كانت هذه الساحة فسحة متسعة، تلعب الصبية في رمالها النظيفة. وكان فيها بعض شجرات من الجمّيز يستظل بها المتنزهون الذين يقصدونها لقربها من المدينة القديمة. وكانت تمتد بين بابي الدركة ويعقوب. وقد سُمّيت بساحة السور لملاصقتها بسور المدينة وقد بقيت على حالها إلى سنة 1860م حيث مدت في جانبها الشمالي طريق العجلات وعلى جانبيها الجنوبي ـ القبلي ـ المخازن والدكاكين. ولدى تشكيل المجلس البلدي سنة 1879م إبتاعت البلديّة هذه الحوانيت وهدمتها لجعل الساحة منتزهاً في غربي المدينة كما جعلت ساحة البرج منتزهاً شرقيًّا. وقد حاول محيى الدين حمادة أثناء رئاسته المجلس البلدي سنة 1882م إنشاء المنتزه المذكور، ولكن قلة المال حالت دون هذه الرغبات. وأصبحت الساحة محطة لباعة البطيخ والليمون والفحم ومربطاً للبهائم وكثرت فيها المقاهي والأكواخ الخشبيّة لباعة المآكل. وفي جانب هذه الساحة كانت تنصب في العيدين القلاّبات والأراجيح قتزدحم الساحة بأنواع الألعاب.
ويروى أن أولاد ساحة الدركة إتفقوا يوماً أن يقفوا صفاً بإنتظام لتأدية السلام إلى والي المدينة وكان والي الأيالة يومئذ صالح وامق باشا ـ وهذا تولى أيالة مدينة صيدا ثلاث مرات ـ وكان منزله في المرة الأخيرة سنة 1273هـ في محلة جمّيزة يمين (القنطاري اليوم) وكانت طريقه إلى دار الحكومة عن طريق ساحة الدركة، فمر يومئذ وسلّم عليه الأولاد ولم ينتبه أو لم يرق له الإلتفات إلى أطفال فيرد لهم التحيّة، فشق ذلك عليهم وأجمعوا أن يحفروا في طريقه حفرة عمقها نصف ذراع وذراعها نصف ذراع، تستر فوهاتها بقضبان رفيعة وهشيم يعلوه الرمل، ففعلوا، وعند عودة الوالي مساءً إبتعدوا عن المكان مترقبين، وكان من عادة الوالي أن يركب فرساً تحيط به حاشيته من الجنود والأتباع والحشم والأغوات، فتعثرت رجل الفرس بحفرة، إلا أن الوالي كان فارساً ماهراً فلم ينله أذى، وكان ينهض من حفرة إلى أخرى وكذلك حاشيته التي ساءها الأمر، فعزمت على إنزال العقاب في أولاد المحلة فكان الوالي أسرع منهم في ردعهم عن ذلك. وقد إمتنع أولاد المحلة مدة عن الإجتماع في الساحة المذكورة عند مرور الوالي ثم إجتمعوا مرة أخرى ووقفوا له موقف التعظيم فسلّم عليهم وتلقوا سلامه بالإكرام والإحترام.
وقد إرتبط إسم ساحة السور(عصور) وجميزتها بعائلة النحيلي ـ أو النحيلة ـ البيروتيّة من خلال المثل الشعبي القائل: كبرت بنت النحيلي عن جمّيزة عصور. وحكاية هذا المثل كما رواها المرحوم مواهب فاخوري نقلاً عن أبيه، قال: كانت صبيّة حلوة من عائلة النحيلي قد إتخذت من جمّيزة عصور مكاناً تبسط فيه ما كانت تبيعه. وتوقف ذات يوم متصرف بيروت عند الجمّيزة وأُعجب بجمال الصبيّة فخطبها وبعدها أصبحت زوجته شافت حالها كما يقال.
بني في الساحة المذكورة سنة 1898م السبيل الحميدي في بيروت المحروسة
حل مكانه تمثال الرئيس رياض بك الصلح