الموال بيت من الشعر المقفى الموزون، وهو على أربعة أشطر وخمسة وسبعة وتسعة، فإذا كان خماسياً، يكون الشطران الأولان من قافية واحدة مع إختلاف في المعنى. والثالث والرابع من قافية أخرى مع إختلاف في المعنى. ويلي ذلك الشطر الخامس وقافيته يجب أن تكون من قافية الشطرين الأولين مع إختلاف في المعنى. وإذا كان سباعياً، اتحدت الأشطر الثلاثة الأولى بقافية واحدة، وهكذا الأشطر الثلاثة الأخرى فإنها تتحد بقافية ثانية وترجع قافية الشطر السابع إلى قوافي الأشطر الثلاثة الأولى، مع إختلاف المعنى. وهكذا... .
ذكر المؤرخون أن الموال نشأ في مدينة واسط مع غناء العمّال والمزارعين الجماعي، الذين كانون ينهون غنائهم بكلمة موجهة إلى سادتهم هي (يا موليا) التي خففت مع الزمن إلى موال أو مواليا. وقيل إن المطربين نقلوا الموليا من الطبع النائح وركّبوا عليها تلاحين تتضمن الغزل والمديح والزهد والشكوى من هموم الدنيا وغدر الزمان وخيانة الناس.
وإنطلق الموال إلى العالم العربي ليأخذ في كل ناحية منه مضموناً وشكلاً يتوافق مع الخصائص والأعراف المحليّة، فكان الموال البغدادي والمصري والشامي والبيروتي.
والموال على وزن البحر البسيط في الشعر وهو :
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن.
وقد تصيب وزنه بعض الزحافات والعلل. ولا يشترط أن تكون كلماته كلها فصيحة، بل يستحسن أن يأتي فيه بعض الألفاظ العامية. وتنطق أكثر كلماته ساكنة غير معرَّبة، ويستخدم فيه التنوين مع الكسر والفتح.
وتلفظ بعض كلمات الموال حسب اللهجة البدويّة، فينطقون القاف في القمر والقلب مثلاً (جا) وتُلفظ الكاف جيماً أو شيناً (باشي بدل باكي)، وتتردد في المواويل كلمات مثل الطارش، الموزما، الجواجي، الهيجا، الضامر ....
أما إتحاد القوافي في ثلاثة أشطر وإتحاد قافية الشطر السابع معهما، فيفرض معرفة عميقة في ألفاظ اللغة ودلالاتها، تمكّن الناظم من الإتيان بثلاثة ألفاظ أو أربعة تتحد في الرسم وتختلف في المعنى، بحيث تؤدي في كل شطر معنى مختلفاً عما ظهر في الأشطر الأخرى. ومن هنا كانت المساجلات الشعريّة في المواويل فرصة لإظهار سعة معرفة الناظم لمفردات اللغة وقوة حافظته وموهبته.
إن إتصال البيروتيين بالحركة الأدبيّة والشعريّة والغنائيّة في عواصم بلاد الشام ومصر والعراق، أدت إلى إنتشار هذا النوع من الشعر الغنائي لديهم.
درج منشدوه الموال على بدء إنشادهم بلفظ (أوف) وهي تصحيف لكلمة (أف) التي تقال للشكوى والتذمّر من ظلم الأيام وظروف الدهر، ولعل هذه النفثة هي أصل المثل البيروتي القائل (براسو موال بدو يغنيه) أي لا بدّ من إظهار ما أضمره الإنسان، مثل شاعر الموال الذي لا بدّ له من إسماع الغير ما ينظم من مواويل. كما درجوا على ترديد بعض الكلمات بين شطر وآخر مثل : أمان أمان يا يابا، نديمي، يا ويلي، أمان أمان يا ربي، يا عيوني .... ويبدو إن قدم إنتشار الموال في بيروت من ديواني مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله، والمفتي القاضي الشيخ أحمد الغر ومن ديوان الشاعر عمر الأنسي.
يُذكر أن المفتي عبد اللطيف فتح الله، كان يوماً من سنة 1230هـ 1814م في مجلس علي آغا أبي مصباح، متسلم بيروت من قبل الجزار وأمين جمركها، فقال رجل بحضوره إنه لا يقدر أحد أن يأتي في موال بلفظ (دُم) أربعاً من غير تكرار ولا تركيب، فعمل المفتي فتح الله موالاً خماسيًّا قال فيه :
يا بدر ، بتار لحظك كم سفك من دم
وطبل مضمار حربك كم أجاد من دم
يا من بهجرك لعناك الجسيم قد دم
إن رمت قتلي فها بادر وعجل فيه
وأترك كلام العذول ان لو مدح أو دم
ويبدوا أن هذا الموال لم يعجب أبا مصباح المذكور، فعمل المفتي فتح الله له موالاً آخر قال فيه :
هجرك بورس السقام جسم المعنى دم
ومدمعه للجفا بالسفح قد سال دم
صلني ، فمن ذا لمحبوب يواصل دم
وأترك كلام العذول فالعذل أقبح شيء
ما أقبح العذل ، كم عاذل به قد دم
وللمفتي فتح الله مواويل كثيرة، منها مواويل دينية، تظهر مقدرته اللغويّة وسعة إطلاعه منها :
يا من بحب الإله من وجدهم تاهوا
هيموا بذكر الإله حياكم الله
من هام في ذكره أحياه مولاه
دوام عن ذكر صاحي وقل: يا هو
ومنها قوله :
عرج على الذاكرين سلم عليهم حي
وانزل حماهم فهم حي ونعم الحي
وادخل إلى ذكرهم معهم بقلب حي
فالحي يحيى القلوب فاذكر وقل: يا حي
يذكر أن البيارتة كانوا يتساجلون بالموال، كالزجّالين، فيستقبلون أحباءهم وضيوفهم بموال، مع إلقاء مميّز، يكررون فيه بعض الأشطر مع رفع الصوت وخفضه وفقاً للمعنى، وعندما عرفت بلادنا الإنتخابات النيابيّة، كان الترحيب يتم بموالين أو ثلاثة. ولذلك قيل بأن لكل موال قصة.
يُذكر أن أحد أبناء رأس بيروت وله، بعد طول حرمان، ولد ذكر سماه أحمد، فشب على جمال خلقه وحسن خلق، فكان ذا قدم على أبيه رحب به بموال يقول:
يا مفرداً بالحسن يا ذا البها يا أحمدا
حبك في قلبي سكن جوا الحشا يا أحمدا
أنا ما لقيت مثلك في الملا يحمدا
لما رأيت المحاسن من خديك نار
أصبحت هايم بحبك والجواجي نار
جد لي بنظرة لأسلم من عذاب النار
لو مات باهي العدل يا فاتني يا أحمد
في سنة 1879م شنق أمين السردوك في بيروت، وقد طلب منه أن يشتم أمه كشرط للعفو عنه بدل القود (أي تنفيذ الشنق) ولكنه رفض وأنشد من على منصة المشنقة موالاً قال فيه:
الحبس لي مرتبـة والقيد لي خلخال
والمشنقة يا عاهرة مرجوحة الأبطال
ثم رفس المنصة بقدمه حسماً للموقف وخوفاً من سريان الخوف إلى قلبه أمام الموت. روى عفيف قليلات أبو علي ما يذكره من موال أمين السردوك على الشكل التالي:
ضميت كسر جماجم وعد رجالها أبطال
أحمد محمد علي باشا بقتلي راد
ونهار جمعة وكل الناس عالميعاد
ركبوني جمل عالي وصاحبو جلاد
السجن لي مرتبة والقيد لي خلخال
وإن جيتي للسيف ضرب السيف عاداتي
والشنقة يا عاهرة مرجوحة الأبطال