التطور في استخدام المسبحة والأحجار الكريمة
وشبه الكريمة وغيرها عبر التاريخ
على الرغم من أن للمسبحة في معناها اللفظي والاستخدامي صفة عربية وإسلامية واضحة إلا أن البحث عن الجذور التاريخية لها لابد أن يجرنا على الطريقة التي تعامل بها الإنسان مع الأحجار الكريمة وغيرها ضمن معتقداته منذ أقدم العصور . فمنذ آلاف السنين ، ومنذ أن كان الإنسان القديم يسكن الكهوف وعثوره بطريق المصادفة أو الحفر عن أحجار ملونة هنا وهناك فلابد أنها قد سحرته بجمالها وألوانها وبريقها. وهنالك دلائل آثارية قاطعة بأنه بدأ في تجميعها والتعامل معها بولع مفرط نظرا لندرتها وجاذبيتها التي سحرته وألهبت خياله.
إن من أقدم الأحجار والمواد التي استخدمها الإنسان قد عثر عليه في قبور ترجع إلى أكثر من 20 ألف سنة واحتوت على حبيبات من العاج والمحار والعظام المختلفة .
على ذلك فقد قام الإنسان القديم بصقل وتشذيب هذه المواد وتكوينها على أشكال مختلفة كالشكل الإسطواني أو الحبيبي (الخرزي) أو غير ذلك , ومن ثقبها أو خرقها وتجميعها وربط بعضها البعض بخيط . وكانت هذه هي الخطوة الأولى لفكرة القلادة بهدف التزين او التباهي ، ولعرض هذه الأحجار والمواد أمام الآخرين عن طريق استخدامها كعقود أو قلائد تعلق في العنق أو الزند وأحيانا في الأرجل .
ويبدو لنا أن فكرة تجميع هذه المواد على شكل سلسلة أخذت فيما بعد أبعادا روحية أو سحرية أو دينية . ولقد كشفت حفائر الحضارات الإنسانية الأولى التي نشأت في وادي الرافدين (السومريون) ووادي النيل (الفراعنة) عن استخدام أحجار مختلفة لأغراض دينية ودنيوية .
إذن لا بد من الإشارة أن فكرة المسبحة هي تطور طبيعي وحتمي من فكرة القلادة . إلا أنه من الصعب التحديد الدقيق الزمني من تحول استخدام القلادة كمسبحة لأغراض دينية ، بيد أنه يمكن القول والافتراض أن فكرة المسبحة بدأت عند السومريين قبل (5000) سنة ومن ثم انتقلت إلى بقية الحضارات الأخرى كالفرعونية والهندية والفارسية وغير ذلك من الحضارات اللاحقة .
ولم يكتف الإنسان باسنعمال هذه القلائد في حياته الدنيوية فقط بل تجاوز ذلك وعزم على استخدامها في حياته الأخروية أيضا . إذ دُفنت هذه العقود مع أصحابها في القبور انتظارا للبركة أو الجاه في الحياة الأخرى . ولقد شاع في الحضارات القديمة كحضارة وادي الرافدين أو وادي النيل وفي وادي الأردن (موقع Natufian) والحضارات السومرية والصينية والهندية استخدام العقود والأحجار لطبقات مختلفة من المجتمع ، فمنها ما استخدمه الأمراء أو الكهنة أو عامة الشعب ، ولقد برهن وجود اللقى الأثرية لقلائد وعقود الذهب واللازورد (Lapis Lazuli) والكورنيليان والفيروز والرخام والأميشت والكارنيت والعظام في مختلف الحضارات القديمة وبأشكال مختلفة ومتنوعة .
لقد استفاد الإنسان ايضا ولربما بالتجربة من تلك المواد التي تتصف بالديمومة أو تلك التي تكون عديمة التآكل أو تلك التي عرف عنها قوة الصلادة أو القدرة فضلا عما تخيله الإنسان ، كما الهب حسه بكون هذه المواد تتصف بالصفات الروحية أو الأسطورية أو ما تعلق منها بالخرافات الشائعة آنذاك سواء بالنسبة للرجل أو المراة على حدّ سواء .
إن لتطور المعتقدات الروحية والخرافات أثر واضح في لهفة إنسان الحضارات الأولية في مختلف البقاع والأصقاع على الاهتمام بتلك الأحجار حسب معتقداته ، بالخرافات والأساطير والمعتقدات الطبية القديمة ، فكان يعتقد أن للأحجار اللخضراء اللون تأثير بمنع الأمراض ، والحمراء لتخفيف النزيف والالتهاب، وحجر العقيق للقبول والاقناع وجلب الحظ ، والجمشت (أمشت) لمنع تراكم الشحم ، والملكيت للتخدير وللحماية ضد السحر ، وحجر الياقوت الأزرق كرمز للعفة وعلاج لفورات الغضب ، والفيروز للنصر وتبيان حالة الإنسان النفسية عند تغير ألوانه ، والكهرب أو الكهرمان لامتصاص الامراض من جسم الإنسان ولطرد الأرواح الشريرة ...... إلخ .
أما المرجان فكان له أهمية خاصة عند الحضارة اليونانية (الإغريقية) فقد وردت خرافات عنه أوضحت بأنه (دم متجمد) بعد أن سقط قطرة فقطرة من الرأس المقطوعة لميدوسا (إحدى الآلهة اليونانية القديمة) .
وكان للعقيق الأحمر فضل كبير عند الرومان حيث استخدم بكثافة وتم النقش والحفر على اسطحه الجميلة بكل اتقان وفن وكفاءة في القلائد والعقود والأختام والخواتم وغيرها .
كما شاعت لدى الفينيقيين ، وهم قوم انتشرت حضارتهم في بلاد الشام ولبنان خاصة ، عقود أشبه بمسابح اليوم تصنع من مواد مختلفة كالقواقع والطين والبذور والعاج والزجاج والأحجار الكريمة ، واستعملت في تلك الحضارة في كل مجال حتى دخلت مجال المقايضات والمبادلات التجارية بما هو أشبه بالعملات الثمينة في هذه الأيام ، وهناك من يعتقد أن المسبحة كأداة ظهرت عندهم أول ما ظهرت . وأبرز التاريخ أيضا اهتمام الإمبراطورية البيزنطية والرومانية بشقيّها الوثني والمسيحي ، باستخدام القلائد المشابهة للمسبحة لكافة الأغراض كما تم تطور مهم في هذه المرحلة إذ تم الإتقان النسبي لخرق وثقب الأحجار والمواد الأخرى , واستخدم السلك والخيط بوفرة فيها ، كذلك انتشر استخدام السلاسل المعدنية أو سلاسل المجوهرات والأحجار شبه الكريمة أو المواد الأخرى .
وبعد انتشار الدين المسيحي تعلق الرهبان والناس بالقلائد الدينية سواء ما علق منها بالرقبة أو ما استخدم باليد ومن مواد مختلفة ومستديمة ، كما كانت بعضاً من هذه القلائد تحوي على الصليب المسيحي ، وكان الرهبان يذكرون صلواتهم بها أو قد تصل بالبعض إلى تقبيلها والبعض الآخر إلى حد تقديسها ، وآخرون اتخذوها كمظهر من مظاهر الترهب والعبادة في الصوامع والمغاور والكهوف المنقطعة عن الناس . (انظر رابط المسبحة الوردية من الفهرس الرئيسي لزيادة الشرح)
ولقد حاول العديد من الباحثين تفسير أسباب استخدام الناس للقلائد الدينية . والواقع المستخلص قد تكون مرتبطة بالشعائر المتوارثة والمستخدمة آنذاك وقد تشمل العد والحساب أيضاً .
ففي الأنسكلوبيديا (الموسوعة) الأمريكية (Encyclopedia America , Ropschach Test - ,P. 786.) وتحت باب (Rosary) ورد أن استخدام الروزري (المسبحة) مشابه لاستخدام المسبحة في عد الصلواة أو لغرض التأمل الديني (Meditation) .
ولقد استخدمها الرهبان الأرثودوكس (Orthodox monks) بشكل عقد صوفية (Wool Knots) مؤلفة من100 أو 103 عقد من الصوف . وقد قيل أن العقد هذه تمثل عندهم صلاة أو دعاء المسيح (Jesus prayer) وبعض رهبانهم يرددون هذه الصلاة 12 مرة في اليوم ، ولم يشيع هذا التطبيق عند عامة الناس من فئة الأرثودوكس كما ذكر المصدر .
أما جماعة الكاثوليك الرومان (Roman Catholics) فقد جعلوا لهذه القلائد الدينية أو مسابح الصلاة عند اجراءات العبادة 15 مجموعة (Decades set) من الحبيبات الصغيرة ، مفصولة بخمسة عشر حبة كبيرة من بداية المجموعات وحتى آخرها . ويقال عندهم أن هذا الرقم يعود إلى أحداث أو حالات الإعجاز الخمسة عشر للسيد المسيح (Eventsor Mysteries ) . وقد قام بعض الأفراد باستخدام ثلث المجموعات (أي خمسة مجموعات) بكونها تمثل حدثاً واحداً أو للاختصار .
وعند جماعة سانت دومنيك في القرن الثالث عشر (وهي فرقة مسيحية) فقد طور عددالحبات إلى 150 حبة ثم اختصر العدد أوخفض إلى 15 حبة في القرن الخامس عشر ، واعتمد من قبل الكنيسة ، وبعد ذلك استخدمها بعض أفراد الكنيسة البروستانتية وإن لم يعرف الوقت الذي استخدمت فيه تماما .
عموما فإن بعض الناس من العامة من يعتقد أن تكوين المسبحة من 33 حبة يعود إلى عدد سنوات السيد المسيح إلا أن هذا الاعتقاد يشوبه كثير من الشك .
وقد قال البعض أن أصل المسبحة أو القلائد الدينية ورد من الهند Encyclopedia Britannica 1962, - Rosary, P. 786 وقد استخدمت من قبل الهندوس في الهند (Hindu) في سابق الزمان ، فعباد ديانة فشنو (Vishnu) استخدموها من مائة حبة ناعمة وصقيلة . أما عباد الالهة شيفا (Shiva) فكانوا يفضلونها ما بين 32 أو 64 حبة خشنة . والبعض من فئة البرهمة كانوا يحملون المسبحة سرا في حقيبة خاصة يدوية يضعون فيها الحبات. وقد أطلق في الهند على قلادة تسمى (Jain Rosary) اسم قلادة المعلمين وتتألف من108 حبات أو أي رقم من الحبات قابل للضرب ليصل إلى 108 حبات حيث تمثل الحبات المعلمون المقدسون وبخمسة ألوان ، (وقد يكون الرقم 5) و (و27 حبة) .
أما السيخ (وهم جماعة لديانة هندية) فقد جعلوها (Sikh Rosaries) تتألف من108 عقد صوفية أو من حبيبات الحديد وأحيانا جعلوها سوارا في المعصم يحوي 27 حبة . وفي بوذية المهانايا (Mohayana Buddhism) اتخذوا نفس عدد حبات السيخ وهو 108 ولكن لسبب مختلف . وفي نفس ذلك الوقت اتخذ رهبان التبت والصين (Tibet monks) السبح والقلائد بألوان مختلفة وحسب اختلاف الآلهة لديهم . كما استخدم البوذيون اليابانيون (Japanese Buddhists) قلادة عامة تتألف من 112 حبة . كما اتخذوا قلائد دينية أو قلائد أخرى للمناسبات . Encyclopedia Britannica 1962, - Rosary, P. - 549 .
ولغرض العد والحساب ولأغراض الحياة المختلفة فقد أبرزت الحضارة الصينية استخدام خاص للحساب بالحبات والخرزات حيث كانوا يستخدمون ما هو أشبه بحاسبة اليوم (وإن كانت لا تقارن) وتتألف من حبيبات منظومة في سلك وعلى شكل خطوط متوازية من هذه الأسلاك لغرض جمع الأرقام أو متوالياتها باستخدام الحبيبات .
أما العرب قبل الإسلام فلهم طريقة أخرى في الحساب والإحصاء , فكانوا يحصون ويحسبون عن طريق عدّ الحصى والأحجار للوصول إلى رقم معين (أي تكوين الرقم النهائي من عدد الحصى) وذلك لعامة الناس ، والواقع أنه بعد نزول الدين الحنيف والقرآن الكريم قال الله سبحانه وتعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها). إذن فالعرب استخدموا العد والحساب باستخدام عد حبيبات الحصى في بداية الأمر على الرغم من أنهم برعوا في علوم الحساب والجبر والإحصاء والمكتوبة في مرحلة لاحقة من تطور الحضارة العربية الإسلامية . كذلك فإن العرب قبل الإسلام عرفوا القلائد والعقود واستخدموها .
ومن هنا نجد أن المدخل إلى استخدام المسبحة في أيام الإسلام مناسبا . ونجد لزاما علينا أن نذكر أن استخدام المسبحة في الإسلام وسواء أكان قد أثرت عليه تطورات الحضارات الأخرى أو أنه ابتكر للمسلمين ، فهو استخدام لم يضر الدين الحنيف في شيء ، على الرغم من بعض المنتقدين له في مختلف القرون السابقة وإلى اليوم . لقد كان العرب قبل وبعد فجر الإسلام يختلطون بالأقوام الأخرى وحضارتهم خصوصا في مجال التجارة ، وكان لا بد من اكتساب بعض العادات والتقاليد شيئا فشيئا كما هي الحال اليوم عند اكتساب العادات والتقاليد الحديثة .
وعند بزوغ نور الإسلام ومبشره النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم كان المسلمون الأوائل مندهشون من عظمة الإسلام ومن سيرة النبي الكريم وسنته المباركة . وجل اعتقادنا أن المسبحون الأوائل كانوا يستخدمون القول سراً وجهاراً لتسبيح الخالق ، وقد يكون البعض منهم استخدم أصابعه للعد أو عد الحصى أو هكذا وكل ذلك للوصول إلى أعلى رقم ممكن في ذكر أسماء الله الحسنى أو توحيده أو ترديد التشهد ما أمكن ذلك .
ولقد تلاحقت التطورات بعد ذلك ، وقد قام المسلمون بالجهاد في سبيل الله والبدء في نشر الدعوة الإسلامية في كافة الأنحاء . لقد خرج الفاتحون الأوائل من بلاد قاحلة شحيحة إلى حضارات مبهرة آنذاك ، يدفعهم الإيمان الصافي المطلق والرغبة في التعلم ونشر الدعوة المحمدية الكريمة . وكان البعض منهم من كان يفضل في التعامل الفضة على الذهب والمجوهرات ابتغاء للتطبيق الصحيح للدعوة . إلا أنه وهناك ، وأمام جبروت الثراء وأساليب الحياة لمختلف الحضارات كالفارسية والبيزنطية واليونانية المتوارثة ، وقف بعض هؤلاء الفاتحين مندهشين مما رأوا في تلك الحياة وهم على حالهم من البداوة الخشنة . وقد روى البعض أن خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبكي كلما رأى جواهر الفرس وغيرهم ترد في جملة الغنائم ، خوفاً على قومه من هرم المدينة وفتنتها .
ولكن بعد مرور قرن واحد ما لبثت الأمور أن تغيرت ، وتغيرت بذلك نظرة الحكام وعامة الناس إلى أساليب الحياة ، وقد قيل أنه لم تكد سنة 126 للهجرة أن تأتي إلا وتضحى جوائز الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك (الخليفة يزيد بن عبد الملك - الخليفة الثاني عشر للخلافة الأموية في الشام "عام 126 هـ الموافق 744 م") لأحد الشعراء ملء فاهه جوهراً ، بفعل الإمكانات المالية التي أتيحت للناس آنذاك .
وفي العصر العباسي بلغت التطورات في تغير أساليب الحياة واستخدام المال والثروات للتمتع والتأثر بحضارات الأمم الأخرى حداً كبيراً . فلقد استخدم خلفاء بني العباس مختلف أصناف البشر في الوظائف العامة في الدولة مما ساعد على نشر العادات والتقاليد في مجال استخدام القلائد والأحجار الكريمة وشبه الكريمة لمختلف الأغراض ومنها المسبحة . وقد بلغ الحال أن حلت الأحجار الكريمة أحياناً محل الأوراق النقدية كالحوالات أثناء السفر في هذه الأيام . كما أتاحت عصور الترجمة الذهبية من الكتب اليونانية والفارسية والهندية القديمة والمتناثرة أصلاً بحضارة وادي النيل ووادي الرافدين وبلاد الشام إلى اطلاع الناس وتوسيع أفق مداركهم في كافة أمور الحياة . في تلك الفترة ، حيث هيأ عنصر الاطلاع والتحضر والعلم إلى حصول تطورات إضافية لما كان يستخدمه الناس . وبذلك استطاع المسلمون آنذاك من تطوير امكاناتهم في الابتكار والاستحداث لكافة ما يشغل بالهم في تلك الأيام في التطبيق لكافة التخصصات في الصناعة والطب والعلوم الرياضية والكيماوية وبقية العلوم الأخرى .
ولقد عرف الناس أثناء حكم بني العباس تفصيلات عديدة عن الأحجار الكريمة وشبه الكريمة وصناعتها إلى قلائد وأختام وخواتم ومسابح أو غيرها ، ولقد اشتهر أبو الريحان البيروني بكونه من أشهر علماء العرب في المواد والأحجار وخصوصاً في كتابه "الجماهر في معرفة الجواهر" .
وبناء على ذلك ، اقتنى الناس الأحجار والجواهر وكانت أهمها في ذلك الوقت الدر (اللؤلؤ الكبير) والياقوت الأحمر وما سمي البهرماني أو المشرق الرماني والأسمانجوني وهو أزرق والزمرد الذبابي والفيروز والمرجان والعقيق والجزع وإلى آخره في أصناف المواد الكريمة . بعد أن برعوا في صقلها وثقبها وتنظيم أشكالها .
وباستطلاعنا لبعض الكتب ، وجدنا أثر المسبحة مدرجاً في أوائل العصر العباسي ، فقد ذكر في بعض المصادر (كتاب مشهد الإمام علي (رض) في النجف . مؤلفته سعاد ماهر / عن دار المعارف في مصر / ص 188 / ص 189) أنه في السنة الثالثة للهجرة . ولما وقعت غزوة أحد وقتل فيها أقوى حماة الإسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، عم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وعظمت المصيبة على المسلمين وقد ناحوا عليه في كل مأتم ، وقيل اتسع الأمر في تكريمه أن صاروا يأخذون من تراب قبره يتبركون به "ويعملون السبحات منه" . والواقع لم نجد مصادر أخرى تثبت هذا الخبر .
وكذلك وبعد تطور نهج الإثني عشر فإن بعض الناس كانوا يصنعون من تربة الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه شهيد كربلاء (في العراق) ألواحاً وأقراصاً وحبيبات لغرض التبرك (عند منتصف القرن الثالث الهجري) . فقد جاء في كتاب الوسائل (نفس المصدر السابق / للشهرستاني ، الأرض والتربة الحسينية ، ص 179 / ص 182) عن الإمام الثاني عشر (عاش في حدود سنة 250 هجرية) أن الحميري كتب إليه يسأله عن لوح طين قبر الحسين هل فيه فضل ؟ . . فأجاب رضوان الله عليه يجوز ذلك وفيه الفضل ثم سأل عن السبحة فأجاب بمثل ذلك .
فالمسبحة إذن بدأت لأغراض دينية بحتة اشتقاقاً واستخداماً في العصر الإسلامي فقد ذكر بعض الناس ومنهم الشيخ البناني أن السبحة مشتقة من فعل التسبيح وهو تفعيل من السبح والذي هو المجيء والذهاب (في كتاب "تحفة أهل الفتوحات والأذواق في اتخاذ السبحة وجعلها في الأعناق" فتح الله البناني / طبع في القاهرة 1887 م) لأن لها في اليد مجيئاً وذهاباً ومأخوذة من قوله تعالى ((إن لك من النهار سبحاً طويلاً)).
وفي العصر العباسي وما تلاه من الحكم الإسلامي في بلاد الأندلس ومن ثم في فترات حكم المغول والبويهيون والسلاجقة ، وانتقال الحكم للفاطميين والمماليك في شمال أفريقيا . انتشرت طرق الحركات الصوفية وحركات الدراويش والدروشة واتباع هذه الطرق يحملوها ويتبركون بها ويعدون بها أسماء الله الحسنى وأثناء التشهد يحملونها أيضاً في تجمعات الذكر والتهليل ، وكانت تتكون من العظام أو الخزف أو الأتربة المعجونة والأخشاب والصدف ، وبعض مسبحاتهم تتألف من 99 حبة زائداً الفواصل والمنارة والبعض الآخر يتألف من ألف حبة وقد تصغر الحبات أو تكبر حسب التقاليد السائدة في كل مرحلة ، ويعتقد بعض اتباع الصوفية أن المسبحة تفيد في عدم النسيان أو تعزز الانتباه ، وتفيد في العد خصوصاً بالنسبة للذين يذكرون أسماء الله الحسنى . ولقد تطور استعمال المسبحة آنذاك حتى انتقل حملها باليد اثناء المجالس الخاصة بالصوفيين وأحياناً إلى العنق أثناء التجوال أو بعد الانتهاء من الصلاة والتسبيح . ولا زال منظر الصوفي أو صاحب الطريقة والذي يعلق مسبحته في عنقه ماثلاً إلى هذا اليوم ماثلاً في مصر والعراق والمغرب وتونس إلخ . . .
ولقد ازداد انتشار المسبحة أثناء عهد الحكم العثماني وفي النصف الثاني منه بشكل كبير ، وخصوصاً في تركيا والعراق وايران ومصر وبلاد الشام وبعد أن دخلت المسبحة الدينية سواء تلك المختصرة الى 33 حبة ( أي ثلث المسبحة ) 0وبعض مواد انتاجها كان متوفر محليا والبعض الآخر يستورد ويطلب تصنيعها مثل مسابح الكهرب التي كانت تستورد من المانيا أو غيرها .
وفي بداية هذا القرن والى وقتنا الراهن وبعد التطور الصناعي الكبير وازدياد الثروات ,انتجت المسابح بشكل كبير ومن مواد متنوعة قد تنوف على المئة ، وخصوصا من المواد الرخيصة ،ودخلت في مجال تصنيعها أمم وشعوب جديدة ،مثل دول الشرق الأقصى وأوربا وأمريكا الشمالية والجنوبية والصين والهند ودول أفريقيا حتى أن البعض شبهها باقرب مايكون إلى الهجمة الخارجية في تصنيع المسابح بسبب ازدياد تصنيعها في خارج المراكز الإسلامية .
واليوم قد لا تعد المسبحة مظهلرا أو مسلكا دينيا بل أصبحت عادة اجتماعية في بعض المناطق وهدايا ينقلها الحجاج وفي بعض الأحيان يقدمها الناس العاديون إلى آخرون كسبا للمودة أو المنفعة .
ولم يعد ضروريا أن تكون صفة ملحوقة للمسلم ،بل أصبح المسيحي أو أصحاب الديانات الأخرى يستخدمها أيضا ،وأحيانا يستخدمها بعض الأروبيين كاليونانيين وغيرهم من الأجانب .فهي تفيد في أغراض شتى وخصوصا لهؤلاء الذين لا يرون فيها ضيرا وقد يرون فيها خيرا .