الحمّامات العامّة في بيروت - الفصل الثاني
وفي العهد المملوكي جاء في كتاب لبنان من الفتح العربي حتى الفتح العثماني، أن مدينة بيروت قد ازدهرت وأنشئ فيها العديد من الحمّامات العامّة والمطاحن كما حاول المماليك بناء أسطول بحري فيها.
أما هنري غيز، قنصل فرنسا في لبنان في الأعوام ما بين 1808 – 1828، فقد قالَ وكان يتحدث عن أخلاق المسلمين وعاداتهم في الفصل الثامن من كتابه بيروت ولبنان، كان يخصّ النساء بالكلام:
(المسلمات لا يبحن لأنفسهن سوى التمتع بالمسرّات التي يمكّن منها المنزل، ومع ذلك فعندَهن الاستحمام، فإذا ما فقدنَه فقدن أهمّ أسباب ملذّاتهن، إن أزواجهنّ لا يمنعونهنّ منه، لأنهم على يقين أنه المكان الوحيد الذي لا يتعرض فيه شرفهم لأي خطر، إنهنّ يهيّئنَ يومَ ذهابهنّ إلى الحمّام، كل حوائجهن منذ الصباح الباكر، فيجعلن من المناديل رزماً مختلفة تصلحُ لعدّة شؤون، إنها متعددة، فمنها ما يكون من الحرير أو من القطن، ومنها ما يكون مربع الحجم ذا لون أبيض، والوقت الذي يقضينه في الحمّام لا يمكن أن ينقص عن ثلاث ساعات أو أربع، وهنّ يأكلن ويشربن في أثناء ذلك حتى أن تدخين النرجيلة يملأ فراغاً كبيراً من فترات الاستراح ، إن مشاغل النساء في الحمّام عديدة، فهناك يجتمعن لينظفن أجسادهنّ بكيس من الشعر الناعم، ويضعن على رؤوسهن الحنّاء لتصبح شعورهنّ ملساء، ثمّ يدلكن أجسادَهنَ بمادة لزجة ممزوجة بماء الورد، وأخيراً يتمشّطن ويصففن شعورهنّ ذوائب ذوائب، ولما كنّ يعتبرن أنفسهنّ عائلة واحدة على الرّغم من تعدّد العائلات والأشخاص، فإن هذه العمليّات لكل منهن على حدَة تستغرق الوقت الطويل ، وفي الحمّام يشتد هذر النساء ولغوهنّ، فهناك يلقن بعضهن بعض ما حفظنه من حاضناتهنّ اللواتي كنّ يدلكن أجسادهن ويغسلنها، تتألف حمّامات الشرق من ردهات واسعة معقودة بالحجر تعلوها قباب تطلّ منها كوى صغيرة مدوّرة لتستقبل ضوء النهار، وقد عرفت الحمّامات القديمة بعض الوصفات العربيّة كخليط الماء الساخن بأنواع من الأعشاب إما من أجل نعومة الجلد للسيدات أو من أجل الشفاء من بعض الأمراض في كل الأعمار، ولكنّها لم تعرف الأحواض التي تثبتت في البيوت اليوم، وربما كان الغطس في المياه الساخنة مثل حمّامات الحمّة هو، إحدى الوصفات العربيّة من أجل الشفاء من مرض معلن).
قال المستشرق الغربي كريمسكي :
(ذهبت إلى حمام عربي في بيروت، المظاهر الخادعة لدى الشرقي لا تسمح لأي كان بالذهاب إلى الحمّام إلا في ثياب خاصة بذلك، أي برنس على شكل تنورة ومنشفة، فكان عليّ استعارة تلك الثياب من أصحاب المنزل، يستحم الناس وهم يرتدون التنورة التي أشرت إليها والقبقاب الخشبي، أما أنا كأوروبي فقد سمحت لنفسي أن أنزع المريول عني أثناء الحمّام، وعندما خرجت إرتديته، ليس في الحمّام أجران أو غرف والجميع يستحم على أرض الحمّام، ويأتيك الرجل للتدليك فيفرك جسمك بالليف والصابون حتى ينظف الجسم تماماً وتشعر كأن الشحم كله قد سال عنك).
ومما بقي من الحمّامات أمثلة تتناقلها العامّة مثل قولهم :
مثل الحمّام المقطوعة ميته
دخول الحمّام مش مثل خروجه
ضاعت الطاسة
حط الحزن بالجرن
وفي أيام أمراء العرب من آل بحتر كان للحمّام مكانته الرفيعة وقد جاء صالح بن يحيى على ذكره عدة مرّات، وقد كتب أحد الأمراء على باب حمّام جديد عَمّره:
وحمّام بيروت الينَ حسنـاً تجدْ فيه المسرّة والنعيــمْ
تريك الماء يسرحُ فوق نار وذاك لمن يرى ينفي الهمومْ
كأنّ قبابَها والجـامُ فيهــا سماءٌ أشرقت فيها نــجوم