شاعر الشعب عمر الزعني
عمر الزعنّي،
هو عمر بن الشيخ محمد بن عمر الزعنّي، أعطاه أبوه الشيخ محمد إسم جده عمر
على عادة أهل بلادنا بأن يعطوا الولد البكر من أبنائهم إسم جده وفاءً
لذكراه وحفاظاً على توالي أسماء الأجداد في نفس العائلة.
أسرة الزعنّي
من أصل مصري، وكان الشيخ محمد والد عمر صاحب متجر للحبوب في محلة مينا
القمح في مرفأ بيروت، هذه المحلة لم تعد موجودة على أثر التغييرات التي
طرأت على المدينة بعد العهد العثماني.
والدة عمر
هي السيّدة بهيّة المغربل من عائلة بيروتيّة معروفة بالتدين ولها مكانة
اجتماعية محترمة في بيروت.
كانت ولادة عمر في محلة زقاق البلاط ببيروت عام
1898م،
نشأ في كنف عائلة متمسكة بالقيم الإسلاميّة وتقيم وزناً كبيراً لمبادئ
الدين الإسلامي الحنيف، وكان الشيخ محمد، والد عمر على مستوى مقبول من
العلم الشرعي ويتعبّد الله على الطريقة الشاذليّة ذات الحجم الغفير من
المريدين في العالم الإسلامي، وثقافته الدينيّة جمَّعت حوله كثيرين من
أبناء بيروت ليفقههم في الدين ويعاونهم على حلّ مشاكلهم الحياتيّة.
عندما بلغ عمر الثامنة من عمره أدخله أبوه الكليّة العُثمانيّة لصاحبها
الشيخ أحمد عباس الأزهري، وكانت هذه الكليّة في محلة برج أبي حيدر، حيث
يقوم الآن خزان مياه بيروت، وذلك قبل انتقالها إلى محلة الزيدانيّة ثم
إقفالها فيما بعد.
من زملاء عمر في الكليّة المذكورة، الأديب عمر الفاخوري، الشاعر عمر حمد،
الأخوان محمد ومحمود المحمصاني، محمد عز الدين، عبد الله المشنوق، رياض
الصلح، عبد الغني العريسي، والدكتور مليح سنو.
في العام
1914م
تخرج من الكلية العُثمانيّة حائزاً على شهادة البكالوريا أو ما يعادلها في
ذلك الزمان.
منذ الحداثة ظهر ميل عمر للمطالعة، والكتابة، حتى إنه كان يلجأ إلى
الاستعانة بفانوس البلديّة للقراءة في الليل عندما كانت والدته تحتاج إلى
قنديل الكاز، الأمر الذي أثر على عينيه وأحوجه فيما بعد إلى استعمال
النظارات الطبيّة.
بعد تخرجه من الكلية العُثمانيّة ، جُند في الجيش العثماني وأُدخل في
الكلية الحربية في حمص حيث تخرج منها بعد ستة شهور برتبة ضابط إداري ،
وعُيّن مديراً للإعاشة الخاصة بالجيش في الشام، وبقي في هذا العمل طيلة
الحرب
1914- 1918
متنقلاً من الشام إلى القدس إلى بئر السبع في فلسطين، ولم يشترك طوال هذه
المدة في المعارك الحربيّة.
بعد أن وضعت الحرب أوزارها عاد إلى موطنه بيروت حيث ساعد والده في تحمّل
الأعباء العائليّة بأن مارس التعليم في عدة مدارس أهليّة ومنها الكليّة
العُثمانيّة التي كان من تلاميذها، ومن المدارس التي علّم فيها المدرسة
التوفيقيّة التي أسسها الشيخ محمد توفيق خالد، مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة
فيما بعد، والمدرسة الأهليّة لصاحبتها الآنسة ماري كسّاب.
أثناء وجوده في الكليّة العُثمانيّة مارس هوايته في نظم الشعر وكتابة
الروايات المسرحيّة، وعمل على تأليف فرقة من هواة التمثيل، كان يمارس معهم
هذه الهواية على مسرح الكليّة المذكورة، ومنذ ذلك الحين أولع الزعنّي
بالعزف على البُزق، وكان ينظم الأغاني الشعبيّة ويلحنها بنفسه وكذلك يغنيها
هو نفسه أيضاً.
وفي عام
1922م
عمل عمر موظفاً كمساعد قضائي في محكمة بيروت البدائيّة، وفي هذه الأثناء
إنتسب إلى كليّة الحقوق في الجامعة اليسوعيّّة ببيروت مستعيناً بمنحة
دراسيّة قدمتها له جمعية المقاصد الخيريّة الإسلاميّة، في هذه المرحلة من
حياة عمر الزعنّي نضجت نزعته إلى نظم الشعر والأناشيد والأغاني التي توحي
بها الأحداث الجارية في البلاد والتطورات الإجتماعيّة التي عاشها المواطنون
لا سيما في بيروت، وكان يشجعه في هذه النزعة الأديب البيروتي الشيخ رائف
الفاخوري المتوفى عام
1954
الذي ألّف رواية مسرحية بعنوان (جابر عثرات الكرام)، وقد مُثلت هذه الرواية
في مسرح الكريستال في بيروت، وشارك عمر الزعنّي في هذا التمثيل ببعض
القصائد الإجتماعيّة والوطنيّة.
ولما كان عمر في ذلك الحين موظفاً في بلدية بيروت، والقوانين تحظر على
الموظفين الكتابة والنشر في الصحف، فإنه آثر حجب إسمه عن القصائد التي كان
ينشرها وإستبدل به أسم أحد الشعراء الذي عاش ما بين العهدين الأموي
والعباسي، وهو حُنّين بلوع الحيري، الذي كان مثله في نظم الشعر وغنائه،
ومنذ ذلك الحين ظهر العدد الثاني من السنة الأولى من مجلة الكشّاف وفيها
الكلام التالي:
((وعد شاعر الشعب حنين بلوع الحيري بنشر أغانيه في (الكشّاف) قبل طبعها على
حدة، وهي بشرى نزفها إلى قرائنا الذين سيجدون في كل عدد من هذه المجلة آية
من آيات شاعرنا الموسيقي المتفنّن)).
وكانت أول قصيدة نشرتها له المجلة المذكورة تحت عنوان: ما عاد في الدنيا
صغير. ولازمتها:
مصيبة كبيرة وهّمّ كبير
|
ما عاد في الدنيا صغير
|
حتى ولا مقَمَّط بالسرير
|
وفي عام
1926م
دُعي عمر الزعنّي لإنشاد إحدى قصائده في مسرح سينما الكريستال في بيروت
بدعوة من نقابة الصحافة آنذاك، فأنشد قصيدة يصوّر فيها تدهور قيمة الوحدة
النقديّة الفرنسيّة الفرنك ، بعنوان (حاسب يا فرنك):
شوف النار الدرب قدامك
|
حاسب
يا فرنك شّد فرامك
|
بترحل
ما نحن في غرامك
|
من لطفك أو من إنعامـك
|
طالبين
عفوك وإحسانـك
|
مجبورين محسوبيـــن
|
وقد وجدت فيها سلطة الإنتداب الفرنسي ما أزعجها وهزّ مكانتها وسخر من قيمة
عملتها، فأوعزت إلى الحكومة المحليّة بنقله من وظيفته في بلدية بيروت إلى
وظيفة أخرى في البترون البعيدة عن مكان إقامته كما أشارت إلى عمدة كلية
الحقوق بالجامعة اليسوعيّة أن يحرمه من دخول الإمتحانات.
بعد ذلك عاد إسترجع الفرنك الفرنسي مركزه مجدداً، وانشد عمر الزعنّي:
واليوم عزّ أيامــــك
|
عرّم يا فرنك وهز كمامك
|
ما عاد في مزاحم قدّامـك
|
المستر شلن خدامـــك
|
فبارك أميركا أهتـــزت
|
خزاين العالـــم إنهزت
|
عرّم يا فرنك يا فرنك عرّم
|
حتى الدولار ما راح يسلم
|
والواقع أن عمر الزعنّي كان يرى في مقاومة الإنتداب الفرنسي وما يتصل به من
مؤسسات ومسؤولين محليين هدفاً للإنتقاد اللاذع في شعره.
بعد أن رسّخ الإنتداب الفرنسي جذوره السياسيّة في المؤسسات الحكوميّة، وجدت
تقاليد الإفرنج طريقها إلى بعض الأوساط الإجتماعيّة، ومن هذه التقاليد
القبعة الأوروبيّة على الرأس، فلقد إستبدلها بعض الموظفين بالطربوش، وكانت
هذه الظاهرة باعثاً على نفور الفئة المحافظة من أهل البلد ، وكان لعمر
الزعنّي موقف في شعره وغنائه عبّر به عن الضجة التي أثارتها تلك القبعة
التي تُسمى بالعاميّة البيروتيّة " البرنيطة "، فنظم قصيدة عبّر فيها عن
المغزى الذي ترمز إليه البرنيطة سواء بالنسبة للابسها من المواطنين أو
بالنسبة للفرنسيين الحكّام الفعليين للبلاد ، يقول الزعنّي في هذه القصيدة:
ولا بدها شيطـة
|
|
ما بدها عيطــة
|
ولبسنا البرنيطة
|
|
وقع المقدّر يا عيني
|
والقلب بيشكـي
|
|
العين بتبكـــي
|
|
ومين قادر يحكي غير البرنيطة ؟
|
|
في عام
1939م
إنفجرت القذائف المدفعيّة بين الحلفاء وبين دول المحور، وكانت عواطف العرب
ومنهم اللبنانيون مع محور الألماني إيطاليا وحلفائهما ضد الحلفاء إنكلترا
وفرنسا وحلفائهما، ولقد عبّر عمر الزعنّي عن هذه العواطف بقصيدة لا تخلو
من روح الشماتة بالحلفاء الذين منيوا آنذاك بهزائم عسكريّة، لا سيما على
الجبهة الليبية/المصريّة، فراح يقول:
أي بلا فرنسا وبلا أنكلترا
|
يلا مسيو ، يـلا يا مستر
|
تعبير تركي بمعنى أخرج
|
يلاَّ بَّرا هيدي ســـكتر
|
|
المـــجد في السما لله
|
هتلر المستشار الألماني
|
على الأرض المجد لهتلر
|
هذه القصيدة
شاع ترددها وذاعت وملأت الأصقاع والأسماع، وأصبحت على كل لسان داخل البيوت
وفي الشوارع وتحت أروقة المنتديات في جميع أنحاء البلاد.
في عام
1942م
إلتقى عمر الزعنّي في مستشفى الدكتور محمد خالد بالسيّدة بهيّة ضياء
الحمزاوي، فوجد فيها المرأة التي تصلح زوجة له، سرعان ما تمّ الزواج بينهما
على الرغم من أنه يكبرها بخمس وعشرين سنة، وقد رزق الله الزعنّي من زوجته
بولد سماه محمد على إسم جده وبنتاً سمّاها دلال.
ولقد وجد عمر الزعنّي في محطة الشرق الأدنى التابعة للإذاعة البريطانيّة
اهتماماً بقيمته الأدبيّة والشعريّة، فتعاقد معها على إذاعة منظوماته
وأغانيه، وبالإضافة إلى عمله في هذه الإذاعة فإنه كان يلبي طلبات الفنادق
السياحيّة في بيروت والجبل التي كانت تقيم له الحفلات المتعاقبة لإثارة
الناس إلى أن يقصدوها مفيدة من مكانته لديهم وتشقوهم إلى الإستماع لأغانيه
وأناشيده الانتقادية اللاذعة التي كانت في بعض الأحيان سبباً في غضب
الحكّام وإحالته إلى المحاكم وأحياناً الحكم عليه بالسجن.
وأخيراً كانت خاتمة رحلة عمر الزعنّي في هذه الحياة الدنيا يوم السبت في
11
شباط عام
1961م
عندما كان في مستشفى الدكتور محمد خالد ببيروت للمعالجة من الداء الذي ألمّ
به، رحمه الله وأحسن إليه في أخراه بقدر ما أحسن إلى أمته ودينه وبلده عبر
قصائده وأناشيده وأغانيه وأدبه.
إن غياب عمر الزعنّي عن أهل زمانه وبلده لم يجعل للنسيان سبيلاً إليه، فلقد
كان بالنسبة لبيروت ودمشق والقاهرة (شاعر
الشعب) وهو اللقب الذي رافقه حيّاً وميتاً غائباً.
قصيدة جددلو
|