محمد الموجي
محمد الموجي
الموسيقار محمد
الموجي، موهبة فذة في تاريخ الغناء العربي، حتى أن ألحانه الفطرية يتم
تدريسها الآن
في معهد الموسيقى العربية. صعد الموجي سلم التلحين بسرعة، وأصبح القاسم
المشترك في
نجاح أم كلثوم، والعندليب عبد الحليم حافظ، وغيرهما من قمم الغناء، في زمن
الفن
الأصيل. في السطور التالية يتحدث ابنه الملحن الموجي الصغير عن مشوار
حياته.
يقول الموجي الصغير : ولد محمد الموجي عام
1923
في مدينة كفر الشيخ
المتاخمة للإسكندرية. كان يهوى الغناء، وقد لا يعرف الكثيرون انه بدأ حياته
الفنية
مطربا قبل أن يتجه إلى التلحين، الذي برع فيه وبرزت من خلاله موهبته
الحقيقية. أما
ميلاده كملحن فقد كان مع عبد الحليم حافظ، الذي غنى له "صافيني
مرة"، التي كانت
أيضا سببا في بزوغ نجم العندليب، الذي كان قد اكتشفه الموسيقار الراحل كمال
الطويل.
وهكذا فقد ارتبط الموجي والعندليب في رحلة غناء ناجحة جدا، غنى خلالها
المطرب
الأسمر
88
أغنية من ألحان الموجي، اشهرها (ياحلو يا اسمر)،
(يا مواعدني بكر) ،(ظالم)،
(تقوللي بكرة)، و(قارئة
الفنجان).
أول لقاء بينه وبين فايزة أحمد كان من خلال أغنية (أنا قلبي إليك ميال)، وبعدها غنت من ألحانه (يمه القمر ع الباب)، وقد لاقت نجاحا كبيرا. وربما كان هذا النجاح هو الذي قدمه إلى كوكب الشرق، التي سعت إليه بنفسها لتغني من ألحانه.
كان الموجي يحلم بأن تغنى كوكب الشرق من ألحانه، ولم يصدق نفسه عندما اتصلت به ودعته إلى زيارتها في بيتها.
هناك في منزل الست
التقى الموجي بالعملاقين، الشاعر أحمد رامى، والموسيقار محمد القصبجي.
كان
الموجي يخشى هذا اللقاء ويتمناه في الوقت نفسه، وقد خرج منه أكثر ثقة في
نفسه،
وموهبته بعد أن أشاد به القصبجى وقال له: {أنت القصبجي الجديد}.
إنتهى اللقاء
بأن عهدت إليه أم كلثوم تلحين نشيد "الجهاد"،
الذي غنته في نادي الجلاء للقوات
المسلحة بالقاهرة. بعد انتهاء الحفل أخذت سومة الموجي من يده، وقدمته
للجمهور،
الذي كان يضم في هذا الحفل قيادات ثورة يوليو
1952،
بينهم جمال عبد الناصر.
بعد
ذلك لحن لها أغنيتي (رابعة العدوية)،
و (الرضا والنور)، اللتين استغرقتا
منه وقتا
طويلا كي ينتهي من وضع اللحن. ووصل الأمر بكوكب الشرق أن قدمت شكوى للرئيس
جمال عبد
الناصر، الذي قال لها مداعبا: {احبسهولك حتى ينتهي من التلحين}.
وإستمرت مسيرة
الأغنيات بين الموجي وسومه التي غنت من ألحانه (محلاك
يا مصري)، (بالسلام إحنا بدينا)،
(يا سلام على الأمة)، و(صوت
بلدنا)، وهى كلها أغنيات وطنية
حماسية.
أما أغنية (للصبر حدود)، فأدخلت الموجي المحكمة، فقد كانت أم كلثوم قد اتفقت معه على أن ينتهي من اللحن خلال شهر، ومضت الفترة ولم ينته من اللحن، فأقامت ضده دعوى في المحكمة. وما حدث بعد ذلك يثير الضحك، فقد وقف الموجي أمام القاضي الذي سأله: "لماذا لم تنهي اللحن في الميعاد المحدد؟" ورد الموجي: احكم علي بالتلحين فقال له القاضي: حكمنا عليك بالتلحين، ثم رد الموجي قائلا: نفذ الحكم. قال له القاضي: كيف؟ قال له الموجي: افتح رأسي واخرج اللحن.
وترافع الموجي عن نفسة قائلا: أنا لا اعمل كالآلة تضع فيها شيئا فتخرج لحنا" على التو واللحظة، إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت كاف حتى يخرج اللحن إلى النور. وسومه ليست مطربة عادية. بعدها قال القاضي: عندك حق يا موجى، سأحفظ القضية، وأنت حر مع أم كلثوم.
ذهب الموجي إلى أم كلثوم يعاتبها لأنه دخل المحكمة بسببها، فقالت أم كلثوم: مهو للصبر حدود يا محمد، وكلما بحثت عنك لم أجدك فأخبرني ماذا أفعل غير ذلك. والوقت ليس في صالحي. يوم تذهب إلى عبد الحليم، ويوم تكون لدى صباح، أو شادية، أو فايزة، فاحترت معاك". وضحك الإثنان، وتم الصلح.
لكنهما اختلفا مرة أخرى على لحن الكوبليه الأخير (متصبرنيش ما خلاص أنا فاض بيا ومليت)، لكن هذه المرة لم يتراجع الموجي ولم يغير اللحن، وترك العود في صالون أم كلثوم، ومضى غاضبا، واعتكف في منزله، ورفض أن يتحدث مع أحد، إلى أن طلبت أم كلثوم من الحفناوي وعبده صالح أن يذهبا إليه، ويقنعاه بالعودة إليها لتناقشه، وهناك اتفقوا على أن تغني اللحن كما هو. ونجحت الأغنية نجاحا منقطع النظير. ولحن بعدها أغنية (اسأل روحك)، وأهدته بعد نجاحها خاتما من البلاتين الأبيض.
أغنية (صافيني مرة)، رفضها كثير من المطربين والمطربات الذين عرضها الموجي عليهم، بينهم عبد الغنى السيد، وعبد المطلب، وشهرزاد، وغيرهم. جميعهم أجمعوا أن اللحن والكلمات ليست من اللون الذي يقدمونه. في نهاية المطاف قدمها الموجي إلى العندليب الذي كان في بداية مشواره الفني، قال عبد الحليم بأسلوبه الضاحك: "سأغنيها ورزقي ورزقك على الله يا موجي"، ونجحت الأغنية نجاحاً باهراً، وبدأ الاثنان الاستعداد لفيلم لحن الوفاء، في الفيلم كانت أغنية (أحن إليك)، ستغنيها شادية، لكنها رفضت، وقالت إن اللحن لا يناسبها لكنه يتناسب مع عبد الحليم حافظ، واضطروا إلى تغيير جزء من السيناريو بسبب الأغنية.. التي غناها العندليب، ونجحت. بعدها غنى من ألحان الموجي (نار ياحبيبي نار).
كان الموجي وعبد الحليم كثيرا ما يختلفان حول كوبليه يا مدوبنى في أحلى عذاب هبعتلك بعنيه جواب، وبعد نجاح الأغنية أخذ عبد الحليم يداعب الموجي: شفت يا محمد الكوبلية اللى انت كنت عايز تغيره عجب الناس.
لكن يبدو كما يقال مفيش حلاوة من غير نار، لأنهما اختلفا مرة أخرى، وغضب الموجي، وقاطع عبد الحليم.
ولم يكن العندليب ليقبل أن يخسر موهبة مثل الموجي. فلجأ إلى أم أمين زوجة الموجي، يوسطها في الصلح بينهما، وهى بدورها لجأت إلى حيلة ذكية لإقناع زوجها، قالت له سوف يحضر اليوم إلينا من البلد أقاربي، فجلس الموجي ينتظرهم، وإذا بالضيف القادم هو العندليب، ودار بينهما عتاب حاد انتهى بالصلح.
لكن كان هناك من يتربص لعبد الحليم والموجي، وأرادوا أن تكون هناك فجوة بينهما، وأشاعوا أن "أم أمين"، تقوم بأعمال السحر لعبد الحليم حتى يظل مريضا طوال عمره، وبدأت الصحف تكتب عن "أم أمين"، وسحرها المزعوم، لكن العندليب خرج عن صمته ليكذب هذه الأخبار.
كلما وقع خصام بين عبد الحليم والموجي، فإن الموجي يتجه للتلحين لمطرب جديد، وقتها، مثل محرم فؤاد، وماهر العطار، وعبد اللطيف التلبانى، وهاني شاكر، وكمال حسنى، إلى أن يعودا معا مرة أخرى.
وكان الموجي قد بدأ ألحانه مع عبد الحليم بالأغنيات العاطفية، ثم كانت الأغنية العاطفية الشهيرة (قارئة الفنجان).
حصل الموجي على الميدالية البرونزية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1965 ، وعلى وسام العلم، ووسام الاستحقاق من الرئيس السادات عام 1976 وفي عام 1985 حصل على شهادات تقدير من الرئيس مبارك.
وحصل على أوسمة ونياشين من أغلب ملوك ورؤساء الدول العربية.
كان الموجي قد رفض عرضا مغريا قدمته له إحدى شركات الغناء الإسرائيلية التي طلبت أن يلحن لها أغنيات مطربيها مقابل 3 ملايين دولار.
وقد وافته المنية في أول شهر تموز عام 1995 بعد رحلة طويلة مع الألحان والإبداع.