بيروت كانت على مر العقود عاصمة ثقافيّة وعلميّة وأجنبيّة للعالم العربي، وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار الكتب والمطبوعات المتنوعة الصادرة أو المطبوعة في بيروت ندرك كم تزداد أهمية بيروت الثقافيّة والعلميّة والحضاريّة. ومما لا شك فيه أيضاً أنه لولا توفر الفكر أولاً وتوفر المطابع والإمكانيات الفنيّة لما إستطاعت بيروت تنفيذ هذه الأعمال والمطبوعات. من هنا أهميّة الحديث عن ربط الصحيفة والمجلة والنشرة والكتاب بالمطبعة التي تنفذ هذه الأعمال الثقافيّة والعلميّة. والأمر اللافت للنظر على مر العصور أن القيمين على المطابع والطباعة كانوا يتميزون بثقافة رفيعة المستوى، وبعلم لافت، فلم تكن مهنة الطباعة مهنة تجاريّة، بقدر ما كانت ميداناً ثقافيًّا وعلميًّا، بل وكانت تعتبر مهمة رسوليّة. ولا عجب أن تكون بيروت ولبنان مطبعة الشرق، طالما أن دير مار أنطونيوس قزحيا في وادي قنوبين قد شهد سنة 1610م نشوء المطبعة الأولى في الشرق والتي إستخدمت الحرف السرياني وطبع فيها كتاب (مزامير داوود) بالسريانيّة والكرشونيّة (الكرشونيّة هي السريانيّة المكتوبة بالحرف العربي).
وفي دير القديس مار يوحنا الصايغ في الخنشارة تأسست المطبعة العربيّة الأولى في الشرق والتي إستخدمت الحرف العربي عام 1733م، لهذا عمد لبنان الرسمي إلى الإحتفال بمرور 250 سنة على وفاة مؤسس المطبعة العربيّة الأولى في العالم الشماس عبد الله زاخر، وقد إتخذ قرار بتحويل المطبعة إلى متحف وجرى إفتتاحه في إحتفال رسمي في 12 حزيران 1998م بحضور رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة والمسؤولين.
في عام 1808م أحضر الراهب سيرانيم الشوشاني مطبعة معه من روما، وأنشأ مطبعة ثانية في دير مار قزحيا خصّصت لطباعة الكتب الدينيّة.