطيق النقاش أو
المجادلة، على أنه كان محل احترام الجميع نظرا لشخصيته الحازمة الحاسمة.
توفي في القاهرة عام
1957.