كانت السنة 1658م هي آخر عهد المعنيين ببيروت، ففيها توفي الأمير ملحم بن يونس، إبن أخ الأمير فخر الدين بعد أن مكث في دست إمارة بيروت والمناطق التي كانت بعهدة عمّه فخر الدين زهاء العشرين سنة، فلما أنتقل إلى جوار ربه سنة 1657م استعادت الدولة العلية العُثمانيّة المبادرة في تعيين الولاة على مدينة بيروت بالذات، دون الجبل الذي تركته لبقايا آل معن يحكمونه إلى سنة 1697م، وهي السنة التي انتهت فيها سلالة المعنيين بوفاة آخر أُمرائهم الأمير أحمد المعني دون عقب ذكر يرث الحكم من بعده مما جعل الدولة والأهالي يتفقان على خلافة أنسباء المعنيين في مراكزهم الحكوميّة إذ كان هؤلاء وأولئك يمتّون بصلة القربى بعضهم من بعض عن طريق المصاهرة والنساء.
وكان أول الولاة الذين عينتهم الدولة مباشرة من قبلهاعلى مدينة بيروت محمد باشا الأرناؤوطي وذلك سنة 1656م بعد أن فصلتها عن صيدا، على أن أمراء البيت الشهابي الذين توارثوا الحكم في جبل لبنان ما لبثوا أن مدوا رواق سلطانهم على الساحل الموازي لجبلهم، ولم يدخروا جهداً في الوصول إلى بيروت نفسها التي انتهى بها الأمر أخيراً إلى الدخول في جملة أملاك آل شهاب أيام الأمير منصور الذي لم يلبث أن توارى عن مسرح الحكم متخلياً عن السلطة الفعليّة لابن أخيه الأمير يوسف بن ملحم في اجتماع حاشد ضمّ أعيان جبل لبنان الذين دُعوا لمؤتمر كبير لهذا الغرض في الباروك عُقد سنة 1770م .
أما الأمير السابق الذي أقال نفسه اختياراً قبل أن يُحمل على الاستقالة اضطراراً، فإنه آثر أن ينفق ما تبقى من عمره بهدوء في بيروت نفسها، حيث انتقل إلى جوار ربه حتف أنفه سنة 1774م ودُفن في جامع النوفرة الذي بناه الأمير منذر بن سليمان التنوخي الواقع بجوار قيصريّة آل شهاب في المكان الذي أصبح فيما بعد سوق البازركان وهو السوق الذي عرفه آباؤنا بسوق الخياطين العربي.
أما الأمير الجديد لبيروت، الأمير يوسف، فقد ابتدأ قوياً مهاباً ثم ما لبث أن اضطربت أحواله وكثرت متاعبه بسبب المملوك البشناقي الذي احتضنه وكلّفه بإدارة دفة الحكم نيابة عنه ببيروت والذي أصبح بعد فترة قصيرة يُعرف بأحمد باشا الجزّار، أشهر الولاة الذين عرفتهم هذه المدينة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد، وهو الباشا الذي جعل لسور بيروت أهميّة قصوى في الأدوار العسكريّة والتاريخيّة التي تقلبت على لبنان ما يزيد على نصف قرن من الزمان تقريباً أي من سنة 1773م حتى سنة 1841م.