البديع
قال تعالى:
بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد"101"(سورة
الأنعام)
هو الخالق البديع في ذاته، ولا يماثله أحد في صفاته، ولا
في حكم من أحكامه، أو أمر من أوامره. فهو البديع المطلق الذي أبدع الخلق من غير
مثال سبق، وهو الذي أظهر عجائب صنعته وغرائب حكمته، يقال: هذا شيء بديع إذا كان
عديم المثل، وفي اللغة "بادع" أي: أبدع الشيء، والله بديع السماوات والأرض أي
"مبتدعها"،
وشيء "بدع" بكسر أي مبتدع، ومنه قوله تعالى:
قل ما كنت بدعاً من الرسل .. "9" (سورة الأحقاف)
أي: ما
أنا بأول رسول جاء بالتوحيد، وذلك بأن البدع والبديع هو الذي لم يسبق له مثيل.
عندما نتأمل عظمة الحق سبحانه نجد أنه يخلق كل خلقه بلا تماثل، فمنذ أن خلق الله
آدم وحواء وإلي أن تقوم الساعة لن نجد إنساناً يشبه إنساناً آخر، لا في الشكل ولا
في المضمون، وذلك دليل على طلاقة القدرة وسعة القوالب عند الحق.
إن الله يجمعنا في
المعنى العام بأن يكون كل منا إنساناً، لكن هل رأى أحد إنساناً يتشابه مع إنسان
آخر، ولو في بصمة اليد؟
.
إذن: فعندما يعلمنا الحق سبحانه أنه بديع السماوات
والأرض، وأن كل شيء له خاضع، فلنا أن نقول بخشوع الإيمان: سبحان الله مالك الملك
الخالق الأكرم.
ويبرز لنا الحق سبحانه طلاقة قدرته في قوله الكريم:
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون "17" وله الحمد في
السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون "18" يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي
ويحيى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون "19" ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم
بشر تنشرون "20" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم
مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "21" ومن آياته خلق السماوات والأرض
واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين "22" (سورة الروم)
إن الحق سبحانه منزه عن أن يكون له مثيل، ذلك أنه وحده له الحمد من كل الوجود،
هو الذي يخرج من الكائن الحي أشياء لا حياة فيها، ويحيى الأرض بالنبات بعد جفافها،
وخلق الإنسان من تراب، وجعل من التراب بشراً متفرقين في الأرض يعملون في الكون
الموهوب لهم من الله. ومن دلائل عظمته أنه خلق للإنسان أزواجاً من نوع الإنسان، وإن
اختلف الذكر عن الأنثى، يتزوج الذكر الأنثى، وتتزوج الأنثى الذكر، على أساس من
المودة والتراحم.
وفي ذلك دلائل لقوم يتأملون بالفكر بديع صنع الله في خلق
السماوات والأرض، واختلاف ألوان البشر، وتباين ألسنتهم، وفي ذلك من الدلائل ما
ينتفع به أهل العلم والفهم، إن من طلاقة قدرة الحق في إيجاد البشر أنهم مختلفون على
كثرتهم التي لا تعد ولا تحصى، منذ خلق الله آدم إلي قيام الساعة، فلو جمعنا الناس
جميعاً فلن نجد واحداً يطابق الآخر في أصله أو صورته، إنها دقة الحكمة في الإبراز
في صور متعددة، تعطي القدرة. وبعد أن يموت الإنسان، وتتفرق العناصر في التراب يذهب
كل عنصر إلي نظيره، ثم يأتي البعث ليجمعنا إنها دقة الحكمة والإبراز والإيجاد بهذا
القدر من الاختلاف.
يقول الحق:
بديع السماوات
والأرض وإذا قضى الأمر فإنما يقول له كن فيكون "117" (سورة البقرة)
إنها دقة حكمته في بديع صنعه لهذا الكون: يقول الحق:
بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء
وهو بكل شيء عليم "101" (سورة الأنعام)
وقال في آياته:
لخلق السماوات والأرض اكبر من خلق الناس .. "57" (سورة
غافر)
أي: إذا كنت ترى في نفسك عجائب كثيرة من خلق الله، وإذا كان العلم
التشريحي، أو علم وظائف الأعضاء يعطينا كل يوم سراً في جسد الإنسان نتعجب له، فخلق
السماوات والأرض أعجب من ذلك،
لأنه أول إيجاد من عدم، وإيجاد بديع.
أي: أنه من
غير مثال سبقه، أي: أنه في معظم الأشياء يجب أن يوضع ماكيت أولاً، وتكون هناك
مقاسات وقياسات وتعديلات إلي آخره، ولكن الخلق تم بكلمة (كن) في عملية غاية في
الدقة، خلقت كلها في وقت واحد، والأرض كما نعرف كوكب من كواكب الشمس. وكانوا قديماً
يقولون: إن توابع الشمس سبعة، وخدع في ذلك كثير من المفكرين، فقالوا: إنها السماوات
السبع، ثم بعد ذلك اكتشفت كواكب جديدة، حتى أصبح عددها الآن عشرة، وهذه كلها زينة
السماء الدنيا، وفي السماء ملايين المجموعات الشمسية، وكلما تقدم العلم رأينا أشياء
لم نكن نراها، خلق بديع في مسافات هائلة. لذلك قال الحق:
والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون "47" (سورة الذاريات)
وهذا الكون المعجز خلقه الله بقدرته الذاتية الفائقة.
[ عودة للقائمة الرئيسيّة ]
|