كان أهل الجبل والتجّار الغرباء عن بيروت ينزلون في الخانات واللوكندات ولم يكن في بيروت أي قصر للضيافة أو لإستقبال الضيوف الأجانب والزوار الرسميين فكان منزول وجهاء المدينة وأعيانها مكاناً لإقامتهم.
كان الأمير عبد القادر الجزائري أو الزوار وقد وصل إلى بيروت سنة 1856م، فخرجت المدينة لإستقباله والترحيب به. لما سُمع عن بطولاته في الجزائر، فركب عربة الوالي إلى البيت الذي كان بناه عبد الله بيهم سنة 1850م في حاووز الساعاتيّة (تجاه مبنى ستاركو حاليًّا) والذي أشترته الدولة الفرنسيّة سنة 1911م وأسّست فيه المعهد الفرنسي للآثار سنة 1946م.
مدح أبو الحسن الكستي الأمير عبد القادر الجزائري بقصيدة مطلعها:
أسبل البدر للدلال قنَاعهْ فسبى بالجمال أهلَ القنَاعَهْ
إلى أن يقول:
هو للقادر المهيمن عبـــد بهداهُ أعيا الزمان وراعَــهْ
محيي دين العلى أبوه برشـدٍ وإلى جَدِّه تؤول الشفاعــَه
رأيه كالحسام بل ذاك أمضى كم أرانا في المشكلات زَمَاعَه
ما دعا الدهر في قضاء أمور قطّ إلا لبَّاهُ سمعاً وطاعــهْ
وفي زيارته الثانية لبيروت سنة 1862م، أقام له الشيخ محمد أبي النصر اليافي ليلة ذكر في زاويته الخلوتيّة (زاوية أبي النصر).
وتلاه من كبار الزوار، سعيد باشا خديوي مصر الذي وصل بيروت بحراً في حزيران سنة 1859م وحل في دار آل بسترس، وكان أثناء مروره في الطرقات يرش خزنداره نقوداً ذهبيّة للفقراء. وأدب له أنطوان سيّور قنصل دولة نابولي ونقولا المدوّر، وقدمت له عدة قصائد من شعراء بيروت، أجاز عن كل منها من ألف إلى ألف وخمسمائة قرش.
فقال أبو الحسن الكستي:
فسبى بالجمال أهلَ القنَاعَهْ إلى عُلاه تناهى المجد والحسبُ
تمذهبَ الناس في تمداحه شرافــاً أين المقلد يقضي فيه ما يجـب
من معشرٍ لهم في كل كائنــــةٍ ذكر مولد من أسبابه الطــرب
قوم لقد بلغوا المجد غايتهــــم هم الأحبة لا البيضاء والذهـب
وقال الشيخ ناصيف اليازجي في قصيدتين أشار في واحدة منهما إلى نثر الذهب في الطرقات:
يسير والذهب المنثور يتبعـــهُمثل السماء ترش الأرض بالبردِ
فظنَّت الناس أن السحب قد فتحت بقدرة الله دار الضرب من الجلد
وقال في الثانية:
يا زائراً ثغر بيروت الذي إبتسمت لكم ثناياهُ عن أزهار بستــان
لو تقدر الأرض لما زرتها فرشت قدامك الطرق من درٍّ ومرجان
وكان تقرر سنة 1859م قدوم السلطانة شقيقة السلطان عبد العزيز، فبوشر بتنظيف البلدة وإشتغل آل بيهم بتهيئة دارهم ورتب أنطوان بك طريق الأسلكة أمام بنايته مكان الطتحون وعمل سقالة من خشب لنزول الركاب، ولكن الزيارة لم تتم.
وكانت قد حصلت سنة 1858م زيارة المحظية الثانية من حرم السلطان محمود خان، التي قدمت باحدى السفن العُثمانيّة فخرج لملاقاتها الوالي والدفتردار والفرق العسكريّة والذوات بالملابس الرسميّة، وكان من المقرر أن تنزل إلى البر في محلة الرميلة شرقي المدينة قرب منزل الوالي الذي أعدّ لنزولها، ثم وجد ذلك الشاطئ غير مناسب لما كان به من تقلقل الأمواج فاتجهت السفينة إلى أمام الكرنتينا ومن هناك إنتقلت إلى المراكب الذي نقلها إلى اليابسة، ونزلت بهودجها وأمامها الذوات والعساكر إلى دار الوالي على صوت 21 طلقة مدفع ترحيباً بها.
وفي شهر أيار سنة 1859م وصل إلى بيروت بحراً الدوق قسطنطين أمير روسيا وعقيلته ونزل في بيت السيِّد موخين قنصل جنرال العام لدولة روسيا. وأهدى خواتم من الماس (البرلنت) إلى خليل الخوري صاحب صحيفة (حديقة الأخبار) والشيخ ناصيف اليازجي والشاعر أسعد طراد.
وفي نيسان سنة 1872م وصل إلى بيروت بحراً والي سوريا صبحي باشا متوجهاً إلى مركز ولايته في دمشق، فنزل في دار آل حمادة، أما أمين الصرة (وهي المال الذي يرسله السلطان إلى الأراضي المقدسة) موسى آغا، فقد وصل في تشرين الأول سنة 1875م في السفينة الهمايونيّة ملاكوف، وحل في دار آل حمادة أيضاً. ونزل حسين فكري أمين صرة سنة 1887م في دار آل بيهم.
حضر إلى بيروت سنة 1875م الأمير ولي عهد مكلمبورغ، وشهد إحتفال تدشين وصول مياه نهر الكلب إلى حوض الأشرفيّة، إلى جانب الأمير عبد القادر الجزائري. وحل عم شاه إيران سنة 1881م في بيت آل حمادة، الذي نزل فيه سنة 1882م شاكر باشا متصرف البلقاء في طريقه إلى أزمير كما حل فيه سنة 1885م والي سوريا ناشد باشا.
يُذكر أن قاضي بيروت الشرعي محمد راغب أفندي الذي وصل بيروت سنة 1876م، نزل في دار مفتي المدينة الشيخ محمد المفتي الطرابلسي، في حين نزل القاضي يونس وهبي سنة 1895م في منزل عبد الرحمن العيتاني، أحد أعضاء محكمة الإستئناف، وحل المدعي العمومي سنة 1880م في دار عمر غزاوي. وفي سنة 1879م قدم بيروت الإمام القاضي القصبي شيخ الجامع الأحمدي في طنطا ونزل في دارعبد الرحمن وعبد الحميد العيتاني، ثم توجه إلى طرابلس وعاد ضيفاً في دار عمر غزاوي.
ومن كبار زائري بيروت السيِّد سليمان أفندي، نقيب السادة الأشراف في بغداد، فقد قدم من الشام قاصداً الذهاب إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وحل في بيت آل بيهم، كما حل في بيتهم عندما عاد من الحج سنة 1880م. ونزل السيِّد الشريف أحمد إبن الشريف عبد المطلب أمير مكة المكرمة سنة 1880م في دار محيي الدين وحسين بيهم. وفي السنة نفسها وصل والي سوريا أحمد حمدي باشا، فأعد بيت عمر غزاوي لإقامته.
ونزل الشيخ عبد الله الكردي وكامل بك، كاتب المابين الهيمايوني (كاتب السلطان) سنة 1883م في دار المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري. وعندما نفي الإمام محمد عبده إلى بيروت سنة 1882م، نزل في دار آل حمادة، وتزوج فيما بعد بإحدى بنات سعد عبد الفتاح آغا حمادة.
وكان لوجاء بيروت إعتقاد كبير بكرامات الشيخ علي العمري الطرابلسي، فكانوا يهرعون لإستقباله عند زيارته لبيروت وحلوله في دار عبد القادر الدّنا أو في دار الحاج إبراهيم الطيّارة وقد ظهرت على يديه كرامات كثيرة في البيتين المذكورين وفي حمام الدركه.
أما زيارة الأمبراطور الألماني غليوم الثاني وقرينته إلى بيروت، فكانت حدثاً مشهوداً، بالنظر إلى العلاقات التي نشأت بينه وبين السلطان عبد الحميد. وقد وصل بحراً في تشرين الثاني 1898م، ونزل نهاراً إلى البر، ويبيت الليل في يخته، وفي محطة سكة عاليه، لعب أمامه أربعة من شبان بيروت بالسيف والترس هم الحاج محمد العبد ومحمد عبد الغني العيتاني ومحمد الشدياق ومحمد الحنون، وهم في لباس اللعب. وقد سر الإمبراطور منهم وحيا كلاً بمفرده وأرسل لهم أوسمة. ومن الطريف أن نشير إلى أن الإمبراطور عندما مس سيوف الشبان، وجدها غير ماضية وسأل عن ذلك، فأجابه أحدهم محمد العيتاني: (نحن أصدقاء أحياء، فلا سيوف ماضية بيننا، وإنما إذا وجد العدو رأيت السيوف ماضية قاطعة) فأعجب الأمبراطور من هذا الجواب وسر من قائله.
وقد وعد الإمبراطور بإرسال صورته لتعلّق في القشلة الهمايونيّة تجاه رسم السلطان عبد الحميد. ووصلت الصورة سنة 1899م مرسومة باليد على قماش متين، محاطة بإطار مغشي بالذهب، يعلوه التاج الألماني طوله مترين وأربعين سنتم وعرض الإطار وحده ثلاثون سنتم، وطول الرسم متراً وسبعين سنتم، أي طول الأمبراطور واقفاً على قدميه، مكشوف الرأس، مرتدياً بزة عسكريّة بيضاء عليه رداء أرجواني، قابضاً على عصا المارشاليّة، بجانبه التاج الألماني وبيده حسام.
وتقضي الإشارة إلى الإستقبال الجماهيري الذي جرى للأمير فيصل الأول عندما وصل إلى بيروت سنة 1919م وشق موكبه الناس حتى منزل عمر الداعوق حيث حل ضيفاً.
نذكر أخيراً أن ولي عهد السلطنة العُثمانيّة وشقيقه عابد نزلا سنة 1924م في منزل بديع سوبرة في محلة المزرعة مع أنجالهما ووالدتهما وحرم السلطان عبد الحميد الثاني وعددهم تسعة عشر شخصاً.
أما المستشرقون الفرنسيون جيرار دو نيرفال ولامارتين وفلوبير ورينان، والروسي كريمسك، والأميركي فان دايك، والإنكليزي طمسن، وغيرهم، فقد نزلوا عند أصدقاء أو إستأجروا بيوتاً خاصة.