ومن منا لا يعرف
العندليب الأسمر مالئ الدنيا وشاغل الناس عبد الحليم حافظ الذي أرخت
الستينيات
بصوته العذب ونقشت أغانيه على جدران وجداننا وفي أعماق ذاكرتنا، فأيقظت
فينا الحب
والحماسة. عبد الحليم حافظ صاحب الصوت صغير المساحة إلا أنه صوت مميز
بالدفء
والعذوبة والحساسية وصدق الأداء الذي لم يكن معهودا من قبل حيث تفاعل مع
كلمات
أغانيه وألحانها حتى ذاب فيها أداء كما ذابت فيه لحنا وكلمة.
وجد عبد
الحليم حافظ في زمن غني بالأصوات القوية النفاذة الجميلة المحببة أمثال
كارم محمود،
محمد فوزي، عبد العزيز محمود، محمد قناديل وهي أصوات ظهرت في أواخر
الأربعينيات إلى
جانب فريد الأطرش الذي ملأ ساحة الطرب والغناء في عصره، وفي هذه الزحمة من
الأصوات
الجيدة القادرة لم يكن من السهل على عبد الحليم الوصول إلى آذان الناس
وقلوبهم،وكأن ثورة يوليو
1952
قد حملت معها إبداع هذا الشاب الذي كان صوت مصر
الدافئ ومعتمد الثورة ومندوبها للجماهير، فكان عبد الحليم ذلك السفير الذي
رافق
آلام الشعب المصري وآماله زهاء ربع قرن
.
اسمه عبد الحليم شبانة وقد لقب عبد ذلك
بـ حافظ بفضل مكتشف صوته والمعجب به ومشجعه الأول حافظ عبد الوهاب. انتسب
عبد
الحليم حافظ إلى المعهد العالي للموسيقى المسرحية في أواسط الأربعينيات
وتخرج منه
عازفا على آلة الأوبوا وهي آلة شقيقة للكلارينيت وعُين فور تخرجه مدرسا
لمادة
التربية الموسيقية في مدارس القاهرة لكن هذه المهنة لم ترق له لبعدها عن
مواهبه
وهوايته فتقدم للإذاعة ليعمل في فرقتها وكان له ذلك. فأصبح عضوا فيها وتشاء
الظروف
أن تنعقد في الإذاعة لجنة لسماع أصوات جديدة لاعتمادها لدى الإذاعة المصرية
فتقدم
لها عبد الحليم فنال إعجاب أحد أعضاء هذه اللجنة وهو الأستاذ حافظ عبد
الوهاب فشجعه
ودعمه وكان لدعمه أكبر الأثر في نجاح عبد الحليم .
كانت أولى أغانيه صافيني مرة
من ألحان محمد الموجي التي أطلقته في سماء الشهرة وجعلته في مصاف النجوم،
فقد تميز
عبد الحليم بصدق التعبير وجودة الأداء وحسن انتقاء كلمات أغانيه وألحانها
كما
ساعدته دراسته للموسيقى على التدخل في الألحان التي تقدم له وتغيير ما لا
يتناسب
وقدراته الفنية والصوتية.
وقد لحن له كبار الملحنين أمثال رياض السنباطي محمد
عبد الوهاب وهو شريكه في شركة صوت الفن ومحمد الموجي وكمال الطويل، وقد كان
عبد
الحليم والموجي والطويل ثلاثيا لا يفترق، كما لحن له بليغ حمدي.
وإذا كان قد غنى
لكبار الملحنين فقد غنى لكبار الشعراء أمثال نزار قباني إيليا أبو ماضي
صلاح جاهين
كامل الشناوي مرسي جميل عزيز.
ترك عبد الحليم وراءه ما يفوق المائة أغنية ما بين
الموشح المتطور والقصيدة والأغنية الطويلة والأغنية الدارجة السينمائية،
كانت آخر
أغانيه الرفاق حائرون وأغنية من غير ليه التي لحنها له الأستاذ محمد عبد
الوهاب،
إلا أن المرض أقعده عن غنائها أو تسجيلها فتوفي قبل أن يتم له ذلك، وله
لوحات
غنائية وتمثيليات غنائية إذاعية كما أنه نجح في التمثيل السينمائي. فقد مثل
ما ينوف
عن الخمسة عشر فيلما أولها لحن الوفاء مع المطربة شادية وآخرها أبي فوق
الشجرة مع
الممثلة ناديا لطفي.
لقد داهم المرض عبد الحليم في سن مبكرة مما نغص عليه حياته
وانتشلته يد المنون وهو في أوج شهرته فرحل مأسوفا على شبابه وبقيت جماهيره
في عطش
وسغب لفنه الأصيل الذي أمتع الناس حقبة من الزمن