قال تعالى في سورة الواقعة : فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) يشير القرآن الكريم هنا إلى عظمة السر المودع في مواقع النجوم، التي هي مواضعها بالنسبة لبعضها البعض في السماء، ويشتمل ذلك البعد الشاسع بينها بالإضافة إلى تحركاتها المقدرة لها في أفلاكها، والعظمة إن كانت وصفاً من الله ـ سبحانه و تعالى كان تقديرها حق قدرها فوق مقدور البشر، لكن الله ـ سبحانه و تعالى ـ ينهنا إلى أن إدراك بعض جوانب وأسرار هذا القسم العظيم لا يتم إلا بإعمال العقل و تحصيل العلم .
والحديث عن مواقع النجوم يتطلب قياس مسافات . فنحن على الأرض نستخدم وحدات المتر والكيلومتر لقياس المسافات المتاحة لنا، وكان بعض القدماء يقدرون المسافات على أساس عدد الأيام اللازمة لقطع المسافات سيرا على الأقدام أو ركبا على الخيل أو الجمال . لكن الأمر يختلف عند قياس بعد النجوم من حيث وجد العلماء أن وحدة الكيلومتر التي تكون الوحدة هي " السنة الضوئية "أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة أرضية كاملة . ولما كانت سرعة الضوء معروفة وتساوي ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية ، وكانت أيام السنة معروفة وتساوي 365يوماً، واليوم يساوي 24 ساعة، و الساعة تساوي 60 دقيقة، فإن السنة الضوئية تساوي حاصل ضرب هذه الأعداد ويقدر بحوالي 9,5مليون مليون كيلومتر، أي أن السنة الضوئية في حقيقة الأمر وحدة طولية لقياس المسافات الشاسعة في الفضاء الكوني، فبدلاً من ان نقول: إن الشمس هي أقرب النجوم إلينا وتبعد عنا مسافة 15 مليون كيلومتر، وهذه المسافة يقطعها الضوء في 8 و ثلث دقيقة، فإنه يمكن القول بأن المسافة بيننا وبين الشمس تساوي 8 وثلث دقيقة ضوئية.
وعلى هذا الأساس يكون أقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو النجم الخافت الذي يسمى " ألفا قنطورس " ويبعد عنا مسافة 4، 4 سنة ضوئية، أي ما يعادل 42 مليون مليون كيلومتر تقريباً . وهذا يعني ان الناظر إلى النجم يرى الضوء الذي انبعث منه منذ 4، 4 سنة بعد قطع مسافة 42 مليون مليون كيلومتر تقريباً، أي أن النجم الذي ينظر إليه الآن هو بحالته التي كان عليها منذ 4، 4 سنة، فالحاضر هنا على الأرض يكون ماضياً هناك بسبب البعد الشاسع للنجوم، إنه يفوق الخيال ولكنه من الحقائق العلمية المسلم بها .
وإذا كان هذا شيئا يفوق الخيال بالنسبة لنجوم الأخرى التي تقدر ببلايين البلايين ولا ترى منها إلا النزر اليسير في صفحة السماء الصافية ، فعلى سبيل المثال، هناك نجم الشعرى اليمانية ، وهو أسطع النجوم التي نراها في السماء وليس أقربها، يقع على بعد 9 سنوات ضوئية، وعندما يمتد البصر ولا يرى شيئاً، فإنه يستعين بأجهزة التلسكوب المزودة بكاميرات التصوير الفوتوغرافية والإلكتروني، ويستطيع أن يستقبل الضوء غير المرئي المنبعث من مجرات تبعد عنا أكثر من بليون ( ألف مليون ) سنة ضوئية، ولقد ساهمت المراصد الفضائية حديثاً في اكتشاف نجوم ومجرات وأشباه نجوم قد حدث وتم فعلا منذ بلايين السنين ، وإن الله هو وحده هو العليم بحالها الآن فلم يكن الإنسان قد وجد بعد على الأرض عندما انطلق الضوء من هذه النجوم منذ عشرة بلايين سنة ضوئية .
ويزيد العقل دهشة عندما يعلم أن كل هذه النجوم تتحرك بسرعات هائلة لا ندركها نظر لبعدها الهائل عنا . فالشمس ـ على سبيل المثال ـ تجري بسرعة 19 كيلومتر في الثانية، وتدور حول نفسها مرة كل 27 يوماً في المتوسط، ويجري مع الشمس مجموعتها الشمسية بسرعة فائقة تبلغ 220 كيلومتر في الثانية منتمية لمجرتنا المعروفة باسم " الطريق اللبني " أو " درب التبانية " ، وهذه المجرة تدور حول المجرة نفسها مرة كل 250 مليون سنة . وكل النجوم الأخرى تدور حول نفسها وحول المجرة التي تنتمي إليها ، وتتباعد المجرات عن بعضها في فضاء الكون السحيق . ولا يزال العلم عاجزاً عن كشف الكثير من أسرار هذا الكون الذي اقسم الخالق الواحد بمواقع النجوم فيه .. (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) .