أمرىء القيس
هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو كندة. شاعر جاهلي يعد أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يماني الأصل، مولده بنجد. كان أبوه ملك أسد وغطفان، ويروى أن أمّه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين. وليس في شعره ما يثبت ذلك، بل إنه يذكر أن خاله يدعى ابن كبشة حيث يقول:
خالي ابنُ كبشة قد علمتَ مكانه - وأبو يزيدَ ورهطُهُ
أعمامي
قال
الشعر وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ
ذلك
أباه،
فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى حضرموت موطن أبيه
وعشيرته، وهو في نحو
العشرين من عمره. أقام زهاء خمس سنين، ثم جعل يتنقل مع أصحابه
في أحياء العرب، يشرب
ويطرب
ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك
وهو جالس للشراب
فقال:
رحم الله أبي! ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، لا صحو اليوم
ولا سكر غداً،
اليوم
خمر وغداً أمر. وذهب إلى المنذر ملك العراق، وطاف قبائل العرب
حتى انتهى إلى
السموأل، فأجاره ومكث عنده مدة، ثم قصد الحارث بن شمر الغساني
في الشام، فسيره
الحارث إلى القسطنطينية للقاء قيصر الروم يوستينياس، ولما كان
بأنقرة ظهرت في جسمه
قروح
فأقام فيها إلى أن مات.
وليس يعرف تاريخ
ولادة امرئ القيس ولا تاريخ
وفاته، ويصعب الوصول إلى تحديد تواريخ دقيقة مما بلغنا من مصادر. وتذهب
بعض
الدراسات الحديثة إلى أن امرأ القيس توفي بين عام 530م. وعام 540م.
وأخرى إلى أنّ
وفاته كانت حوالي عام 550م. وغيرها تحدّد عام 565م. إلاّ أن هناك بعض
الأحداث
الثابتة تاريخياً ويمكن أن تساعد على تحديد الفترة التي عاش فيها.
يقول
ابن
قتيبة
إن قبَّاذ ملك الفرس ملَّك الحارث بن عمرو جدّ امرئ القيس على
العرب. ويقول
أهل
اليمن إن تبّعاً الأخير ملَّكه وكان الحارث ابن أخته، فلما هلك
قبَّاذ خلفه
ابنه
أنو شروان فملَّك الحيرة المنذر بن ماء السماء. ولا يبدو من
تناقض بين ما يراه
ابن
قتيبة وما يرويه عن أهل اليمن فليس بمستبعد أن تبّعاً هو من
ولَّى الحارث ملكاً
في
الشمال. وكندة تعود إلى أصول يمنية، وذلك لا يمنع من أن يكون
قبَّاذ قوَّى ملك
الحارث وبسط نفوذه على مناطق لم تكن خاضعة له من قبل. وهذا ما
يذهب إليه الأصبهاني
ناقلاً عن كثير من الروايات المتفقة على أن قبَّاذ طرد المنذر
من الحيرة لأنه رفض
الدخول معه في الدعوة التي قام بها مزدك في عهده والتي يدعو
فيها إلى إباحة الحرم،
على
حدّ تعبير الأصبهاني، وشدَّد ملك الحارث الذي أخذ بالمزدكية
عقيدة، ويبدو أنه
ملَّك
الحارث على الحيرة مكان المنذر. ويرجّح أن الحارث أخذ
بالمزدكية لبسط نفوذه
ونفوذ
قومه على شبه الجزيرة حتى أصبح بإمكانه أن يولّي أبناءه الملك
على مناطق
شاسعة. ولما مات قبَّاذ أخذ الحكم ابنه أنو شروان وذلك عام 531م. وكان
على خلاف مع
أبيه في شأن مزدك وتعاليمه، فأعاد المنذر إلى الحيرة، وقاتل الحارث
الذي هرب إلى
أرض كليب ونجا. ولا يعرف تاريخ وفاة الحارث، وتختلف الروايات عن كيفية
موته: فكلب
يزعمون أنهم قتلوه، وكندة تزعم أنه مات خلال رحلة صيد، وآخرون يقولون
إنه مكث في
بني كلب حتى مات حتف أنفه. ويستنتج ممّا تقدم أن حجراً كان ملكاً على
أسد قبل عام
531م.
حين كان أبوه ما يزال في أوج سلطته. ولا خلاف على مولد امرئ
القيس ببلاد أسد
أي
أنه ولد قبل عام 531م. وأي تاريخ محدَّد يوضع لولادته ليس أكثر
من مجرَّد
تخمين.
وكذلك
الأمر بالنسبة لتاريخ وفاته الذي يمكن أن يرجّح من خلال
استقراء الأحداث التاريخية المدوَّنة كما وصلتنا. فقد ثارت بنو
أسد وقتلت حجراً
أباه،
ولا يعرف لهذا الحدث تاريخ، إلاّ أن معظم الروايات التي يوردها
الأصبهاني
تتفق
على أن امرأ القيس كان شاباً عند مقتل أبيه. ويروي أبو عمرو
الشيباني (م206هـ)
أن
امرأ القيس قاتل مع أبيه ضد بني أسد حين انهزمت كندة، وفرَّ
على فرس له شقراء
بينما
يروي ابن السكيت (م245هـ) أنه كان في مجلس شراب يلعب النرد حين
أتاه نعي أبيه
ووصيته بالثأر. غير أن الهيثم بن عدي (م 206هـ) يذكر أن امرأ
القيس لما قتل أبوه
كان غلاماً قد ترعرع. ولكن هذه الباحثة لا تطمئن إلى صحة هذه الرواية
لأن امرأ
القيس قال معظم شعره اللاهي، بما في ذلك مطوَّلته، "قفا نبكِ" قبل مقتل
أبيه، وليس
ذلك بشعر غلام، بل شعر رجل ناضج. كما أن هذه الرواية لا تؤيِّدها
الروايات الأخرى
عن
مقتل حجر التي تجعل من الشاعر إما مقاتلاً في جيش أبيه وإما
لاهياً يقول: "ضيّعني
صغيراً وحمَّلني دمه كبيراً" حسب رواية ابن الكلبي (م204هـ).
كما أنها تنفي
روايات سعيه للثأر لأبيه، المتفق عليها، فكيف يسعى غلامٌ ذلك
المسعى
الكبير.
وأما
الحدث الذي يسهم، دون غيره، في تحديد الفترة التي توفي فيها
امرؤ
القيس، فهو ذهابه إلى القسطنطينية ولقاؤه قيصر الذي توجّه إليه
لطلب المعونة
في
استرداد ملك أبيه، مستغلاً العداوة التاريخية بين الروم والفرس
وصراعه مع المنذر
بن
ماء السماء الذي أعاده أنو شروان إلى الحيرة طارداً منها جدّه
الحارث. وقد كانت
بين
امرئ القيس وبين المنذر حروب طويلة. وكان إمبراطور بيزنطية
حينذاك يوستنيانوس،
وهو
آخر أعظم أباطرة بيزنطية، وقد حكم من عام 527م. إلى 565م.،
وخاض حروباً امتدت
طوال
حياته ضد أنو شروان، وكانت أنطاكية والمناطق المحيطة بها
مسرحاً لتلك الحروب.
وقد
تم توقيع أول معاهدة سلم بينهما عام 532م.، وسُمِّيت "معاهدة
السلام الأبدي".
غير
أن الحرب عادت إلى الاشتعال وسقطت أنطاكية بيد الفرس عام 540م.
وبقيت بأيديهم
حتى
عام 545م. حين وقَّعت بينهما اتفاقية هدنة. وتجدَّدت الحرب عام
551م، واتفق
مجدَّداً على هدنة عام 557م، ولم تعد أنطاكية إلى بيزنطية إلاّ
عام 561م. حين اتفق
يوستنيانوس وأنو شروان على هدنة لمدّة خمسين سنة بشرط أن تدفع
بيزنطية الجزية
لفارس.
ولعلَّه يصحّ الاستنتاج ممَّا تقدّم أن امرأ القيس لم يذهب إلى
القسطنطينية إلا بعد عام 561م، بعد انتهاء تلك الحروب وبعد
عودة أنطاكية إلى الروم،
لأن
طريق رحلته إلى القسطنطينية تمرّ في تلك المناطق التي لن
يجتازها وهي بأيدي
أعدائه من الفرس وأنصارهم من العرب. وقد وفَّر امرؤ القيس نفسه دليلاً
على الطريق
التي سلكها في تلك الرحلة في قصيدته "سما لك شوق بعدما كان أقصرا"،
وفيها يذكر بلاد
الشام التي مرَّ بقراها ومدنها كحوران وبعلبك وحماه وخملى، ومنها إلى
أراضي
الإمبراطورية الرومانية الشرقية. ومن هنا تميل هذه الباحثة إلى
تحديد تاريخ وفاة
امرئ
القيس، التي تجمع الروايات أنها حدثت في طريق عودته من
القسطنطينية، بين عام
563م.
و 564م. وقبل عام 565م، تاريخ وفاة يوستنيانوس.
ويذهب
الرواة إلى أن
قيصر
بعث إليه في طريق عودته بحلّة مسمومة تقرّح جلده حين لبسها
ومات، بعد أن كان
قد
أحسن وفادته زوَّده بجيش لمساعدته في استرداد ملك أبيه، وإن
اختلفوا في الأسباب
التي
قادته إلى قتله. ورواية الحلّة المسمومة ظاهرة التهافت وكذلك
قصة قتله
والوشاية به، وليس في شعره ما يوحي بذلك. ويبدو أن امرأ القيس مات بمرض
جلديّ يذكره
في شعره، وقد عانى منه في السابق وإن لم يكن بالحدّة نفسها، وهو افتراض
يدعمه بيت
شعر قاله:
تأوَّبني دائي القديمُ فغلّسا - أُحاذِرُ أن يرتدَّ دائي
فأُنْكَسا
عاش امرؤ القيس حياة غنيّة بالتجربة بين قطبي اللهو الحرب. وكان في عزّة ورخاء عيش حين كان أبوه ملكاً، يلهو ويشرب ويذهب إلى الصيد ويقول الشعر، إلى أن طرده أبوه فكان يسير في أحياء العرب مع شذّاذهم مواصلاً حياة اللهو والشرب والأكل والغناء. وبعد مقتل أبيه حرَّم على نفسه الخمر والنساء حتى يأخذ بثأره، وواصل السعي لاسترداد الملك المفقود. وسيرة امرئ القيس تكشف جوانب تاريخية مهمّة من تاريخ القبائل العربية في تلك الحقبة، من اليمن إلى أواسط شبه الجزيرة وشمالها، وتتضمّن صورة من صور الصراع المحتدم بين الروم والفرس وعملائهم من الغساسنة واللّخميين. وكان امرؤ القيس قد طاف في طول شبه الجزيرة وعرضها باحثاً عن أنصار لدعمه في سعيه للثأر لأبيه واسترداد ملكه أو هارباً من أعدائه. لقد استنصر أولاً بكراً وتغلب فنصروه وقاتلوا معه بني أسد حتى كثرت فيهم الجرحى والقتلى وهربوا، ولكنهم رفضوا أن يلحقوا ببني أسد حين أراد امرؤ القيس أن يتبعهم بحجة أنه قد أصاب ثأره. فذهب إلى اليمن واستنصر أزد شنوءة فأبوا أن ينصروه. فلحق بحمير فساعدته، واستأجر من قبائل العرب رجالاً وسار بهم إلى بني أسد، والتقاه المنذر ومعه جيوش من إياد وبهراء وتنوخ مع جيش من الأساورة أمدّه به أنو شروان. فتفرَّقت حمير وهرب هو وجماعنه، فنزل في رجل من بني حنظلة ولبث عنده حتى بعث المنذر إلى الرجل مائة من أصحابه يوعده بالحرب إن لم يسلِّم امرأ القيس وجماعته، ونجا امرؤ القيس وابنته هند ويزيد بن معاوية بن الحارث ابن عمه، والتجأ عند سعد بن الضباب الإيادي، ثم نزل في بني نبهان من طيء، وبعدها انتقل إلى رجل من بني ثعل من طيء استجار به فوقعت بين الثعلي وبعض أعداء امرئ القيس حرب فخرج من عندهم ونزل برجل من بني فزارة قيل إنه هو من نصحه بالذهاب إلى قيصر، وأرسله إلى السموأل بتيماء فاستودعه دروعه وماله وابنته وبقي معها ابن عمه. وبعث به السموأل إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني بالشام الذي أوصله إلى قيصر. والحارث، وهو الذي ملَّكه الإمبراطور البيزنطي على الشام ليقاتل أعداء الإمبراطورية وبالأخص أنصار الفرس من العرب وعلى رأسهم اللخميين ممثلين بالمنذر بن ماء السماء، عدو امرئ القيس، ليس من المستغرب أن يساعد عدوّ عدوّه على الوصول إلى غايته ليشتد في قتال ذلك العدو. ولا مجال لإثبات ما إذا كان قيصر قد دعمه بجيش كما قال الرواة العرب، وليس بمستبعد أن لا يفعل ذلك خصوصاً إذا قبلنا الافتراض بأن امرأ القيس توجَّه إليه بعد توقيع هدنة الخمسين سنة مع أنو شروان، بعد استرداد أنطاكية.
إن ما
يبرز ممّا ذكرنا من أحداث هو أن هذه الفترة من تاريخ
العرب
كانت فترة صراع داخلي بين القبائل العربية المشتَّتة الولاء
بين الروم
والفرس، القوَّتين العظميين في ذلك الزمان، وقطبي الصراع
السياسي العنيف في ذلك
التاريخ، وكانت تلك المرحلة مرحلة انحسار سياسي واقتصادي
واجتماعي في تاريخ شبه
الجزيرة العربية، فاليمن سقط سنة 525م. تحت الاحتلال الحبشي،
وسقطت بذلك مملكة كندة
التي
استمدَّت كيانها وقوّتها من اليمن، وتناثرت القبائل التي اتحدت
تحت لوائها بعد
أن
كانت ? على حدّ قول برنارد لويس- بما حقَّقته من مكانة
وانتصارات وتوسّع، أعظم
اتحاد
قبل الإسلام، بين قبائل الشمال والوسط، وصلت إلى ذروة نضجها في
القرن السادس
الميلادي، ولها تدين اللغة العربية الموحَّدة ويدين التراث
الشعري الموحَّد،
بنشأتهما وتطوّرهما. وقد أخفقت محاولة امرئ القيس في تجميع شتات تلك
القبائل وإعادة
بناء المملكة، وكانت محاولة فردية جاءت في وقت عمَّ فيه الانحلال
والفوضى
والانهيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وظلَّ الانحدار
مستمراً، ولكنه كان
ينطوي على بذور نهضة كبيرة فتَّقتها الدعوة الإسلامية ففجَّرت انبعاثاً
حضارياً
أصيلاً حقَّق للعرب وحدتهم السياسية ودولة امتدَّت من الصين إلى أواسط
أوروبا.
وقال
عنه ابن بليهد: بلدته (أي امرؤ القيس) ذو جرة قرية بمخلاف
"السكاسك"
في اليمن، وهو رجل كان كثير التنقل في أول شبابه، ولذلك ورد في
شعره كثير
من
أسماء المواضع في مختلف أنحاء الجزيرة؛ فذكر مواضع من حضرموت،
كدمون وعندل،
ومواضع في شمال نجد كأسيس والطها وتيماء السموءل، ومواضع في
عالية نجد الشمالية،
كمنعِج وعاقِل؛ ومواضع في عالية نجد الجنوبية، كالدخول وحومل
وتوضح والمقراة. ومن
عادة
الشعراء المتقدمين ذكر المواضع المتباعدة في القصيدة الواحدة.
بل في البيت
الواحد وقد وفد على قيصر ملك الروم، وهو يقول في هذه الرحلة:
بكى صاحبي لما
رأى الدرب دونه - وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
وإذا كان الحديث يجر بعضه بعضاً فإني أحب أن أشير إلى غلط وقع فيه كثير من الباحثين في المواضع، وهو الاعتقاد بأن بلد الشاعر صاحب هذه المعلقة هي "مراة" المعروفة في الوشم، وأول من علمته وقع في هذا الخطأ كاتب نشر في جريدة "أم القرى" منذ ثلاث وعشرين سنة تقريباً رحلة بعنوان "الرحلة السلطانية". ثم أتى كاتب آخر فنشر رحلة أخرى في جريدة "صوت الحجاز" في سنتها الأولى، قال فيها إن "مراة" هي "المقراة" التي وردت في شعر امرئ القيس، ثم جاء كاتب ثالث فقال في كتاب مطبوع معروف: إن امرأ القيس ولد في "مراة" وآخر من علمته وقع في ذلك الخطأ: الأستاذ أحمد حسين في كتابه "مشاهداتي في جزيرة العرب". ومنشأ هذا الخطأ: أن "مراة" قد نسبت في بعض مؤلفات القدامى إلى امرئ القيس، ولكن اسم امرئ القيس اسم شائع في العهد الجاهلي، واشتهر به كثير من الشعراء وغيرهم، وللأستاذ حسن السندوبي بحث ممتع عن "المراقسة" طبعه مع ديوان امرئ القيس، وفي "المزهر" للسيوطي و "شعراء النصرانية" لليسوعي تفصيل عنهم. والذي وقع في مؤلفات أسلافنا من العلماء صحيح. ولكن امرأ القيس الذي تنسب إليه "مراة" ليس هو امرؤ القيس بن حُجر الكندي، صاحب المعلقة؛ فقد جاء هذا الخطأ من الاغترار بذكر "امرئ القيس" وإنما هو امرؤ القيس بن زيد مناة بن تميم، وتميم هم سكان الوشم في العهد القديم. فمراة لبني امرئ القيس، وثرمداء لبني سعد، وأثيفية لبني يربوع من بني حنظلة الذين منهم بلال الشاعر، وذات غسل لبني العنبر. وامرؤ القيس بن حجر الشاعر المشهور لم يسكن مراة المعروفة في بلاد الوشم.
وقد
اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء
المعلقات وأولوا اهتماماً خاصاً بالتعرف على حياتهم، فقد قالت ليدي آن
بلنت وقال
فلفريد شافن بلنت عن امرئ القيس في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في
بداية القرن
العشرين: امرؤ القيس بن حجر، أقدم وأكثر شعراء الجاهلية الذين وصلت
أعمالهم إلينا
إثارة للاهتمام. كان عربياً نبيل الدم ينحدر من ملوك حمير من كندة،
الذين حكموا
جزءاً من اليمن تحت سلطة رئيس عائلتهم، توبا، التي عرف بها أو لقب
إمبراطور اليمن.
يقول
أبو عبيدة، مؤرخ عاش في زمن هارون الرشيد إن هؤلاء قد حصلوا
على ملكهم في أيام
مملكة
حمير، حيث انحدرت بعض القبائل من وائل ووجدوا أنفسهم في حالة
من الفوضى
لافتقارهم إلى رئيس كبير، فعقدوا اجتماعاً وقالوا:" صار للحمقى
منا اليد الطولى
وأكل
القوي فينا الضعيف. لنذهب إلى توبا عله ينصب رئيساً علينا."
فوضعهم تحت حكم
قريبه
حجر عقيل المرار الكندي وحكمهم حجر وأولاده من بعده. كان حجر
والد امرؤ القيس
الحفيد الأول لحجر الأول. الشيء نفسه حدث معه حيث اختارته
قبيلة بني أسد وقطفان
حاكماً عليهما. كان ملوك كندي آخر الذين حكموا اليمن من حمير وعادوا
إلى موطنهم
الأصلي حمير في حضرموت في آخر قرن قبل الإسلام.
والده
حجر بن حارث أمير
قبيلتي بني أسد وقطفان في اليمن. أنزل منزلة خاصة في خيمة والده كونه
أصغر أخوته،
وكذلك احتفت به نساء القبيلة في شبابه لوسامته وفطنته، ونسبت له كثير
من المغامرات
الغرامية بما في ذلك ما ذكره في معلقته. غضب والده عليه بسبب فضائحه
وإفراطه في شعر
الحب، فأرسله كما الحال والشباب في هذه الأيام ليرعى إبله في مكان بعيد
في الصحراء،
لكن هذا لم يستمر طويلاً. أهمل مهمته وقضى وقته في نظم الشعر عن دوابه
وفرس والده،
حتى أوكل إليه العمل كمجرد راعي خراف ما أعتبره امرؤ القيس إهانة
عظيمة. جرح هذا
كبرياءه فرفض وخرج في زمرة من الصعاليك حتى طرد أخيراً من مناطق نفوذ
والده.
وكان
الرجال الذين يرتكبون أخطاء أخلاقية بحق القبيلة يطردون منها
وينبذون من قبل أفراد القبيلة. ما زال هؤلاء الهاربين يشكلون
عصابات من اللصوص
الخارجين عن القانون حتى هذه الأيام، وهم أشد خطراً على المسافرين من
غزوات البدو
العادية. يعيشون في الجبال بين الصخور وفي الكهوف حيثما وجدت في
الجزيرة. وصفهم
دوفتي باسم " هبيلة " في كتابه " الصحراء العربية " يقول:" الهبيلة
أشرار الصحراء
الذين
يخشاهم رجال القبائل البدو الرحل، كما يخشى الحضر وسكان
الواحات البدو.
الهبيلة عادة شباب أوغاد لا يملكون ماشية أو قطعان يعرضون
أنفسهم لكل مخاطرة شرسة،
لكن
بعضهم رجال وحيدين مفعمين بالنشاط يحركهم مزاجهم غير الهادىء
من كسلهم في ظل
الخيام إلى التجوال خلسة كالذئاب بحثاً عن فريسة في البراري.
يتحمل هؤلاء الخارجين
عن
القانون المصاعب الشاقة وغالباً ما تكون لهم صفات الوثنية
المتوحشة. يقال إنهم
لا
يتركون أحداً حياً. إلى حد ما هم دوماً من الخدم الذين لا
يفهمون بسهولة
ويترصدون فريستهم تحت الصخور وفي الأدغال. خلال سنوات ترحاله والسنوات
التي تلت،
عندما كان في الخامسة والعشرين تقريباً، كتب معلقته الشهيرة، أول
المعلقات.
كما
تزوج في الفترة نفسها زوجته الأولى، لم يكن ذلك أقل أعماله
الطائشة، إذ قيل إنه أقسم بعدم الزواج ثانية إلا أن يقابل
المرأة التي تحل لغزاً
ابتدعه. كان سؤال اللغز " ما ثمانية وأربعة واثنان ?" وكانت
الإجابة التي يتلقاها
عادة
" الرقم 14 " حتى كان يوماً فيه مسافراً في نجد، وقابل في
طريقه شيخاً مع
ابنته
الذكية التي حلت اللغز بقولها:" أما ثمانية فأطباء الكلبة،
وأما أربعة فأحلاف
الناقة وأما اثنان فثديا المرأة." فخطبها إلى أبيها فزوجه
إياها وأنجب منها عدة
أبناء
وابنته هند. لا تعرف زوجة امرؤ القيس الأولى باستثناء أنها من
عائلة كريمة.
وشرطت
هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال. فجعل لها ذلك وأن
يسوق لها مائة
من
الإبل وعشر أعبد وعشرة وصائف وثلاث أفراس. ففعل ذلك. ثم أن بعث
عبداً له إلى
المرأة وأهدى إليها نحياً من السمن ونحياً من عسل وحلة من عصب. فنزل
العبد ببعض
المياه فنشر الحلة ولبسها فتعلقت بعشرة فانشقت. وفتح النحيين فطعم أهل
الماء منهما
فنقصا. ثم قدم على حي المرأة وهو خلوف. فسألها عن أبيها وأمها وأخيها
ودفع إليها
هديتها. فقالت له أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً، وأن
أمي ذهبت
تشق النفس نفسين، وأن أخي يراعي الشمس وأن سماءكم انشقت وأن وعاءكم
نضبا. فقدم
الغلام على مولاه فأخبره. فقال: أما قولها إن أبي ذهب يقرب بعيداً
ويبعد قريباً فإن
أباها ذهب يحالف قوماً على قومه. وأما قولها ذهبت أمي تشق النفس نفسين،
فإن أخاها
في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به. وأما قولها: إن سماءكم
انشقت فإن
البرد الذي بعثت به انشق. أما قولها إن وعاءكم نضبا، فإن النحيين الذين
بعثت بهما
نقصا. فأصدقني. فقال : يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب. فسألوني
عن نسبي
فأخبرتهم إني ابن عمك ونشرت الحلة فانشقت وفتحت النحيين فأطعمت منهما
أهل الماء.
فقال:
أولى لك!
ثم
ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام. فنزل منزلاً.
فخرج
الغلام يسقي الإبل فعجز، فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في
البئر، وخرج حتى
أتى
المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها. فقيل لها: قد جاء زوجك.
فقالت: والله ما أدري
أزوجي
هو أم لا! ولكن انحروا له جزوراً وأطعموه من كرشها وذنبها
ففعلوا. فقالت:
اسقوه
لبناً جزوراً وهو الحامض فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له الفرث
والدم. ففرشوا
له
فنام فلما أصبحت أرسلت إليه إني أريد أن أسألك. فقال: سلي عما
شئت. فقالت: مما
تختلج
شفتاك? قال لتقبيلي إياك. قالت: فمم يختلج كشحاك? قال:
لالتزامي إياك. قالت:
فمما
يختلج فخذاك? قال لتوركي إياك. قالت: عليكم العبد فشدوا أيديكم
به. ففعلوا.
قال:
ومر قوم فاستخرجوا امرؤ القيس من البئر. فرجع إلى حيه. فاستاق
مائة من الإبل
وأقبل
إلى امرأته. فقيل لها قد جاء زوجك. فقالت: والله ما أدري أزوجي
هو أم لا،
ولكن
انحروا له جزوراً فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فلما أتوه
بذلك قال: وأين
الكبد
والسنام والملحاء! فأبى أن يأكل. فقالت: اسقوه لبناً حارزاً.
فأبى أن يشربه
وقال:
فأين الصريف والرثيئة! فقال: افرشوا له عند الرف والدم. فأبى
أن ينام وقال:
افرشوا لي فوق التلعة الحمراء واضربوا عليها خباء. ثم أرسلت
إليه: هلم شريطتي عليك
في
المسائل الثلاث. فأرسل إليها أن سلي عما شئت. فقالت: مما تختلج
شفتاك? قال: لشرب
المشعشعات. قالت: فمما يختلج كشحاك? قال: للبسي الحبرات. قالت:
فمما تختلج فخذاك?