بعد انسحاب الجزّار من بيروت خلا فيها الجو للبُّنانيين ولا سيما أمراء آل شهاب الذين تهافتوا على السكنى فيها واتخاذ القيسريات لهم ولعائلاتهم وأبنائهم وزوجاتهم، ولقد تكاثر بنو شهاب وأهل جبل لبنان في بيروت بعد إخراج الجزّار منها وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من دون هذا الحاكم الذي غادر المدينة في حماية ظاهر العمر ليكون تحت كنفه في فلسطين، ثم عاد الخصم اللدود أحمد باشا الجزّار إلى سابق عزه وسالف مجده بموجب فرمان شاهاني أصدره السلطان عبد الحميد الأول بولاية صيدا، وقد جعل الجزّار من مدينة عكا قاعدة لحكمه، ثم إلتفت إلى بيروت التي أُخرج منها مقهوراً بحراب القراصنة الروس وقذائف مدافعهم ليسدد حساباته القديمة فيها مع الأمير يوسف الشهابي الذي ما أن علم بعودة الجزّار إلى مكانته لدى البابا العالي حتى بادر إلى اتقاء بأسه بالمال تارة والرجال تارة والوفود المحمّلة بأجود الهدايا على متون الجياد.
ولكن أحقاد الجزّار كانت أقوى من إغراءات الأمير يوسف واسترحاماته فلم ير هذا بدًّا من التضحية بالجاه قبل أن يضطر للتضحية بالحياة فأرسل أحد أنسباه وهو الأمير بشير بن قاسم إلى عكا قائلاً له: إنزل يا إبني إلى عكا وتولّ مكاني، فاجابه الأمير الشهابي الشاب وكأنه يقرأ سطور الواقع الذي تخفيه الأيام بين شفتي حاكم عكا، إني أخاف أن أنزل ابنك وأطلع ابن الجزّار ! ... .
ولم يكذب حدس الأمير بشير لأن الجزّار وجد أن الوقت قد حان للتخلص نهائيًّا من الأمير يوسف والقضاء على نفوذه وحياته معاَ، فخلع رداء الإمارة على عاتق الأمير الشاب الذي لم يكن عمره آنذاك يتجاوز 21 سنة وأوعز إليه بمضايقة نسيبه وإخراجه بالمتابعة والمصادرة وهكذا كان، فلم يلبث الأمير يوسف غير قليل إلا وأصبح في قبضة خصمه اللدود رهين السجن هو ومدبِّره، وفيما كان الجزّار في الديار المقدسة يؤدي فريضة الحج كتب إلى نائبه في عكا أن يشنق الأمير يوسف ومدبِّره الشيخ غندور الخوري وبينما كان حبل المشنقة يخمد أنفاس الأمير تلاشت أنفاس مدبِّره من الخوف.