المواصلات في بيروت
شهدت بيروت في القرن التاسع عشر تطوراً ملحوظاً في رصف طرقاتها وشوارعها الرئيسية سواء في باطن المدينة أو في ظاهرها، وقد استتبع الوضع الاقتصادي المتطور في المدينة وفي مدن بلاد الشام ، تطويلا طرق المواصلات البرية التي تربط بالمدن الأخرى.
مجموعة من الحمالين مع دوابهم
ويظهر إلى يمين الصورة بيروتي يحمل نرجيلته
ففي عام 1857م نالت الشركة الفرنسيّة (شركة طريق الشام العُثمانيّة) امتياز شق طريق دمشق – بيروت. وقد بدأت العمل فيه تحت إشراف المهندس الفرنسي ديمان، الذي أشرف أيضاً على خمس طرق أخرى للعربات في لواء بيروت . وقد بلغ طول الطريق 112 كلم وعرضها 7 أمتار، كما حققت هذه الشركة أرباحاً طائلة، وتضاعفت واردات الطريق في مدة عام، وبقيت الشركة تحقق أرباحاً عالية إلى أن تمّ إنشاء الخط الحديدي بين دمشق بيروت، مما أدى إلى نقص في أجرة نقل البضاعة إلى الثلث تقريباً بواسطة السكك الحديدية.
إن نجاح طريق دمشق بيروت أدى إلى ازدياد حركة التصدير في ولاية سوريا، واستتبع ذلك أن باعت (شركة طريق الشام العُثمانيّة) جميع حقوقها المحررة في الفرمان السلطاني المؤرخ في 20 تموز عام 1857م إلى شركة خط حديد دمشق بيروت بتاريخ 2 كانون الثاني عام 1892م، وخصص لكل ذي سهم واحد في الشركة سهمان في شركة الخطوط.
في 18 نيسان عام 1890م منحت الحكومة العُثمانيّة امتياز خط دمشق ـ بيروت إلى يوسف أفندي مطران، ولكن لم يتقدم صاحب الامتياز بمشروع خلال المدة المقررة، لذا سقط حقه في ذلك الامتياز. وما لبثت الحكومة أن منحت الامتياز إلى حسن أفندي بيهم في حزيران عام 1891م وتمّ توقيع المقاولة والشروط في نظارة التجارة والنافعة.
من بين هذه الشروط ضرورة استعمال اللغة التركية وحدها، واستخدام الرعايا العثمانيين وتوظيفهم، ونظر المحاكم العُثمانيّة في أي خلاف يحدث خلال العمل، كما أن للحكومة العُثمانيّة الحق بشراء المشروع بعد ثلاثين سنة، ودفع ثمنه أقساطاً، وأن يدفع صاحب الامتياز عربوناً للحكومة مقابل الامتياز .... هذا وقد سمى حسن أفندي بيهم شركته باسم (الشركة المساهمة العُثمانيّة لخط بيروت دمشق الاقتصادي)، ولكن يوسف مطران استطاع أن يؤسس شركة بلجيكية باسم (شركة ترامواي دمشق وخط دمشق حوران) فارتأت الدولة العُثمانيّة إدماج الشركتين معاً تحت اسم (شركة الخطوط الحديدية العُثمانيّة الاقتصادية لبيروت ـ دمشق ـ حوران في سوريا) وصدر فرمان سلطاني بذلك مؤرخ في 12 تشرين الثاني عام 1891م الذي حدّد امتياز الشركة الجديدة بتسع وتسعين سنة أي لغاية 1999م.
هذا وقد جرى افتتاح خط بيروت ـ دمشق في 3 آب عام 1852م، ومن المحطات التي كان يتوقف فيها :
· بيروت
· الحدث
· بعبدا
· الجمهور
· عاريا
· عاليه
· بحمدون
· صوفر
· رأس الجبل
· المريجات
· الجديدة
· المعلقة
· البقاع
· رياق
· الزبداني
· الفيجة
· دمّر
· دمشق
ونظراً لكثرة حركة التجارة والنقل بين بيروت والمناطق، فقد تبيّن بأن العربات والحوافل والسكك الحديدية، لم تعد تكفي، لذا أنشئ خط جديد للسكك الحديدية يربط بين بيروت والمعاملتين، ثم أنشئ خط طرابلس ـ حمص، ثم أنشئ الخط الإسلامي الشهير الخط الحديدي الحجازي الذي يربط الحجاز بكافة الأقطار الإسلامية ومنها بيروت، حيث استفاد الحجاج من هذا الخط ابتداء من عام 1908م و1909م، وكان الحجاج البيارتة يتجمعون قبل سفرهم عند محطة السكة في مرفأ بيروت، كما شهدت طريق بيروت صيدا وجود العربات التي تجرها الخيول، ثم استحدث فيما بعد خط للسكك الحديدية يربط بيروت بصيدا وصور فالناقورة ومن ثم فلسطين.
محطة عاليه
وكان ترامواي بيروت من أهم مميزات المدينة، وكان حدثاً بارزاً في مطلع القرن العشرين، وقد استمر عاملاً بين مناطق بيروت وضواحيها إلى عام 1964م. وكانت تتفرع خطوطه من داخل بيروت إلى المنارة عابراً باب إدريس فالجامعة الأميركية فرأس بيروت ثم يتوقف عند آخر خط المنارة. وهناك خط آخر يربط داخل بيروت بساحة رياض الصلح فالبسطة فالنويري، ثم يتوقف عند محطة الحرج قرب مدرسة بين الأطفال المقاصدية. وهناك خط آخر يربط داخل بيروت بالدورة والنهر حيث محطته ومبيته. وهناك خط رابع يربط بيروت بطريق الشام ففرن الشباك.
لقد استطاعت وسائل النقل الجديدة التي ربطت مناطق بيروت بعضها بالبعض الآخر، وربطت بيروت بالمناطق والمدن الأخرى، من أن تؤدي خامات اقتصادية وتجارية واجتماعية، وأدت إلى اختصار الوقت وتوفيره، وسهلت حركة السفر والتنقل، وأدت إلى حركة تنقل اجتماعية بين السكان، وأدت إلى تطوير مدينة بيروت تطويراً اقتصادياً وعمرانياً. وإذا أردنا الإشارة إلى رخص أجرة تنقل الترامواي فقد كانت تذكرة البريمو بخمسة قروش، أي ضعف تذكرة الطبقة الشعبيّة المتواضعة التي كانت لزبائن الدرجة الثانية ذات المقاعد الخشبيّة، والطبقة الوسطى، موظفين وأفنديّة، كانت من زبائن الدرجة الأولى (بريمو) ذات المقاعد المقششة.
التذكرة الشعبيّة كان ثمن تذكرتها قرشين ونصف القرش، وعندما رُفع الثمن إلى خمسة قروش، حصل إضراب وامتنع الناس فيه عن ركوب الترامواي، وأنشد المقربون مقطوعة من الشعر الشعبي المنثور نظمها الشاعر الشعبي المعروف عمر الزعنِّي منها قوله :
حالك حال يا ترامواي حفروا قبرك وأنت حيّ !
وكان هناك فريق ثالث من المواطنين يشتري حق الركوب لمدد طويلة بمقابل جواز (باس)، ويشترط في هؤلاء أن يكونوا إما من الموظفين في الدوائر العامة أو من فئة الطلاب، فلم يكن هذا الجواز مسموحاً به لغير هاتين الفئتين، على أن الشركة كانت تمنح بعض الجوازات المجانيّة الدائمة لنفر من أعيان البيروتيين وأهل الوجاهة، وذلك مراعاة لنفوذهم، وكان جواز هؤلاء المجاني في الدرجة الأولى صالحاً مدى الحياة منهم الشيخ بشارة الخوري، رياض الصلح، عمر بك الداعوق.
والحقيقة فإن هذه الحركة التي شهدتها بيروت من حيث تطور طرق مواصلاتها الداخلية والخارجية استتبعت مجيء بعض السيارات من الخارج، والتي بدأت تتكاثر منذ عام 1925م، علماً أن أول سيارة دخلت بيروت كانت في عام 1905م وهي تخص السيد ميشال سرسق.
لقد اعتمدت بيروت فترة طويلة من الزمن على الدواب بداعي التنقل والسفر والاتجار، واعتمدت فترة طويلة على الشموع والزيت والفوانيس لإنارة البيوت والدكاكين، ثم ما لبثت المدينة أن وثبت وثبة هامة، باعتمادها على السكك الحديدية وعلى الترامواي وعلى السيارات وعلى العربات التي تجرها الخيول والتي عرفت في عهد الإنتداب الفرنسي باسم (هيبة موبيل) وعربات التاك والدراجة الهوائية (البسكلاته) والموتوسيكل أو كما يسميها البعض (القفورة).
كما وثبت بيروت وثبة هامة باعتمادها على الكهرباء والغاز والكاز والمواد البترولية، وكان كل ذلك مدعاة لبدء حركة تقدم صناعية اجتماعية واقتصادية وعلمية.
|