أبو الفرج الأصفهاني
ولد عام 897م، ومات عام 967م يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار ما لم يرقط مثله
هو ابو الفرج علي بن الحسين ابو الفرج الاصفهاني، وينتهي نسبه الى مروان بن محمد آخر خلفاء الامويين، ولد في مدينة اصبهان او اصفهان عام 284ه 897 (ميلادية) في خلافة المعتضد بالله ابي العباس احمد بن الموفق وهي السنة التي مات فيها ابو عبادة البحتري الشاعر المعروف.
أصبهان او أصفهان
واصبهان مدينة تقع في العراق العجمي وهي على نهر «رندروز» من جهة الشمال على بعد مائتين وعشرة أميال من طهران جنوباً، وكان اهلها عموماً متعلمين، وكان كل واحد منهم تقريباً يحسن الكتابة، بل ان اصحاب الدكاكين والصناع كانوا يحسنون نظم الشعر.
وقال ابن بطوطة في وصفهم انهم حسان الصورة ألوانهم بيض زاهرة مشوبة بحمرة، والغالب عليهم الشجاعة والنخوة وفيهم كرم وتنافس عظيم في الاطعمة والضيافة، وتؤثر عنهم في ذلك اخبار غريبة. وقال القزويني انهم اهل حذق في العلوم والصناعة. اما ياقوت فوصفهم بشدة البخل والفسق. وهجا بعض الشعراء اصبهان فقال:
لعن الله اصبهان بلاداً
ورماها بالسيل والطاعون
بعت في الصيف قبة الخيش فيها
ورهنت الكانون في كانون
والظاهر ان الحالة الاجتماعية في المدينة كانت تتغير تبعاً للظروف والاحوال.
لم تدم حياة ابي الفرج في اصبهان طويلاً اذ ما لبث ان رحل منها الى بغداد، وروى عن علماء كثيرين يطول تعدادهم، وسمع من جماعة لا يحصون ومنهم ابن دريد امام عصره في اللغة والأدب والشعر، والفضل بن الحباب الجمحي الراوية، والاخفش العالم النحوي الكبير، وابن الانباري، والطبري، ومحمد بن خلف بن المرزبان، وجعفر بن قدامة احد مشايخ الكتاب وعلمائهم.
وقال عنه ابن خلكان: «كان من اعيان ادبائها (بغداد) وأفراد مصنفيها، روى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم، وكان عالماً بأيام الناس والانساب والسير«.
وقال التنوخي: «ومن المتشيعين الذين شاهدناهم ابو الفرج الاصبهاني، وكان يحفظ من الشعر والاغاني والاخبار والآثار والاحاديث المسندة والنسب ما لم ارقط من يحفظه مثله، ويحفظ دون ذلك من علوم أخر منها اللغة والنحو والخرافات والمغازي والسير، ومن آلة المنادمة شيئاً كثيراً، مثل علم الجوارح والبيطرة ونتف من الطب والنجوم والاشربة وغير ذلك، وله شعر يجمع اتقان العلماء واحسان ظرفاء الشعراء«.
وقال ياقوت في معجم الادباء: «العلامة النسابة الاخباري الحفظة، الجامع بين سعة الرواية والحذق في الدراسة، لا اعلم لأحد احسن من تصانيفه في فنها وحسن استيعاب ما يتصدى لجمعه، وكان مع ذلك شاعراً مجيداً«.
وقال ابن النديم في كتاب الفهرست «كان شاعراً مصنفاً ادبياً، وله رواية يسيرة، واكثر تعويله كان في تصنيفه على الكتب المنسوبة الخطوط او غيرها من الاصول الجياد«.
أصغر علومه
يبدو ان ابا الفرج الاصفهاني كان متأثراً الى حد بعيد باسحاق الموصلي فهو يقول: «ان موضعه في العلم، ومكانه في الادب، ومحله من الرواية، وتقدمه في الشعر، ومنزلته في سائر المحاسن.. اشهر من ان يدل عليه فيها وصف. اما الغناء فكان اصغر علومه، وأدنى ما يوسم به، وان كان الغالب عليه، وعلى ما كان يحسنه: فإنه كان له في سائر ادواته نظراء وأكفاء، ولم يكن له في هذا نظير، فإنه لحق بمن مضى فيه وسبق من بقي، والحب للناس طريقة فأوضحها، وسهل عليهم سبيله وانارها، فهو امام اهل صناعته جميعاً، ورأسهم ومعلمهم. يعرف ذلك من الخاص ومن العام. ويشهد به الموافق والمفارق وهو الذي صحح اجناس الغناء وطرائقه، وميزه تميزا لم يقدر عليه احد قبله ولا تعلق به احد بعده«.
ولذلك جرى الاصفهاني في تجنيسه للأغاني على مذهب اسحاق الموصلي ويحيل ما كان منها على مذهب غير اسحاق الى مذهبه.
كما تأثر ابو الفرج الاصفهاني كذلك بابن المعتز الخليفة الشاعر، اذ كانت له آراء جريئة في الفن الشعري والغناء فنقل عن آراء طريفة، واخبارا طيبة وروى احكامه النقدية في الغناء والمغنين وعلق على بعض اقواله بقوله: «هذا كلام العقلاء وذوي الفضل في مثله، لا كلام الثقلاء وذوي الجهالة«.
وتأثر الاصفهاني كذلك بشخصية «جحظة البرمكي» - وهو احمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك - وكان حسن الادب كثير الرواية للاخبار، متصرفاً في فنون جمة عارفاً من العلوم بصناعة النجوم، حافظاً لاطراف من النحو واللغة، مليح الشعر، مقبول الالفاظ، حاضر النكتة، واما صناعة فن الغناء فلم يلحقه فيها احد. وقد جلس اليه الاصفهاني مجلس الطالب من الشيخ، ولم يفارقه الا بعد ان انتقل جحظة الى جوار ربه، وكان الاصفهاني في ذلك الوقت في الاربعين من عمره.
وظهر اثر تلك التلميذة في كتاب الاغاني فهو يقول: «سألت أحمد بن جعفر جحظة عن نسبه قلت له: ان الناس يقولون ابن امية ابن امية فقال: هو محمد بن امية بن ابي امية قال: وكان محمد...» وهو يقول في موضع آخر: «حدثني جحظة وجعفر بن قدامة، وخبر جعفر اتم، الا اني قرأته على «جحظة» فعرفه وذكر لي انه سمعه«.
واتصل ابو الفرج الاصفهاني بالوزير المهلبي وزير معز الدولة البويهي. ويقول الثعالبي في «يتيمة الدهر» ان ابا الفرج كان منقطعاً الى المهلبي الوزير كثير المدح مختصاً به«.
وكان المهلبي يختاره في كل شيء مفرح وكانت صحبته له قبل الوزارة وبعدها، وظل هكذا الى ان فرق بينهما الموت. ومات المهلبي مغضوباً عليه من معز الدولة عام 352 هجرياً ولعل هذا هو السبب الذي منع ابا الفرج الاصفهاني عن رثائه.
كتاب مدفوع
وكان المهلبي من الادباء الذي يقولون الشعر ويكتبون النثر، ونعتقد انه الشخصية التي الف لها ابو الفرج الاصفهاني كتاب «الأغاني» إلا أن الأصفهاني صرح في كتابه عن الباعث الذي رفعه الى التأليف فقال: «والذي بعثني الى تأليفه ان رئيساً من رؤسائنا كلفني جمعه، وعرفني انه بلغه ان الكتاب المنسوب الى اسحاق مدفوع ان يكون من تأليفه، وهو مع ذلك قليل الفائدة وانه شاك في نسبته لأن اكثر اصحاب اسحاق ينكرونه، ولانه ابنه حماداً اعظم الناس انكاراً لذلك ولعمري صدق فيما ذكره واصاب فيما انكره. وكان ابو الفرج الاصفهاني شيعياً، اذ كان من الشيعة الزيدية، وقال صاحب كتاب «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» انه قال متغزلاً:
انت - يا ذا الخال في الوجنة - مما بي خالي
لا تبالي بي ولا تخطرني منك ببال
لا ولا تفكر في حالي وقد تعرف حالي!
انا في الناس امامي وفي حبك غالي!
فهو يتشيع في الابيات الى الأمويين، ولعل هذا يرجع الى انه كان من سلالة الامويين وورث التشيع عن اسرة امه، وكانت من الرافضة او الزيدية، كما ان الفترة التي قضاها ابو الفرج في الكوفة زادت في شعوره نحو الشيعة والتحمس لهم. وظهر اثر هذا التشيع واضحاً في كتاب «مقاتل الطالبية«.
من صفاته
يروي عن خلقه انه كان اكولاً نهما، وكان اذا ثقل الطعام في معدته تناول خمسة دراهم فلفلا مدقوقاً، ولا تؤذيه ولا تدمع عيناه، وهو مع ذلك لا يستطيع ان يأكل حمصة واحدة، او يأتدم بمرق قدر فيها حمص، واذا اكل شيئاً يسيراً من ذلك ظهر أثر ذلك على بشرته وتفشى في جلده، وبعد ساعة او ساعتين يفصد، وربما فصد لذلك دفعتين.
ويروي الرواة عن ابي الفرج الاصفهاني شيئاً غريباً، وهو شغفه بالغلمان والمامه بأديرة النصارى لهذا الغرض، ولا تفيدنا هذه الظاهرة في قليل او كثير في ميدان الترجمة لابي الفرج، بيد انها تلقي لنا اضواء على البيئة الاجتماعية التي عاش فيها ابو الفرج. ولا شك ان اثر هذه البيئة ظهر واضحاً جلياً في مروياته الماجنة في بعض الاحيان. ولذلك حفل كتاب «الاغاني» بمثل هذه الاخبار التي سقطت في بعض الطبعات. كما روى «الاصفهاني» اخبار القيان والمغنيات، ووضح دور «عريب» وجواريها، وبذل الكبرى ومن اخذ عنها، وجواري البرامكة وآل يحيى بن معاذ، ودور آل الربيع ومن لف لفهم ممن تمسك بالغناء القديم. وصور مجالس الشراب واقداح الراح وكؤوس الخمر تصويراً واقعياً صحيحاً. زد على ذلك ان الاصفهاني نفسه كان نديماً. وهل يستطيع ابو الفرج ان يقص الشراب الا اخبار الكاس والطاس وما اليهما؟
ويقول ابو الفرج في ابيات له يصور تلك الحياة العابثة الماجنة التي كان يحياها في بعض الاحيان:
وبكر شربناها على الورد بكرة
فكانت لنا ورداً الى صحوة الغد
اذا قام مبيض اللباس يديرها
توهمته يسعى بكم مورد
وكان يضيق بشهر الصيام، فإذا جاء رمضان تمنى ان ينجلي عنه، واذا ادبر رمضان ازداد سروره وعظمت نشوته:
وقد جاء شوال، فشالت نعامة ال
صيام، وابدلنا النعيم من الضر
وضجت حبيسة الدن من طول حبسها
ولامت على طول التجنب والهجر
مؤلفاته وشعره
وللأصفهاني مجموعة كبيرة من المؤلفات نذكر منها كتاب «الاغاني» وكتاب «مجرد الاغاني»، وكتاب «التعديل والانتصاف في اخبار القبائل وانسابها»، وكتاب «مقاتل الطالبيين»، وكتاب «اخبار القيان»، وكتاب «الاماء الشواعر»، وكتاب «المماليك الشعراء»، ووكتاب «ادب السماع»، وكتاب «اخبار الطفيليين»، وكتاب «مجموع الاخبار والآثار»، وكتاب «الخمارين والخمارات»، وكتاب «الفرق والمعيار في الاوغاد والاحرار»، وهي رسالة كتبها في هارون بن المنجم، وكتاب «دعوة النجار»، وكتاب «جمهرة النسب»، وكتاب «نسب بني تغلب»، وكتاب «الغلمان المغنيين»، وغيرها...
وله فضلاً عن ذلك مؤلفات اخرى كان يرسلها الى المسؤولين على بلاد المغرب من بني امية، فكانوا يحسنون جائزته، ولم يعد منها الى الشرق الا القليل.
وللأصفهاني طائفة من الاشعار، وشعره جيد الا انه في الهجاء اجود، وان كان في غيره متأخر. وكان الناس في ذلك العهد يحذرون لسانه، ويتقون هجاءه، ويصبرون في مجالسته ومعاشرته ومؤاكلته ومشاربته على كل صعب من امره، لأنه كان حاد الطبع غليظ القول: زد على ذلك ان لم يكن يهتم بمظهره او يعتني بملبسه، ولم يكن يخلع ملابسه الا بعد ان تتمزق ويبليها الزمن، ولم يكن يغسلها الا قليلاً!
الا ان كتاب «الاغاني» يعد اهم الاعمال الادبية التي قام بها ابو الفرج.
ورتب ابو الفرج كتاب الاغاني، وعلى ذكر مائة صوت مختارة من اغاني الاقدمين، كان طلبها هارون الرشيد من المغنين في عصره، فاختاروها له، وجمعها اسحق بن ابراهيم الموصلي في كتاب له، فهي مذكورة في هذا الكتاب على هذا المذهب، وقيل ان البعض نسب الى اسحاق الموصلي بعض اغان ليست في كتابه ولا على مذهبه في الحقيقة، فوقع في ذلك شكوك، فطلب الى ابي الفرج بعض اصدقائه ان يضع كتاباً في مائة صوت مختارة، فوضع هذا الكتاب، وذكر معها، بطريق المناسبة، اغاني أخر ليست من هذه الاصوات المائة مع ذكر اللحن وكيفية الغناء به.
وفي هذا الكتاب ترجمة الاعلام الذين جرت على يدهم أو لديهم او من شعرهم هذه الاغاني: من ملوك ووزراء ومغنين وشعراء وغير ذلك - حسب اقتضاء المقام - فكان لهذا جامعاً لأكثر مشاهير الجاهلية والإسلام، كما كان اذا قال مثلاً «صوت» يذكر بعده الشعر الذي غنى فيه هذا الصوت والذي غناه، والذي ينسب اليه، والذي قال الشعر، ثم يذكر ترجمة كل واحد في محله حسب السياق الذي تقتضيه الحال.
وقيل ان هذا الكتاب جمع في خمسين عاماً. وقد اتفق المؤرخون والرواة على انه لم يكتب مثله في بابه، ولما انتهى ابو الفرج من تأليفه حمله الى سيف الدولة بن حمدان، فأعطاه الف دينار واعتذر اليه، وروي عن الصاحب بن عباد انه كان يستصحب في اسفاره حمل ثلاثين جملاً من كتب الادب ليطالعها، فلما وصل اليه هذا الكتاب اكتفى به، فلم يستصحب غيره بعد ذلك. وقد طبع في بولاق بمصر سنة 1285 هجرياً (1868م) في عشرين جزءاً تشتمل على 36684 صفحة من قطع الثمن.
وعثروا على الجزء الحادي والعشرين في بعض المكتبات الاوروبية، فاعادوا طبعه في واحد وعشرين جزءاً، وطبعه «برونو» سنة 1888م، فصار الكتاب واحداً وعشرين جزءاً. ووضع له الاستاذ «جويدي» المستشرق الايطالي فهرساً ابجدياً وطولاً عام 1895،واعيد طبع واحد وعشرين جزءاً من الاغاني عام 1322هجريا (1904م) مع فهرس ابجدي مبني على فهرس «جويدي» ولخص كتاب الاغاني جمال الدين الحموي المتوفي سنة 697 هجرياً في كتاب منه نسخة خطية في المتحف البريطاني، وجرده الاب «انطون صالحاني» من الاسانيد والاغاني، وابقي الروايات على حدة في كتاب اسماه «روايات الاغاني» وهو جزءان: الأول في الروايات الادبية، والثاني في الروايات التاريخية، وطبع في بيروت في المدة الواقعة بين عام 1888م، 1908م.
مختارات الاغاني
وصدرت في بيروت منذ سنوات «قطوف الاغاني» وهي مختارات من الاغاني. وقال الوزير ابو القاسم الحسن بن الحسن المغربي في مقدمة ما انتخبه من كتاب الاغاني «وقدمه الى سيف الدولة بن حمدان فاعطاه الف دينار، وبلغ ذلك الصاحب ابن عباد فقال: «لقد قصر سيف الدولة، وانه يستاهل اضعافها» ووصف الكتاب فأطنب، ثم قال: «ولقد اشتملت خزانتي على مائتين وستة آلاف مجلد ما فيها ما هو سميري غيره، ولا راقني منه سواه». وقال ابو القاسم عبدالعزيز ابن يوسف، كاتب عضد الدولة: «لم يكن كتاب الاغاني يفارق عضد الدولة في سفره ولا حضره، وانه كان جليسه الذي يأنس اليه، وخدينه الذي يرتاح نحوه». الا ان بعض القادرون في كتاب الاغاني بعض الخلل، ولعل هذا يرجع الى طوله وفي ذلك يقول ياقوت الحموي في معجمه: «وقد تأملت هذا الكتاب، وعنيت به، وطالعته مراراً، وكتبت منه نسخة بخطي في عشرة مجلدات، ونقلت منه الى كتاب الموسوم «بأخبار الشعراء» فأكثرت وجمعت تراجمه فوجدت يعد بشيء ولا يفي به في غير موضع منه، كقوله في اخبار ابي العتاهية: «وقد طالت اخباره هنا وسنذكره خبره مع عتب في موضع آخر.. ولم يفعل، وقال في موضوع آخر: اخبار ابي نواس مع جنان اذا كانت سائر اخباره تقدمت.. ولم يتقدم شيء الى اشباه ذلك والاصوات المائة تسعة وتسعون، وما اظن الا ان الكتاب قد سقط منه شيء او يكون النسيان غلب عليه والله اعلم«.
ووجدت في الادب العربي كتب مختلفة باسم «الاغاني» غير كتاب الاصبهاني، ومنها كتاب «تجريد الاغاني لابن واصل الحموي»، وكتاب اغاني اسحاق التي غنى بها، وكتاب الاغاني لحسن بن موسى النصيبي وهو مرتب على حروف المعجم وألفه صاحبه للخليفة المتوكل وضمنه اشياء من الاغاني لم يذكرها اسحق الموصلي ولا عمرو بن بانة وذكر من اسماء المغنين والمغنيات في الجاهلية والإسلام كل طريف وغريب.
وجرى الاصبهاني في تقسيم كتابه على نحو من سبقه من المؤلفين فأساس ترتيبه ليس الزمن وليست الاسماء مرتبة ترتيباً ابجدياً، ولا الموضوعات مفهرسة موضوعية، وانما اساس ترتيبه الاصوات. وفي هذا يقول: «ولعل من يتصفح ذلك ينكر تركنا تصنيفه ابواباً على طرائق الغناء، او على طبقات المغنين في ازمانهم ومراتبهم او على ما غنى به من شعر شاعر. والمانع من ذلك والباعث على ما نحوناه علل منها انا لما جعلنا ابتداءه الاصوات المختارة، كان شعراؤها من المهاجرين والانصار واولهم ابو قطيفة، وليس من الشعراء المعدودين ولا من الفحول، ثم عمر بن ابي ربيعة، ثم نصيب. فلما جرى اول الكتاب هذا المجرى ولم يكن ترتيب الشعراء فيه: الحق آخره بأوله وجعل على نسب ما حضر ذكره، وكذلك سائر المائة صوت المختارة، فإنها جارية على غير ترتيب الشعراء والمغنين. وليس المغزى من الكتاب ترتيب الطبقات، وانما المغزى فيه ما ضمنه من ذكر الاغاني بأخبارها وليس هذا مما يضر بها«..
وأدت هذه الطريقة الى تجزئة حياة كثير من الشعراء واهل الفن، بل انه ترجم لبعضهم في اكثر من موضع مما دعا الى التكرار والاستطراد الذي لا ضرورة له. زد على ذلك انه كان يروي القصة كما وصلت اليه، والخبر كما وقع عليه، ليس يعنيه صدق او كذب بقدر ما يعنيه هذه الرواية. وتوفي ابو الفرج الاصفهاني في الرابع عشر من ذي الحجة سنة 356 ه الموافق 21 نوفمبر عام 967 في بغداد. ومات في هذه السنة عالمان كبيران وثلاثة ملوك كبار، فالعالمان: ابو الفرج وابو علي القالي، والملوك: سيف الدولة الحمداني، ومعز الدولة بن بويه، وكافور الاخشيدي.
واختلف في تاريخ الوفاة الا ان هذه السنة هي الراجحة في كتب المؤرخين.