عندما طما سيل الصليبيين باتجاه بلاد المشرق العربي في أوائل القرن السادس الهجري وأوائل القرن الثاني عشر الميلادي، قصد بغدوين بيروت ليفتحها بعد أن تملّك القدس الشريف سنة 1102م، إلا أنها امتنعت عليه وتحصّن أهلها داخل أسوارهم حتى أجبروا القائد الصليبي للرحيل عن البلد يائساً من أخذها.
إلا أن بغدوين أعاد الكرّة على المدينة في سنة 1109م مع الكونت برتران دي صنجيل ونزل على ثغرها براً وبحراً وعاونهم جوسلين صاحب تل باشر، فعملوا أولاً برجاً من الخشب من صنوبر بيروت، ونصبوه على سور المدينة فكسره المسلمون بحجارة المنجنيق، فأرسل الملك بغدوين إلى السويدية يستنجد بمن فيها من أهل جنوا فأمده هؤلاء بأربعين مركباً مشحونة بالمحاربين، فزحف الجميع على بيروت في نيسان سنة 1110م ونصبوا الأبراج على أسوار المدينة التي سقطت تحت وطأة هذا الزحف الهائل يوم الجمعة في 28 من شوال سنة 503 هجري، فأعمل الصليبيون السيف في أهلها من الرجال والنساء والأطفال حتى جعلوا منها أُمثولة روعت باقي المدن فاستسلمت إلى قواتهم حتى لا يكون حظها من هذه القوات حظ بيروت المنكوبة.
وصف السور في بيروت كما بناه الصليبيون
بناه حاكمها جان ديبلين بعد أن كان صلاح الدين الأيوبي أمر بهدمه حتى لا يستفيد منه الصليبيون إذا عادوا إليها ، قال أولدنبرغ: (يمنع البحر ثغر بيروت من جهتها السفلى مع ما هنالك من الصخور العالية، وتحميها من الجهة الأخرى خنادق مبلطة تحت حراسة سورين متينين فيهما عدة أبراج غاية في الشدة تبطل كل ضربات العدو، وكانت هذه الاستحكامات استوجبت أشغالاً طويلة ولا سيما أن نقوشها الداخليّة بلغت النهاية في الحسن والإتقان).
الشريف الإدريسي قال في كتابه المعروف (نزهة المشتاق في أخبار الآفاق) بقوله: (إن عليها سوراً من حجارة كبيرة واسعة)، وكان ذلك حينما زارها سنة 1180م وهي إمارة صليبيّة.