في سنة 1516م دخلت مدينة بيروت فيما دخلت فيه سائر المدن الشاميّة التي اكتسحتها جيوش بني عثمان بقيادة السلطان سليم الأول، ولم تقْو حصونها ولا سورها على وقف اندفاع العثمانيين إلى داخلها ورفع راياتهم فوق معاقلها.
وكان آخر ولاة بيروت في العهد المملوكي ناصر الدين محمد إبن الحنش المقدَّم على بلاد البقاع وما والاها، وفي عهده بنيت المئذنة المربعة الجميلة، للجامع العمري الكبير كما هو مرقوم على النقيشة التي تعلو بابها، وعلى الرغم من أن هذا الوالي إعترف بالأمر الواقع ورضي بالسلطان الجديد إلا أنه عاد فنبذ الطاعة وأعلن العصيان، فكلف السلطان سليم نائب الشام جان بردي الغزالي بأن يتولى والأمير جمال الدين الأرسلاني الزحف عليه وقتاله وإزاحته من الديار التي كانت تحت ولايته وهي صيدا وبيروت التي كانت تابعة لها والبقاعين، الغربي، والشرقي، وقد قتل إبن الحنش في أثناء المعركة وآلت المناطق التي كانت له إلى جان بردي الغزالي الذي ضّمها إلى نيابته على الشام.
على أن الانتصار الذي أحرزه الغزالي أبطره على ما يظهر، فبعد أن كان يصانع العهد الجديد، حدثته نفسه بالاعتماد على قوته الذاتية والانفصال عن سلطة سادته العثمانيين وإعلان استقلاله ببلاد الشام، وذلك بعد وفاة السلطان سليم وتولي إبنه السلطان سليمان القانوني مكانه، فما كان من العاهل العثماني الجديد إلا أن أرسل إلى المتمرد قوة ضاربة ما لبثت أن قضت عليه وصرعته في قرية القابون القريبة من دمشق.
وفي تلك الأيام، كانت بيروت ما تزال محصنة بسورها، وبسائر الأبراج التي تعاقب على بنائها الحكام السابقون، ولم يعرف أن العثمانيين، باشروا أي عمل استراتيجي، لا في السور ولا في غيره من التحصينات الأخرى عندما آلت المدينة إلى سلطانهم.