عين الحسد
الحسد.. بين العين الزرقاء... والقوة الخفية!
يوم أنشد الشاعر..
فضل العيون علي السيوف بأنها | إن العيون النجل أمضي موقعا |
قتلت ولم تخرج من الاجفان | من كل هندي وكل يماني |
فانه حتما كان قد اصيب بحسد العين، لكن لا ندري هل كانت العين التي ضربته بسهام الحسد، زرقاء ام شهلاء ام سوداء ام غير ذلك من الالوان؟
وهل كانت عين رجل أم امرأة؟.. في المأثورات الشعبية دخلت العين في اشياء عديدة حتي
جعلت الناس يعزون كل شيء للعين ضارا كان ام نافعا. لكنها احتلت المرتبة الاولي في
اسباب الحسد، وادخلت في الحكم والامثال، وذاع صيتها في الحزن والفرح علي حد سواء،
وتغزل بها الشعراء، حتي اصبحت الواسطة الاولي لجمع قلوب العاشقين علي طريقة الحب من
اول نظرة !
فهل صحيح ان للعين قوة خفية تستطيع تحريك الاشياء من اماكنها؟ وهل هي فعلا العضو
الجسماني الذي يتولي عملية الحسد؟ وايهما اقوي حسدا العيون الملونة أم السوداء؟
ولماذا يخاف الناس من العيون الزرق؟
الحسد في القرآن والحديث
يعتقد كثير من الناس (خاصة في الشرق) ممن يقبلون علي اقتناء التعاويذ والخرز والتمائم بان هذه الادوات تصد عنهم العين الحاسدة وتبعد شرورها، وانها تجلب لهم الخير وتفتح لهم ابواب الرزق.. وقد عرفت العين منذ ازمنة قديمة بانها سبب كبير في وقوع الحوادث والكوارث للبشر، فهي تصيب بقوتها الخفية الاشياء التي يقع النظر عليها وفق ظاهرة اطلق عليها اسم (الحسد)، وقد ذكر الحسد في اكثر من آية في القرآن الكريم، ففي سورة القصص عوذ الله سبحانه وتعالي رسوله من حسد المشركين وأذاهم فقال: (وأن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بابصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون انه لمجنون وما هو الا ذكر للعالمين). وفي سورة الفلق يقول عز وجل (قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد). وقد عرف الحسد بانه نظرة حقد وطمع يحملها الانسان تجاه من هو افضل منه في واحدة او اكثر من الصفات، واول قصص الحسد في تاريخ البشرية حدثت بين قابيل وهابيل حين قتل الاول اخاه الثاني حسدا ليستأثر باخته، وقصة يوسف ليست بعيدة عن الاذهان، في الحديث الشريف قال النبي (ص).. إياكم والحسد فان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .
انفلاق الصخرة
ويعتقد الناس ان اكثر من 60% من الوفيات تعزي الي حسد العين، وان اشياء كثيرة ثابتة يمكن ان تتحرك من اماكنها بفعل قوة العين، ففي تركيا يتناقلون مثلا قديما يقول ثلث الناس يموت من الـNAZAR، ويقصدون به شرر العين . ويتداولون قصة قديمة في احاديثهم تقول.. ان صخرة كبيرة يعادل وزنها قوة 100 رجل كانت موجودة في البحر، واراد الناس ازاحتها عن طريق ملاحيهم الا انها لم تتحرك من مكانها، وكان في القرية رجل اشتهر بان عيونه تحمل قوة خفية!. فحملوه الي مكان الصخرة وحين شاهدها قال: يا إلهي اي صخرة كبيرة هذه، وهنا حدث دوي كبير نتج عن انفلاق الصخرة وغرقها في البحر!.
عند القدماء
ويحكي ان عرب الجاهلية كانوا يستعملون الخرز والتعاويذ والتمائم، وبما ان العربي كان متعلقا بأبله لانها تمثل له الخير، فقد كان يخاف عليها من الحسد وضربة العين، وكان يعتقد بانها اكثر الحيوانات قابلية للاصابة بالعين، يفقأ عين الفحل منها اذا زادت إبله وبلغت الألف تيمنا وحذرا من العين والحسد، (في بعض الدول العربية يكسرون بيضة فوق السيارة المشتراة حديثا.. لنفس الغرض!) كما استخدم العرب (الودعة) وهي خرزة سوداء تعلق في اعناق الصبية بعد ثقبها طردا للشر، وسبق العرب في ذلك الفراعنة والفينيقيين حيث كانوا يرسمون وجه ملكهم فوق خرزة زرقاء، وكان (السومريون) في العراق القديم يستعينون بالحجاب والتعاويذ لاتقاء العين باعتبارها شرا يمكن ان يودي بحياة الانسان وقصة (عشتروت) معروفة حينما اردت ولدها قتيلا امامها بنظرة في عينها.
ممارسات شعبية
وهناك بعض الممارسات الشعبية لدي شعوب الشرق وخاصة العربية منها لاتقاء حسد العين تختلف باختلاف البيئة والمنطقة، ففي تركيا مثلا يستعملون البخور وأنواعاً اخري من المواد المعطرة ذات الدخان ويضعونها في اناء معدني فوق فحم ملتهب فيتطاير الدخان من الاناء حيث يدورون به من جهاته الاربع طردا لعيون الحاسدين، وفي اعراسهم يغطون رأس العروس بغطاء يمسكونه من جهاته الاربعة خوفا من العيون. اما المصريون فيؤمنون بان الفيروز الازرق يبعد السحر عن بيوتهم فيحتفظون به، ويستخدمون البخور وينثرونه علي الارض ويبخرون المحسود لاعتقادهم بانه يحرق الحسد. اما في اليمن فالاعتقاد السائد هناك يقر باهمية وجود حدوة الحصان في كل منزل لابعاد الحسد كذلك الحجر الازرق والفيروز علي هيئة كف. اما في المغرب العربي فيستعمل الحرمل والشب والحجب التي تعلق في رقبة المحسود 40 يوما. وفي العراق يتعمد اهل المولود الجديد (جدته او والدته) بعدم السماح للاقرباء والجيران من رؤية مولودهم الا بعد سبعة ايام من ولادته خوفاً من الحسد ويتضاعف الرقم اذا كان المولود ذكرا، وكانت جدتي تضع بين طيات ملابسي الاحجبة وتعلق علي صدري خرزة زرقاء فيها 7 ثقوب تسميها (ام سبع عيون)، واعتاد الناس وضع بعض الاشياء الطاردة للحسد فوق الابواب الرئيسة مثل رأس الغزال او حدوة الحصان او (فردة حذاء قديم)!. وكانت جارة لنا في حينا القديم بمدينة الموصل بالعراق تكثر من الصلاة والدعاء للنبي الكريم محمد (ص) حيث كانت تردد بعض الكلمات مع دخول اي زائر الي دارهم فتقول:
صلاة ترد إبليس | ياناس صلو عالنبي |
وصلاة ترد العين | وخلو صلاته صلاتين |
وعند بعض الشعوب كانت (المولدة) تسرع بلف المولود بقماش وتصبغ وجهه برماد الموقد الاسود ثم تكحل عينيه وتضع في اغطية رأسه (أبرة) وقاية من شر الحاسد كما تعتقد، والبعض يضع (سكينا) تحت الوسادة التي ينام عليها الطفل.
رأي علمي
وقد انقسم البشر شرقيهم وغربيهم في نظرتهم للعين الحاسدة وتباينت عندهم الاعتقادات، فهناك من يقول ان الحسد ضرب من الخرافات والافكار الغريبة التي لا يمكن التفكير بها في عصر التكنولوجيا المتطورة، وآخرون يمسكون العصا من الوسط فهم يجاهرون بعدم ايمانهم بحسد العين لكنهم في الخفية يقتنون التمائم والابقونات والحروز لابعاد الاخطار عنهم. اما الفئة التي تؤمن بذلك فكثيرة ومتشعبة الاجناس والانتماءات (خاصة في الشرق) فمنهم من رجع الي القرآن الكريم والاحاديث الشريفة ويعود الي المشايخ والرجال الصالحين في حالات عديدة، وآخرون من بسطاء الناس يسوقهم قدرهم الي المشعوذين والسحرة والدجالين لفك الحسد ورد ضربة العين اعتقادا منهم بان ذلك من عمل الجن والشياطين.
فيما دأب خبراء البحوث النفسية وعلماء الاجتماع لبحث هذا الموضوع ودراسة الادراك الحسي خارج نطاق الحواس والالهام وتفسير ظاهرة التخاطر التي تتولد لدي الانسان علي شكل قوة روحية هائلة يستطيع الشخص من خلالها اذا تهيأت له ظروف خاصة تحرره من القيود البدنية ان تدرك او تشعر باحداث تقع في اماكن بعيدة، ويستطيع الشخص الذي يمتلكها ان يتبادل المشاعر والخواطر مع ارواح اشخاص آخرين، لهذا فالتفسير العلمي لظاهرة الحسد يقول: (بانها قوة روحية هائلة يستطيع حاملها اذا ما تهيأت له الظروف ان ينتقم او يحقد (يحسد).. بان يصدر موجات لم يتم التعرف علي نوعيتها لحد الآن تؤدي الي احداث انقلاب في حياة الشخص الذي يقع عليه الانتقام ماديا او جسديا او نفسيا).