كيف تخاطب بالعيون
تغنَّى بجمالها الشعراء، وتبادلها الأحبة، واستغلها الحساد.. إنَّها.. نظرات العيون.
أحيانًا ترى أشخاصًا تحبهم بعد طول غياب، فترى في أعينهم فرحة اللقاء، وكما يقال: "عيناه ترقص من الفرحة"، وأحيانًا أخرى تقابل أشخاصًا يحاولون مجاملتك بابتسامة صفراء، لكنَّ أعينهم تفضحهم وتبدي ما يخفون، فالعين مرآة الروح، كما يقول المثل الأجنبي القديم: بعض الأصدقاء لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم شفاهةً، لكن ذوي المشاعر المرهفة يفهمونهم من أعينهم. وقديماً قال الإمام الشافعي عن صاحبه وحبيبه:
جاء الحبيب يزورني فبرئت من نظري إليه | مرض الحبيب فعُدته فمرضت من حزني عليه |
والآن أيُّها الداعية، أين تكون نظرات عينيك وأنت تخاطب الناس؟ وكيف يكون وقعها عليهم؟ أرِنا ماذا يمكن أن تفعله عين المؤمن. إنَّ بإمكانك أن تقنع مستمعيك بعينيك كما تقنعهم بكلماتك، وأن تريهم في عينيك مدى اقتناعك بفكرتك، وبعينيك أيضًا يمكنك أن تقيس درجة انتباه مستمعيك، وتلحظ تركيزهم من أعينهم.
في غزوة تبوك، تخلَّف سيدنا كعب بن مالك وصاحباه رضي الله عنهم، وبالرغم من تنفيذ العقاب والتعزير للثلاثة الذين خلفوا، فإنَّ كعب بن مالك يحكي ويقول: "وأمَّا أنا فقد كنت أشد القوم وأجلدهم -أي الثلاثة الذين تخلَّفوا عن الغزوة- فكنت أخرج وأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه فأُسَلِّم عليه، فأقول في نفسي: هل حرَّك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أجلس قريبًا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلتُ على صلاتي أقبل إليَّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني"، فالرسول صلى الله عليه وسلم استخدم لغة العيون حتى مع المعاقَبين، إنَّها لغة الحب والعتاب في وقتٍ واحد.
كيف يمكنك استخدام عينيك بفاعلية أمام مستمعيك؟
1) اعرف جيدًا ما الذي ستقوله، حتى لا تصرف جهدك الذهني إلى تذكر ترتيب الأفكار والكلمات، وذلك يحتم عليك التحضير الجيد والتدريب الكافي.
2) ابْنِ مَمَرًّا بصريًّا متصلاً بينك وبين المستمعين، وتذكَّر أنَّه مهما كبر عدد المستمعين، فإنَّ كل مستمع منهم يريد أن يشعر أنَّك تكلِّمه هو شخصيًّا.
وتستطيع أن تحقق ذلك بالطريقة البسيطة التالية:
Ø أثناء حديثك اختر شخصًا معينًا وانظر في عينيه حتى تبني بينك وبينه خط اتصال بصري من 5 إلى 10 ثوان، أي ما يوازي جملة واحدة تقريبًا] ثم انقل بصرك إلى شخصٍ غيره. وهذا شيء سهل حدوثه نسبيًّا بالنسبة للأعداد الصغيرة، أمَّا إذا كنت تتحدَّث إلى مئاتٍ أو آلاف، فهذا أمرٌ مستحيل بالطبع، وفي هذه الحالة اختر فردًا أو فردين من كل قطاع، وابنِ جسرًا بصريًّا بينهما، وبالتالي سيشعر كل فرد أنَّك تكلمه هو مباشرة.
Ø لاحظ رجع الصدى البصري، فأثناء حديثك يستجيب لك مستمعوك برسائلهم غير اللفظية الخاصة، فيجب أن تكون عيناك نشيطتين حتى تلتقط هذه الرسائل، وتعرف ما التصرف الذي سيُبنَى على هذا الأساس. فإن كان رد فعلهم إيجابيًّا فما عليك إلاَّ أن تستمر فيما أنت عليه، ولتبشر بنجاحك، ولتحاول توطيد صلتك بمن استجابوا لك بصريًّا، بأن تخصهم بابتسامة خاصة ونظرات أعمق.
Ø أمَّا إن كانت انطباعاتهم [ردود أفعالهم] سلبية، فلتنظر ما السبب في ذلك؟ فإن كان سببًا خارجًا عن إرادتك فحسبُك الله.
Ø أمَّا إن كان السبب منك، فلتحاول أن تغيِّر من نبرات صوتك، أو تضيف بعض المرح والدعابة إلى حديثك، أو بعض القصص والأشعار، ولتراقب الأعين، وأي الموضوعات كان أشدهم جذبًا لانتباههم.
Ø وإن كان في مظهرك شيء يشتت انتباههم، فلتحاول إصلاحه إن أمكن ذلك.
إنَّ لغة العيون لغة موحَّدة يفهمها كل الناس مهما كانت أوطانهم وأجناسهم وألسنتهم، فلنحرص على تعلمها.