ندرة الخيول الأصيلة
يقـول المثـل العربي العامي: من قـلَّـة الخيـل شـدِّينا على الكلاب سروج.
ويفخر العرب بأمـور كثيرة كسـيوفهم وكرمهم وبلاغة شـعرهم، كما يفخرون بخيلـهم التي تعتبر من بين أفضل الخيــول في العالم.
ومع أن الجمل هو أعظم الحيوانات نفعاً للعربي، فإنَّ العربي يرى في فرســه حيواناً أرفع منزلةً من كل الحيوانات على الإطلاق، وبالتالي فإنه ينظر أيضاً إلى راكب الفرس على أنه أرفع منزلةً من راكب البغل أو الحمار.
وتختلف السروج التي تُشـَـدُّ على ظهور الخيل عن تلك التي توضع على ظهور الحمير والتي تُسـَـمّى خِـرَجة ومفردها خُرج. سروج الخيل هذه، إذا ما وُضعت على ظهور الحمير فإنها تكون بالتأكيد مدعاةً للسخرية، فكيف بهــا إذن إذا وُضعت على ظهور الكلاب؟!..
وبنـــاءً على ذلك فإن العامة من النـاس تسـتعمل المثل المذكور، للتعبير عن رأيها فيمن يتبوَّأ مركزاً مهماً من المراكز دون أن يكون جديراً به، كالحمير التي تتباهى أو يتباهى بها أصحابها إذا "شُدَّت" عليها ســروج الخيول.
هذا المثل قد أضحى اليـومَ حقيقةً واقعة لا يمكن تجاهلها، إذ أصبح من النادر أن نرى خيولاً بسـروج أو حتى دون ســروج.
لقد أصبح أمراً طبيعيـاً أن نرى الحميـر والبغـال والكلاب وأبناء وبنات عمها وهي تسير متقدمةً القوافل، تحمل السروج المزركشـة، تزينها الأوسـمة والنياشـين والأسماء الكبيرة الرنـانـة..
بعض الحمير التي ارتفعـت مراكزهـا، اسـتغنت عن السوط الذي يأتي مع ملحقات الســرج مجانــاً، لكنها إذ لم تستطع الاستغناء عن العصا التي تعـودَّت على نخزهـا لمؤخراتهـا، فقــد رأت أن تحسـِّـنَ من مسـتواها، فجعلت لهــا طرفــا ًمدبباً ومذهَّـبــاً، واختارت لها اسماً جديداً حيث دعتها بعصا المارشالية، ثم أخذت بعد ذلك ترفس على طريقـة الحصان بمجرد أن شـعرت بكامــل العدَّة تسـتقـرُّ فوق ظهرهـا.
ولقد أدَّى انعدام الخيـول الأصيلة في العالم العربي إلى زيادة ملحوظة في عدد البغال والحمير والكلاب؛ فأصبـح المجتمع هناك يقبل بها أمراً واقعاً لسدّ العجز في ميزانيـة عدد الخيول.
بعض أهل ذلك المجتمع هاجر إلى الغرب ولا زال يـقـبـل بهذا الأمر الواقــع، والبعض الآخر تطبّع بطباع مجتمعه الجديد الذي لا يرى في الكلاب إلاَّ حيوانات للحراسة أو للاسـتمتاع بصحبتها، أو في الحميـر إلاَّ مخلوقـات غبية مكانهـا حدائق الحيوانات للأطفال يتفرَّجون عليها.
يُضرب هذا المثل أيضاً حين يضطر أحدٌ ما إلى قراءة أعمال لأدباء، لا يميزون بين الألف والباء، أو إلى مصاحبة أناس يُطلَق عليـهم مجازاً اسم الأصدقاء، أو إلى الاستماع إلى مطربين، طربُهم كَرَبٌ وصوتُهم عجب.... .