سلطان باشا الأطرش
ولد سلطان باشا الأطرش في عام 1889، في قرية (القرياّ) قضاء صلخد في جبل العرب، والده ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل الثاني مؤسس المشيخة الطرشانية (1869)، قاد معركة ضارية في نواحي الكفر عام 1910، وهي إحدى معارك أبناء الجبل ضد سامي باشا الفاروقي، والتي كانت تشنها السلطنة العثمانية على جبل الدروز لكسر شوكته وإخضاعه لسيطرتها، أعدمه الأتراك شنقاً بسبب تمرده عام 1911. أماّ والدة سلطان فهي شيخة بنت إسماعيل الثاني.
أدى سلطان الأطرش الخدمة العسكرية في بلاد الرومللي، ومنذ عودته تابع الاتصال بالحركات العربية بفضل علاقته الدائمة بدمشق، فصارت (القرياّ) ملجأ ومعقلاً للفارين من الأتراك وللمناضلين الملتحقين بالثورة العربية في العقبة... وكان سلطان الأطرش أول من رفع علم (الثورة العربية) على أرض سورية قبل دخول جيش فيصل، حيث رفعه على داره في القرياّ، وكان في طليعة الثوار الذين دخلوا دمشق سنة 1918، بعد أن رفع العلم العربي في ساحة المرجة فوق مبنى البلدية بدمشق، منحه الملك (فيصل الأول) لشجاعته لقب (أمير) عام 1916، كما منحه أيضاً رتبة فريق في الجيش العربي، وهو يوازي لقب باشا.
في تموز 1920، جهز سلطان الأطرش قوات كبيرة لملاقاة الفرنسيين في ميسلون، لكنه وصل متأخراً بعد انكسار الجيش العربي واستشهاد القائد يوسف العظمة وزير الدفاع.
في 7 تموز 1922، كانت ثورته الأولى على الفرنسيين لاعتدائهم على التقاليد العربية في حماية الدخيل، حين اعتقلوا (أدهم خنجر) الذي كان في حماية الأطرش بينما كان غائباً عن داره، وكان خنجر قد لجأ إليه وطلب حمايته بعد عملية اشترك بها واستهدفت اغتيال الجنرال غورو.
بالغ الفرنسيون في طغيانهم وظلمهم لأهالي سورية الذين لم يعد أمامهم سوى الثورة. وهكذا انطلقت (الثورة السورية الكبرى) وامتدت إلى كل الديار السورية، ودامت حتى عام 1927، وقد تولى سلطان باشا الأطرش قيادتها بالإجماع، وتعد من أهم الثورات ضد الاحتلال الفرنسي باعتبارها شملت عدة مناطق في سورية، ووصلت إلى قسم من لبنان، وامتازت بمعارك حربية بين الثوار وقوات الاحتلال الفرنسية التي منيت بخسائر فادحة في الأرواح والمعدات. وكان من أبرز هذه المعارك: معركة (الكَفر) في تموز عام 1925، ومعركة (المزرعة) في أول آب 1925، ومعارك الإقليم الكبرى، ومعركة صلخد، والمسيفرة، والسويداء وغيرها.
وبتاريخ 23 آب 1925 أعلن السلطان الأطرش الثورة رسمياً ضد الفرنسيين، فانضمت دمشق وحمص وحماه ونواحيها إلى الثورة، وأبلى الثوار بلاءً حسناً في إنزال الهزائم بجيوش المستعمرين الفرنسيين... حتى إن فرنسا اضطرت بفعل هذه الهزائم إلى عزل مفوضيها الساميين وضباطها العسكريين في سورية وتعيين البدائل عنهم، كما حصل مثلاً مع المفـوض السامـي (سرايل) بعـد مهاجمة الثـوار لقصر العظـم بدمشق، فعينت المسيو (دي جوفنيل) وقصفت دمشق بالطيران لمدة 24ساعة متواصلة كما أرسلت فرنسا أحد أبرز قياديها الجنرال (غاملان) بعد تزايد قوة الثوار وانتصاراتهم.
وعندما هزت هذه الانتصارات فرنسا الاستعمارية، وجدت نفسها أمام مأزق كبير فلجأت إلى إرسال آلاف الجنود إلى سورية ولبنان مزودين بأحدث الأسلحة، مقابل قلة مصادر تموين الثوار، مما أدى إلى قلب الميزان لصالح الفرنسيين، فأعادوا سيطرتهم على كثير من المدن بعد أن استمرت المقاومة الباسلة حتى ربيع عام 1927، وكان الفرنسيون قد حكموا على سلطان الأطرش بالإعدام.
أجبرت الثورة الفرنسيين على إعادة توحيد سورية بعد أن قسمتها إلى أربع دويلات: دمشق، وحلب، وجبل العلويين، وجبل الدروز... كما اضطرت إلى الموافقة على إجراء انتخابات فازت فيها المعارضة الوطنية بقيادة إبراهيم هنانو وهاشم الأتاسي.
بعد توقف الثورة نزح سلطان الأطرش بجماعات من الثوار إلى الأزرق في الأردن، وبعد توقيع معاهدة 1936 بين سورية وفرنسا عاد الأطرش إلى سوريا بعد إعلان العفو العام عن الثوار من قبل الانتداب الفرنسي.
لم يتوقف نضال سلطان الأطرش عند هذا الحد، بل شارك أيضاً بفعالية في الانتفاضة السورية عام 1945، والتي أدت إلى استقلال البلاد، كما دعا في العام 1948 إلى تأسيس جيش عربي موحد لتحرير فلسطين، وبالفعل تطوع المئات من الشباب واتجهوا للمشاركة الفعلية في حرب 1948.
وأثناء حكم الشيشكلي، تعرض سلطان لمضايقات كثيرة نتيجة اعتراضه على سياسة الحكم، فغادر الجبل إلى الأردن في كانون ثاني 1954، عندما عمّ الهياج أنحاء سورية لاسيما بين الطلبة الذين كانوا في حالة إضراب مستمر، واعتقل العديدون بينهم منصور الأطرش أحد أبناء سلطان الأطرش، فجرت محاولة درزية لإخراجه من السجن أدت إلى اشتباك مسلح، سرعان ما تحولت إلى معركة في جبل الدروز، وعاد الأطرش إلى بلده بعد سقوط الشيشكلي.
أيد سلطان الأطرش الانتفاضة الوطنية التي قادها الزعيم الدرزي كمال جنبلاط في لبنان عام 1958، ضد سياسة كميل شمعون، كما بارك الوحدة العربية التي قامت بين مصر وسورية عام 1958، ووقف بحزم وثبات ضد عملية الانفصال عام 1961.
وكان جمال عبد الناصر قد كرم سلطان باشا الأطرش في عهد الوحدة فقلده أعلى وسام في الجمهورية العربية المتحدة، أثناء زيارته لمحافظة السويداء.
عام 1966 بعث الأطرش خطاب احتجاج مفتوح إلى هيئة الأركان، عندما كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع بسبب حملة التطهير الجماعية للضباط الدروز من الجيش عقب فشل انقلاب الرائد الدرزي سليم حاطوم على نظام صلاح جديد.
وفي عام 1970، كرم الرئيس السوري حافظ الأسد الأمير سلطان باشا الأطرش لدوره التاريخي في الثورة السورية.
توفي سلطان باشا الأطرش عام 1982، وحضر جنازته حوالي مليون شخص، وأصدر رئيس الجمهورية رسالة حداد شخصية تنعى القائد العام للثورة السورية الكبرى.
دعوة سلطان باشا الأطرش إلى الثورة ضد الفرنسيين
بيان صدر في 23 آب (أغسطس) 1925
إلى السلاح، إلى السلاح
يا أحفاد العرب الأمجاد. هذا يوم ينفع المجاهدين من جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم. هذا يوم انتباه الأمم والشعوب. فلننهض من رقادنا ولنبدد ظلام التحكم الأجنبي عن سماء بلادنا. لقد مضى علينا عشرات السنين ونحن نجاهد في سبيل الحرية والاستقلال، فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم، ولا يضيع حق وراءه مطالب.
أيها السوريون، لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يعطى، فلنأخذ حقنا بحد السيوف، ولنطلب الموت توهب لنا الحياة.
أيها العرب السوريون، تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي. تذكروا أن يد الله مع الجماعة، وأن إرادة الشعب من إرادة الله، وأن الأمم المتحدة الناهضة لا تنالها يد البغي. لقد نهب المستعمرون أموالنا، واستأثروا بمنافع بلادنا، وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد، وقسمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية التجارة والسفر، حتى في بلادنا وأقاليمنا.
إلى السلاح أيها الوطنيون، إلى السلاح، تحقيقاً لأماني البلاد المقدسة. إلى السلاح تأييداً لسيادة الشعب وحرية الأمة. إلى السلاح بعدما سلب الأجنبي حقوقكم، واستعبد بلادكم، ونقض عهودكم، ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية، وتناسى الأماني القومية.
نحن نبرأ إلى الله من مسؤولية سفك الدماء، ونعتبر المستعمرين مسؤولين مباشرة عن الفتنة. يا ويح الظلم لقد وصلنا من الظلم إلى أن نُهان في عقر دارنا. فنطلب استبدال حاكم أجنبي محروم من مزايا إنسانية، بآخر من بني جلدته الغاصبين، فلا يُجاب طلبنا بل يُطرد وفدنا كما تطرد النعاج.
إلى السلاح أيها الوطنيون، ولنغسل إهانة الأمة بدم النجدة والبطولة. إن حربنا اليوم هي حرب مقدسة. ومطالبنا هي:
1) وحدة البلاد السورية، ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً.
2) قيام حكومة شعبية تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة.
3) سحب القوى المحتلة من البلاد السورية، وتأليف جيش وطني لصيانة الأمن.
4) تأييد مبدأ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء.
إلى السلاح، ولنكتب مطالبنا هذه بدمائنا الطاهرة كما كتبها أجدادنا من قبلنا.
إلى السلاح والله معنا. ولتحيا سوريا العربية حرة مستقلة.
سلطان الأطرش
قائد عام جيوش الثورة الوطنية السورية