لما حدثت الفتنة الطائفيّة التي إفتعلها الأجانب بين الدروز والنصارى في جبل لبنان سنة 1860م تمادت ذيول هذه الفتنة حتى عمت البلاد وبلغت مضاعفاتها الوخيمة أكثر القرى والدساكر اللبنانيّة التي تركها قسم كبير من سكانها وهبطوا إلى مدينة بيروت لائذين بحماها الهادئ المستقر. فنهض بطرس البستاني من أهالي الدبيّة بلبنان الذي إشتهر بين الناس آنذاك باسم (المعلم بطرس البستاني) وبادر إلى تأسيس مدرسة أهليّة بمساعدة المبشّرين الأميركان الذين لم يبخلوا عليه بخبرة رجالهم وسخاء أموالهم، وكذلك بالكتب المدرسيّة التي ترجموها أو ألفوها بما يتلائم وأغراضهم التبشيريّة وطبعوها له بمطبعتهم التي كانوا نقلوها من مالطة لبيروت حوالي سنة 1834م.
وشرّعت هذه المدرسة الوطنيّة أبوابها لجميع أبناء الوطن دون تمييز في الدين أو في المنطقة أو في الطبقة الإجتماعيّة. وجعل برنامجها التعليمي محاكياً للمدارس الأجنبيّة الراقية. وكان التعليم فيها يشتمل على الموالد التالية: العربيّة، والفرنسيّة، والإنكليزيّة بعلومها وآدابها، مع الخطابة والشعر، والرياضيات والترجمة والتاريخ والجغرافيا.
وكان لهذه المدرسة (عمدة) للإشراف عليها وتنظيم سير العمل فيها. وهذه العمدة كانت بمثابة ما نسميه اليوم (مجلس الأمناء) وهي مؤلفة من الأعيان والعلماء في زمانهم، وفيما يلي أسماؤهم :
■سعيد شقير
■إبراهيم الباحوط
■سعد الله البستاني
■عبد الله البستاني
■شاهين سركيس
■الشيخ خطّار الدحداح
■ سليم البستاني
■خليل ربيز
■عبد الله شلبي
■فضل الله غرزرزي
■بطرس البستاني (رئيس العمدة)
■الشيخ يُوسُف الأسير
وهذا الأخير كان المسلم الوحيد في هذه العمدة. وربما كان اختياره بسبب الرابطة العلميّة التي كانت تربطه بالمرسلين الأميركان الذين كانوا يكلفونه بتصحيح العبارة العربيّة للعهد القديم (التوراة) نظراً لتفوقه في علوم اللغة العربيّة بما يؤهله لتقويم الأسلوب العربي للترجمة التي عملوها لهذا الكتاب الديني. ولقد حرص البستاني على ضمّ الشيخ يُوسُف الأسير المسلم إلى عمدة مدرسته من أجل إضفاء الطابع الوطني عليها وإبعاد الصفة الطائفيّة عنها.
وكان الغرض من إنشاء بطرس البستاني لمدرسته في ذلك الحين معالجة الرواسب السلبيّة التي خلفتها فتنة 1860 الطائفيّة في المجتمع اللبناني البيروتي عن طريق التثقيف العلمي والتوجيه العلماني (الوطني).
في سنة 1863م جرى إفتتاح هذه المؤسسة تحت إسم (المدرسة الوطنيّة) وكان موقعها آنذاك في محلة زقاق البلاط خارج سور مدينة بيروت من الجهة الغربيّة. وقد علم في المدة الأخيرة، بأن الحكومة اللبنانيّة اشترت بناء هذه المدرسة بإقتراح من الأستاذ كاظم بك الصلح النائب بالبرلمان اللبناني، رحمه الله، واعتبرت هذا البناء من الآثار اللبنانيّة والتراث الوطني.
وبالفعل، فإن هذه المدرسة إمتازت، في حينها، بحرية التعليم والدين وكانت صبغتها أهليّة، أي وطنيّة حسب اصطلاح أهل ذلك الزمان، وأخرجت من صفوفها عدداً من حملة الأقلام في العالم العربي، وكانت مواد التعليم في تشتمل على اللغات الأجنبيّة : الفرسيّة، والإنكليزيّة، واليونانيّة، فضلاً عن اللغة العربيّة لغة أهل البلاد القوميّة. إلا أن تكاثر المدارس الطائفيّة، من محليّة وأجنبيّة أضعف استقطابها للتلاميذ وأدى في النهاية إلى إغلاقها في سنة 1871م. وإنتقل مؤسسها بطرس البستاني إلى مشاركة الفس كرنيليوس فاندايْك في تأسيس مدرسة في عبيه بلبنان حيث كان يعلم فيها مواد الصرف والنحو والمعاني والبيان والأنساب والعروض والمساحة وعلم الهيئة (أي الفلك) وغير ذلك.
وفي متناولنا قائمة بأسماء الأساتذة الذين تولوا التدريس في المدرسة الوطنيّة نشرها الدكتور شاكر الخوري المتوفى سنة 1913م في كتابه (مجمع المسرات) المطبوع ببيروت سنة 1908م والدكتور المذكور كان من تلاميذ هذه المدرسة. وفيما يلي تفصيل أسمائهم مع بيان المادة العلميّة التي كانت من اختصاص كل منهم:
■الرئيس المعلم بطرس البستاني، كان يعلّم صفاً باللغة الإنكليزيّة.
■ نائب الرئيس سليم البستاني إبن بطرس، كان يعلّم الصف الأول في الإنكليزيّة.
■ الست سارة البستاني بنت بطرس ، كانت تعلّم صفاً قي الإنكليزيّة أيضاً.
■ الشيخ ناصيف اليازجي، كان يعلّم الصف الأول في العربيّة .
■ الشيخ إبراهيم اليازجي، كان يحل محل والده الشيخ ناصيف إذا غاب .
■الشيخ يُوسُف الأسير، كان يعلّم اللغة العربيّة، مادة الصرف .
■ الشيخ خطّار الدحداح، كان يعلّم اللغة الفرنسيّة للصف الأول .
■ لشيخ قبلان الدحداح، كان يعلّم اللغة الفرنسيّة للصف الثاني .
■ المعلم سعد الله البستاني، كان يعلّم اللغة الفرنسيّة للصف الثالث.
■ المعلّم أسبر شقير، كان يعلّم اللغة الفرنسيّة.
■ المعلم سعيد شقير، كان يعلّم اللغة الفرنسيّة.
■ المعلم شاهين سركيس، كان يعلّم العربيّة والحساب للصف الثاني.
■ المعلم يوسف الباحوط، كان يعلّم العربيّة والحساب.
■المعلم إبراهيم ناصيف، كان يعلّم اللغة العربيّة.
■المعلم سليم تقلا، كان يعلّم المبتدئين في اللغة العربيّة.