الطهور { الخِتان }
بالنسبة إلى الخِتان، فإن هذا التقليد عرفته المجتمعات الأخرى خارج الأراضي العربيّة، وقبل ظهور الإسلام نفسه. وقد إعتمده الإسلام ولكن في حدود الإختيار المقرر في السُنة النبويّة الشريفة وليس عن طريق الإلزام الشرعي أو الأمر الديني.
في الإصطلاح البيروتي الدارج يُقال (الطُّهور) ربما كانت هذه الكلمة تعني فيها نوعاً من تطهير العضو التناسلي من الأوضار والأوساخ التي يمكن أن ترسب تحت القلفة الزائدة في هذا المكان الحساس من الجسم، والأتراك يطلقون على الخِتان أسم (سُنَّت) أي السُنة.
أما الذي يمارس عملية الخِتان فهو شخص إكتسب خبرته الطبيّة أو الجراحيّة بالممارسة. وقد تكون حرفته هذه وصلت إليه بالوراثة عن أبيه الذي كان يمارسها هو الآخر عن أسلافه، ويُسمّيه الناس (المُطَهِّر) أي الذي يحترف مهنة التطهير، أي الخِتان، يُذكر أن ختان البيارتة كان يقوم به رجل يهودي يدعى (سلمون)، فإن لم يوجد فالدكتور شمس اليهودي، وكان هذا الأخير يقوم بالخِتان في عيادته بمنطقة وادي أبو جميل أو في بيت والد المختون، علماً بأن سلمون وشمس، كانا يقومان بالإشراف على الذبح في مسلخ بيروت للتثبت من شرعية الذبح.
وقد جرت العادة أن يتمّ خِتان الغلام وهو لمّ يزل قريباً في عهده بالولادة، وغالباً ما يكون ذلك في اليوم السابع من مولده، وبهذا التعجيل تمضي العمليّة الجراحيّة البسيطة دون مضاعفات كما تمر على الغلام الصغير المختون دون أن يدرك ملابساتها وآلامها.
كان للطهور طقوس واحتفالات في مجتمع بيروت الإسلامي، وتزداد أهمية الحفلة بحسب مركز والد المختون، يصار إلى إحضار لوازم الاحتفال، فتقوم النساء بطبخ المغلي والمهلبية المغطاة بالقلوبات من اللوز والجوز والبندق والفستق الحلبي وبرش جوز الهند، وتخاط الثياب الخاصة للمختونين من قماش الساتان الأزرق، وتزيّن الألبسة بما يملكه الوالد من نقوط ذهبية قدمت له عند ولادته، سلاسل ذهبية مشكوك فيها نقود ذهبية صغيرة، مزخرفات (ما شاء الله) وغيرها، ثم يرفع طربوشه إذا كان في سن الخامسة وما فوق، فتشك عليه زهور القرنفل والفل، ويُزف الولد راكباً حصاناً، من رجال الحيّ وشبّانه وأهل صنعة والده، وقد لا تخلو الزفة أحياناً، أثناء مطافها الصاخب عبر أزقة البلد وطرقاتها من أهل النخوات (القبضايات) الذين ينتهزون الفرصة للإعلان عن قوتهم وشدة بأسهم بإطلاق البارود من الغدّارات والطبنجات (المسدسات) والقرابينات ( البنادق القصيرة) والإبراهيميات (البنادق المنسوبة إلى إبراهيم باشا المصري)، حتى إذا أتمّت الزفة جولتها وعاد المختونون من حيث أتوا، يدخل أصحاب (النوبة) بمزاهرهم، وكذلك يدخل المدعوون غرفة الخِتان وفي وسطها مسند مبسوط على الأرض، والمُطَهِّر حاضر أمام هذا المسند وبجانبه رجل قوي البنية لمساعدته في مهمته وضبط الغلام أثناء هذه المهمة.
ويُبادر المُطَهِّر إلى تجهيز (عدة الشغل) وأهمها موسى الحلاقة التي يشحذها جيداً لتؤدي مهمتها بسرعة ودقة تخفيفاً لآلام المختون. وفي هذه الأثناء يؤخذ الغلام إلى والدته فتفرح به وتقبله وتُسرع إلى تجريده من زينته، ولا تبقي عليه سوى (السركس) ثم تُسلمه إلى الرجل القوي الذي يمدده على المسند بالشكل الذي يساعد المُطَهِّر على إنجاز مهمته بيسر وسهولة، ثم إن الرجل القوي المذكور يُمسك الغلام من يديه ويضعهما تحت رجليه، لكي يثبت الغلام ولا يقدر على التحرك لئلا يجرح نفسه أو يُربك المُطَهِّر أثناء قيامه بعمله، وكذلك فإنهم كانوا يحجبون وجه الغلام بمنديل حتى لا يرى الموسى بيد المُطَهِّر. وعندما يبدأ المُطَهِّر بعمله تبدأ النوبة بالضرب على المزاهر حتى لا يسمع الحضور صراخ الغلام عند قطع القلفة الزائدة.
وعند الإنتهاء من عملية الخِتان يقوم أهل الغلام (بتوجيب) أي تكريم ضيوفهم فيقدمون لهم الحلوى، من معمول وغريبة والمغلي والمهلبية وكنافة، ثم تغيرت هذه العادة وصارت الضيافة قاصرة على راحة الحلقوم، وإلى جانبها المرطبات، من الليموناضة أو ماء الورد.
وقبل إنفضاض الجمع وإنصراف المدعوين تنهال (النقوط) من الأقارب والأصحاب والغلام، في أيام الأتراك كانت (النقوط) بمناسبة الخِتان من الليرات العُثمانيّة الذهب أو المجيديات أو البشالك (العملة الرائجة آنذاك).
ومن العادات المألوفة في أيام زمان ما يمكن تسميته بالختان الجماعي الذي يتم فيه تطهير أبناء الحي بالجملة إختصاراً للوقت والنفقات، أو إحتفاء بتطهير إبن أحد الأعيان أو الموسرين. وفي هذا الخِتان الجماعي يجري إحصاء الأولاد المرشحين للختان ويتمّ جمعهم كلهم في دار أحدهم ويمددون على السرير، بالعرض، ومن ثم يتمّ خِتامهم دفعة واحدة من قبل ختَّان واحد.
نذكر هنا وأنه بمناسبة إنشاء السبيل
الحميدي عام 1900م وبمناسبة مضي خمس وعشرين سنة على تولّي السلطان عبد الحميد الثاني 1876–1909م حكم السلطنة العُثمانيّة ، فقد أنشئ السبيل الذي عُرف باسم السبيل الحميدي في المنطقة المعروفة بالسور بالقرب من بوابة يعقوب ، وفيما عُرف بعد ذلك باسم الهول وساحة رياض الصلح، إختتن في المستشفى العُثماني العسكري خمسون صبياً من أبناء الفقراء على نفقة رشيد بك أفندي، وأعطى لكل صبي منهم كسوة كاملة من قميص ولباس وخنباز حريري وطربوش وحذاء ومنديل.
وهنا نورد دراسة عن ختان الذكور والإناث بين الدين والقانون
للدكتور سامي الذيب
مستشار قانوني مسؤول عن القسم العربي والإسلامي
المعهد السويسري للقانون المقارن
لوزان – سويسرا
هناك محاولة على المستوى الدولي والداخلي للتفريق بين ختان الذكور والإناث. والسؤال الذي يطرح هو هل هناك أي تبرير لمثل هذا التفريق؟
1) ختان الذكور والإناث هو بصورة عامة بتر لأعضاء سليمة من جسم شخص دون موافقته ودون سبب طبي، إلا نادراً. وعلى هذا الأساس الواقعي لا يوجد مبرر للتفريق بينهما. أضف إلى ذلك أن هذا التفريق لا يخدم الهدف المرجو منه وهو إلغاء ختان الإناث إذ إنه من غير المنطقي أن تسمح لأفريقي أن يختن أبناءه بينما تمنعه من ختان بناته، خاصة أن العمليتين يشار اليهما عامة بنفس الكلمة وتعتبران عملية طهارة. ثم أن مثل هذا التفريق بين الختانين مخالف لمبدأ عدم التمييز بين الذكور والإناث الذي تحرمه الدساتير والوثائق الدولية.
2) والتفريق بين الختانين لا أساس له إذا ما نظرنا إلى خطورة العملية رغم ما يقال عامة بأن ختان الذكور عملية بسيطة بخلاف عملية ختان الإناث. فيجب الإشارة إلى أن هناك اربع صور من ختان الذكور يقابلها اربع صور من ختان الإناث. والدرجة الرابعة من ختان الذكور (والتي تتم عند القبائل الأسترالية بفتح مجرى البول لعمل فرج مماثل لفرج النساء) هي أكثر خطورة وألم من الدرجة الأولى من ختان الإناث (والتي تتمثل بقطع غلفة البظر). وكل من عملية ختان الذكور والإناث تؤدي إلى تعقيدات طبية قد تقود للتشويه الجسيم للعضو أو حتى الوفاة.
3) كما أنه لا أساس للتفريق إذا ما نظرنا إلى الإحصاءات. فعملية ختان الذكور تتم على 13 مليون طفل سنوياً بينما يتم ختان الإناث سنوياً على مليوني طفلة. ونجد كل من الختانين في قرابة جميع الشعوب والطوائف الدينية وإن كانت أوسع انتشاراً بين الأفارقة وبين المسلمين. ورغم التهجم الغربي على الأفارقة فيما يخص ختان الإناث، فإن الغربيين مارسوه أيضاً، وخاصة في الولايات المتحدة منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى السبعينات من القرن العشرين. وما زال بعض الأطباء الغربيين يماسون ختان الإناث على نساء بيض ببتر غلفة البظر بهدف زيادة اللذة الجنسية عندهن. ويتم ختان الذكور في الولايات المتحدة على 60% من الأطفال.
4) لا فرق أيضاً على أساس الآثار الجنسية. هناك عامة مقولة بأن ختان الإناث تضعف اللذة الجنسية بينما ختان الذكور يقوي هذه اللذة، لذلك يجب إلغاء ختان الإناث فقط. إلا أننا نجد عند الفيلسوفين اليهوديين فيلون وإبن ميمون مقولة مشهورة بأن الهدف من ختان الذكور هو إضعاف اللذة. وقد نقل هذا الرأي عنهما القديس توما الأكويني واللاهوتي القبطي إبن عسال ونجده عند فقهاء مسلمين مثل إبن قيم الجوزية والمناوي. وقد اعتبروا جميعاً أن إضعاف اللذة (دون إلغائها) يتفق والمبادئ الدينية. وبما أن النظرة للذة الجنسية قد تغيرت فقد أخذ مؤيدو ختان الذكور بالقول بأن ختان الذكور يقوي اللذة. وحقيقة الأمر فإن قطع جزء من اللسان يضعف لذة الذوق. وكذلك الأمر بخصوص كل من ختان الذكور والإناث على السواء. وحالياً هناك موجة بين مختوني الغرب لإسترجاع الغلفة من خلال مط جلد الذكر معتبرين أن ذلك يزيد من لذتهم الجنسية.
5) ولا فرق بين ختان الذكور والإناث على أساس الفائدة الصحية. فكلاهما تعدي على سلامة الجسد والحجة بأن ختان الذكور فيه فائدة طبية يرد عليها بأن تلك الفائدة تصب في جيب الطبيب أو الخاتن وليس لصالح صحة الطفل إلا في حالات نادرة قد لا تتعدى الواحدة بين مليون طفل. وهناك مقولة بأن الرجال لا يشتكون من ختان الذكور على عكس النساء معتبرين ذلك دليلاً على أن ختان الذكور لا مضرة من ورائه. والحقيقة أن ذلك يرجع إلى صعوبة التعبير عن تلك المضرة بصورة مكشوفة أو لعدم إمكانية المقارنة. وهناك حالياً تزايد في عدد الرجال الذين يشتكون من ختانهم. وحتى إن لم يشتكوا فهذا ليس سبب كاف للتعدي على سلامة طفل لا يملك إمكانية التعبير عن رأيه.
6) هناك من يقول بأن ختان الذكور له مرتكز في النصوص الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية. ولكن هذه الحجج ليست كافية للتعدي على سلامة الجسد وهو حق أساسي يأتي بعد الحق في الحياة. ولا بد هنا من وقفة لدراسة النصوص الدينية، ابتداءً من النصوص اليهودية.
7) عند اليهود هناك نصان أساسيان. الأول في الفصل السابع عشر من سفر التكوين الذي يروي بأن الله ظهر لإبراهيم عندما كان عمره 99 سنة وطلب منه بأن يختن نفسه وأن يختن كل نسله وعبيده في اليوم الثامن بعد ميلادهم. ويرافق هذا الطلب وعد بإعطاء أرض كنعان لليهود وجعلهم شعب الله المختار. واليهود يسمون الختان (عهد القطع)، وهو ما نعبر عنه بالعربية بعبارة (قطعت عهدا، أي قطعت لأجل العهد). وهناك نص آخر في الفصل الثاني عشر من سفر الأحبار يطلب فيه الله من موسى بأن يختن كل طفل في اليوم الثامن. والنص الأول هو تسييس لعملية جراحية ما زلنا نعاني منها حتى يومنا هذا بالإضافة إلى كون الختان علامة تعالٍ على الغير الذين يعتبرون نجس. ويرفض التيار اليهودي المعادي للختان الإعتماد على هذه النصوص لأنها تعبِّر عن عادة بدائية عنصرية تفرق بين الناس وتتعدى على طفل بريء، والأمر موجه لإبراهيم ولموسى وليس لأم الطفل التي لا يؤخذ برأيها. ويضيفون بأن عملية ختان الذكور تخالف الوصية (لا تسرق) إذ أنها تجرد الطفل من عضو هو ملكه وحده وليس ملك ابويه. ونشير هنا إلى أن اليهود قد مارسوا أيضاً ختان الإناث، وخاصة اليهود الفلاشة، كما أنهم مارسوه في الولايات المتحدة كما ذكرنا. وليس في الكتب المقدسة اليهودية أي ذكر لختان الإناث.
8) فيما يخص المسيحيين، بدأ المسيح بإلغاء فكرة التعالي على الغير وفكرة النجاسة وقد أتم تلاميذه الأمر بإلغاء واجب الختان معتبرين أن الله إختار الجميع وليس شعباً محدداً وأن الخلاص لا يتم من خلال قطع جلدة بل بالأعمال والإيمان. وقد رفض آباء الكنيسة ختان الذكور معتبرينه تعدٍ على سلامة الجسد وعلى كمال خلق الله. إلا أن تياراً متعصباً بين المسيحيين، وخاصة في الولايات المتحدة، يتسمك بالختان معتبراً أن ما طلبه الله من (شعبه المختار، أي اليهود) يجب أن ينفذه جميع المسيحيين. كما أن المسيحيين الأقباط رجعوا لختان الذكور بسبب إحتكاكهم بالمسلمين وتحت تأثير اليهود الذين عاشروهم في مصر. وهم عامة يجهلون نصوص تلاميذ السيد المسيح وآباء الكنيسة في هذا المجال، وخاصة نصوص القديس كيريلوس الكبير الملقب بعمود الكنيسة والذي رفض بشدة بالغة ختان الذكور. والمسيحيون مارسوا أيضاً ختان الإناث إما في مصر أو في الولايات المتحدة لأسباب مختلفة مرتبطة خاصة بفكرة أن هذا الختان يضعف من الهيجان الجنسي والهوس العقلي. وليس في الكتب المقدسة المسيحية أي ذكر لختان الإناث.
9) فيما يخص المسلمين، خلافاً لما قد يظنه البعض، فأن ختان الذكور والإناث لا ذكر لهما بتاتاً في القرآن الكريم. حتى أن كلمة الختان بالذات ليست موجودة فيه بخلاف الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية. ويوازي خلو القرآن من هذه الكلمة تشديده على كمال خلق الله أكثر من الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية. وليس هناك أي أشارة في كتب السيرة المعتمدة على أن النبي قد خُتِن أو أنه قام بختان بناته أو إبنه ابراهيم. وقد جاء ذكر لختان الذكور والإناث في كتب الحديث ولكن كل هذه النصوص، بشهادة علماء المسلمين مثل الإمام الشوكاني أو الإمام شلتوت، لا يمكن الإعتماد عليها. ونحن نرى أن كل من ختان الذكور والإناث عادة اجتماعية لا صلة لها بالدين الإسلامي البتة وأن إنتشار ختان الذكور بين المسلمين قد جاء خاصة من خلال اليهود الذين أسلموا في العصور الأولى. وقد اثبتنا ذلك من خلال شواهد عدة في كتابنا بالعربية والفرنسة والإنكليزية ويؤيدنا في ذلك مفكرون مسلمون جدد أمثال جمال البنا وكمال مصطفى المهدوي وعصام الدين حفني ناصف ومحمد عفيفي. وقد نشرنا نصوصهم كاملة في كتابنا باللغة العربية المعنون « ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين » الصادر عن دار رياض الريس عام 2000.
10) هناك حالياً حملة شرسة ضد ختان الإناث من قبل منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ومنظمات حكومية كثيرة منها غربية ومنها أفريقية يمولها خاصة الغرب. وكل هذه المنظمات ترفض الخوض في موضوع ختان الذكور. وقد تبين لنا أن رفضها نابع من الخوف من اليهود الذين يعتبرون المساس بختان الذكور مساس بهويتهم الدينية والسياسية. وقد أجابتنا إحدى المسؤولات في منظمة الصحة العالمية حول سبب رفض منظمتها عمل أبحاث حول ختان الذكور: (إن ختان الذكور منصوص عليه في التوراة. هل تريد أن تخلق لنا مشاكل مع اليهود؟). هذا كان جوابها بالحرف الواحد. غير أن مجموعة من المنظمات الغير حكومية أخذت تهاجم ختان الذكور معتبرة هذه العملية تعدي على سلامة الجسد. ويرفض المشرع الغربي والأفريقي الخوض في هذا المجال إما عن جهل أو عن خوف، مكتفيان بالتهجم على ختان الإناث. وهو ما يعتبر مخالفة صريحة لمبدأ عدم التمييز بين الذكور والإناث في الحقوق كما أنه مخالف لمبدأ سلامة الجسد والحق في العرض دون تمييز.