مواجهة مخيفة في((منطقة الأعاصير))
أسرار المطاردة المرعبة للعواصف القمعية بالولايات المتحدة
في يونيو 2003، حقق فريق من الخبراء برعاية الجمعية الجغرافية الأميركية انجازاً علمياً غير مسبوق، حيث استطاع هذا الفريق المؤلف من عدد كبير من نخبة المصدرين وخبراء مطاردة الأعاصير زرع جهاز مدرّع بداخله كاميرات متطورة في قلب بلدة مانشستر بولاية ساوث داكوتا الأميركية في محاولة لقياس ما يجري داخل ذلك الشبح المرعب الذي دمر أجزاء كبيرة من البلدة عن بكرة أبيها.
وفي ليلة الـ 24 من يونيو العام الماضي، توقف خبير مطاردة الأعاصير الشهير تيم سماراس متشبثاً بمكانه أمام إعصار مخيف قطره 400 متر. وعندما أصبحت الدوامة العنيفة على مسافة 90 متراً منه، قفز من شاحنته الخفيفة وألقى بمسبار علمي على جانب الطريق ثم عاد مسرعاً إلى السيارة وصرخ بالسائق أن ينطلق بأقصى سرعة بعيداً عن مسار الإعصار.
وبعد قليل حدث ما هو مطلوب وعصف الإعصار بالمسبار بين طياته. ويقول سماراس: «أصبنا هدفنا بدقة، حتى أننا لم ننم تلك الليلة. كانت لحظة تاريخية لا تُنسى، فلقد تخطينا كل هوامش الخطر باقترابنا إلى هذا الحد الرهيب من الإعصار».
يعمل سماراس كمطارد أعاصير محترف، وهذا يعني أنه يمضي شهري مايو ويونيو متنقلاً بسرعة في أنحاء «زقاق الأعاصير» وهو رقعة أرض عريضة في وسط الولايات المتحدة بين جبال روكيز وميسيسيبي تكثر فيها الأعاصير.
ويتنقل سماراس في شاحنة من طراز دودج مجهزة بمستلزمات الحياة اليومية إضافة الى مختلف الأدوات العلمية بما في ذلك نظام تحديد المواقع الأرضية بالأقمار الصناعية (جي.بي.إس»، ماسحات وشاشات عرض متطورة، وصلة انترنت لاسلكية وأجهزة لتعقب الأعاصير بالأقمار الصناعية.
وتتمثل مهمته الرهيبة في مطاردة الأعاصير واعتراض سبيلها ليضع في طريقها مسباراً علمياً حديثاً يقوم بقياس الرطوبة، درجة الحرارة، الضغط، سرعة الرياح واتجاهها في قلب الدوامة القمعية. وبعد ذلك يندفع سماراس مبتعداً بأقصى سرعة عن المكان قبل أن يطاله الإعصار المدمر.
وفي الـ 24 من يونيو الماضي، حقق سماراس أهم إنجاز له إلى الآن، حيث قاس المسبار الذي ساعد في تصميمه أكبر انخفاض في الضغط ـ 100 ميليبار ـ يتم تسجيله في قلب إعصار.
ويقول اريك راسموسين، خبير الأرصاد الجوية في المعهد الوطني للعواصف الشديدة والذي يقع مقره في نورمان بولاية أوكلاهوما: «إنه قياس تاريخي دون أدنى شك، ويمكن تشبيه البيانات الناتجة عنه بمنجم ذهب».
ويقول سماراس: «لطالما كانت مولعاً بمطاردة العواصف منذ 15 عاماً، وهذه فرصة للجمع بين هوايتي وعملي المهني». ويعمل سماراس كمهندس كهربائي في شركة «أبلايد ريسيرش أسوشيتس» بمدينة دنيفر الأميركية حيث ساعد هناك في تصميم وصنع المسبار الذي يعرف باسم «السلحفاة» في أوساط خبراء الأرصاد الجوية.
يبلغ وزن الجهاز المخروطي القصير 20 كيلوغراماً وطول قطره 50 سنتيمتراً وارتفاعه ثمانية إنشات وهو مليء بأدوات القياس والحساسات الدقيقة، وقد تم تطويره بتمويل من وزارة التجارة الأميركية، في حين دعمت الجمعية الجغرافية الأميركية استخدامه ميدانياً بمنحة من لجنة الأبحاث والاستكشاف.
ويصعب عادة تحديد مواقع الاعاصير بدقة حتى باستخدام أحدث تجهيزات الارصاد الجوية وذلك لأنها أصغر من ان يلتقطها رادار خدمة الارصاد الوطنية «دوبلر» أو صور الأقمار الصناعية، ولذلك يبحث سماراس عادة عن نوع أخطر أنواع العواصف الرعدية يدعى «سوبرسيل» ويولد معظم الاعاصير القمعية.
وعواصف «سوبرسيل» عبارة عن تكتلات دوارة من السحاب ارتفاعها نحو 60 ألف قدم ويمكن ان تمتد في دائرة قطرها ميلان، وإذا لامس جزء من هذه الكتلة السحابية الدوّامة الأرض، فإن ذلك ينذر بولادة اعصار خلال فترة وجيزة.
وهكذا عندما يلاحظ مطاردو العواصف من أمثال سماراس ان الظروف مهيأة تماماً لتشكل عواصف «سوبرسيل» فهم يتحركون بسرعة إلى مسرح الأحداث لتعقب الأعاصير.
ويقول سماراس: «أهم ما في الأمر ان تتواجد في المكان الصحيح في الوقت الصحيح قبل
تطور العاصفة» مشيراً إلى انه قطع بشاحنته العام الماضي حوالي 40 ألف كيلومتر في
مطاردة العواصف.
وحالما يعثر سماراس على عاصفة آخذة بالتطور، يصبح اعتماده على حواسه أكبر من
اعتماده على التكنولوجيا ويبدأ بتفحص شكل كتلة السحب وحركتها بحثاً عن أية مؤشرات
تنذر بولادة اعصار وشيك، وعندما تقترب منه العاصفة، يقفز إلى شاحنته وينتقل إلى
زاوية أخرى ثم يناور محاولاً ان يتوقف في طريقها مباشرة ليزرع مسباره العلمي على
الطريق.
وتتطلب تلك المناورة سرعة خاطفة للهروب من وجه الاعصار قبل فوات الأوان ويستغرق منه وضع المسبار على جانب الطريق عادة حوالي عشر ثوان.
وتعلق الأوساط المتخصصة أهمية كبيرة على عمل سماراس حيث يقول راسموسين الذي يعمل منذ سنين على دراسة سلوك العواصف والأعاصير: «سبق ان شاهدنا تجارب ناجحة لقياس الضغط داخل اعصار، لكن سماراس هو أول رجل يقوم بقياس الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح واتجاهها في قلب الاعصار».
ويتكهن راسموسين بأن البيانات التي جمعها مسبار سماراس ستكون مفيدة في التنبؤ بشدّة ومدة لأعاصير المستقبل.