أسباب إنتقاء المواد لصنع المسبحة
تختلف الأسباب التي تؤدي إلى إنتقاء أو اختيار نوعا معينا من المواد إلى نوع آخر ، وخصوصا في الوقت الراهن ، على الرغم من عدم إمكانية فصل أسباب الإنتقاء بشكل محدد ، إذ يمكن أن يكون سبب الإنتقاء والاختيار واحدا أو اثنين أو كل الأسباب مجتمعة مع بعض . كما أن سبب الإنتقاء لتصنيع عناصر مواد المسبحة قد يختلف من زمن لآخر وقد يكون ، في بعض الأحيان ، الاستمرار في الصناعة لبعض المواد نظرا لارتباط الناس وحسب قناعاتهم بهذه المادة او تلك دون الأخرى .
أ - أسباب دينية ، قدسية ، عقائدية أو موقعية :
لقد أدت هذه الأسباب في بداية الأمر إلى تصنيع المسبحة من مصادر لها قدسية خاصة كما أن عناصرها في عهد الإسلام وعدد قطعها أصبح لها طابع خاص برقم مميز . فكما أشرنا آنفا ومنذ العصر العباسي (بالنسبة للمسبحة الإسلامية) فقد اختار الناس صناعة المواد للمسبحة من تربة النجف أو كربلاء سواء بلون التراب الطبيعي أو المصبوغ باللون الأسود أو المصنع على شكل حبيبات خزفية . كذلك فقد تم اختيار مادة اليسر من البحر الأحمر وتصنيعها قرب مكة المكرمة ، فضلا عن استخدام الصدف أو خشب أشجار الزينون ونواة الأثمار من مناطق قرب مدينة القدس المشرفة ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، لتصنيع واختيار مواد المسابح قرب المراكز الدينية . وكذلك الحال بالنسبة للعقائد الصوفية وأصحاب الطرق وحركات الدروشة إذ اختيرت المواد التي تحمل طابع تقشفي مثل العظام والاخشاب والصدف والقواقع وغيرها نظرا لطبيعة العقائد لهؤلاء القوم . فظلا عن أعلاه ولغرض التسبيح فقد تحدد حجم وعدد حبات المسبحة حسب نوعية المستخدمين ، إذ أن عدد حباتها تحدد بعدد أسماء الله الحسنى (99 حبة زائدا الملحقات) والبعض من الناس من أتباع الطرق الصوفية أوصلها إلى (1000) حبة أو يزيد .
عموما ، اقتضت الحال على ما نطلق عليه اليوم (بالمسبحة الدينية) أن تكون عناصرها من الحبات الصغيرة الحجم ، المتوسطة الوزن وبحدود 80 غراما كمعدل عام ، وإن كانت هنالك استثناءات لذلك ، وان ألوان المسبحة فيها صفات الوقار وعدم اختلاط الألوان ، وفي معظم الأحوال سيادة ألوان معينة كالأسود والأبيض أو ألوان المواد الطبيعية في الأرض وغيرها .
ب - أسباب تتعلق بنوعية المادة ومواصفاتها بالنسبة للوزن النوعي والصلادة :
ولغرض جعل حمل المسبحة باليد وتحريك حباتها بالأصابع مريحا فقد اتجه الصناع إلى استخدام بعض المواد التي لها خاصية ذلك ، مثل مواد الكهرب واليسر والصدف والأخشاب الثمينة كالصندل والأبنوس وكذلك مادة العاج والعظام والخ . . . . . حيث يستطيع الصانع انتقاء هذه المواد وتصنيعها بأحجام حبات صغيرة أو كبيرة أو حسب الطلب . أما المواد الحجرية الأصل أو الأحجار الكريمة وشبه الكريمة والمرجان وغيرها فإن هذه المواد وعند التصنيع تلزم الصانع بناحيتين ، الأولى : أنها نادرة الوجود في أحجام كبيرة في معظم الأحوال ، والثانية : أن وزنها النوعي يحدد أحجام الحبات ويجعلها على نمط حبات صغيرة حفاظا على الوزن النهائي والاجمالي لقطع المسبحة بحيث تكون سهلة التعامل يدويا ولا تشكل ثقلا على اليد المستخدمة موفرة الراحة التامة. بالاضافة إلى الكلفة المفترضة إذا كانت من النوع الثمين .
أما في الوقت الراهن فقد أمكن استنباط مواد مركبة جديدة مصنعة او مخلوطة وبالتالي أمكن التحكم بمسألة الانتاج بحيث أمكن انتاج مسابح ذات صفات شكلية مشابهة وأصبح بالامكان تلافي قضية الوزن النوعي ، على أن وجه المقارنة غير ممكنة بسبب اختلاف المنتوج الصناعي عن الطبيعي من حيث الكلفة .
جـ - أسباب الانتقاء لمواد جرت العادة على استخدامها للصناعة :
لقد اعتمدت بعض المجتمعات العربية الإسلامية على أنواع من مواد المسبحة فالحجاج لمكة تعودوا على شراء مسابح اليسر بأنواعه او المرجان وقام الصناع على انتاجها من تلك المواد . والطلب المعتاد على المواد المرغوبة في تركيا الزم تصنيع بعض المواد المتوفرة فيها محليا مثل حجر الأرض روم الأسود وحجر النارجين البني (وكلها متحجرات خشبية ذات وزن نوعي ملائم) كذلك انتجت المسبحة من مواد لها قيمة تاريخية ومعنوية كمادة الكهرب في استانبول والمانيا ومصر حيث اعتاد الناس على توقير هذه المادة لما لها من وزن مناسب ورائحة تنبعث عند الدعك ومعتقدات أخرى . وبعض الناس من تعود على تصنيع المواد ذات الاصل الحجري أو النباتي والخشبي والأمثلة هنا ليس لها حد .
د - أسباب الطلب حسب حالة المجتمع الاقتصادية :
لغرض تلبية بعض الطلبات الخاصة من الأثرياء أو الحكام فقد انتقيت بعض المواد الثمينة وأحيانا الثمينة جدا كالزمرد والياقوت والامشست والمرجان واللؤلؤ والكهرب والفضة والذهب والعاج وعين النمر واللابيس لازوليه وقائمة طويلة من نفائس الحجر والمواد ، تلبية لرغبة وجهاء القوم ، خصوصا في هذه الأيام إذ لم يترك حجر او مادة لم تصنع منها المسبحة .
وبودنا القول هنا أن المسبحة دخلت إلى عالم الهدايا المقدمة والمناسبات لمختلف طبقات الناس ، سواء الغنية منها أو الفقيرة وإن كان طلب الغني أكثر تكلفة من الطلب الآخر . وقد اعتاد بعض الناس في الآونة الأخيرة على انتقاء مواد لم تكن معتادة على تصنيعها لغرض تقديمها كهدايا ومن عناصر نادرة كمادة قرن الخرتيت (وحيد القرن) ومادة البخور المعجون والذهب وبعض أنواع الأحجار شبه الكريمة والكريمة وغيرها مما أضفى على صناعة المسبحة طابعا جديدا .
هـ - الانتقاء لمواد ارتبطت بالأساطير والخرافات والطب القديم :
منذ القدم ارتبطت سمعة بعض المواد بالأساطير ، فمادة الكهرب لها قدرة على شفاء بعض الأمراض ، ومادة اليسر تطرد الهم ، والفيروز للشجاعة ، والعقيق لشفاء الجروح وطرد السموم ، والمشست لازالة الشحوم من البدن والخ . . . . . . . من الأساطير والخرافات . إن ذلك جعل لبعض المواد سمعة خاصة وبالتالي افرد لها طلب خاص في بعض المجتمعات ، ومن الغريب أن نجد في هذه الأيام وفي عالم اليوم الصاخب من لا يزال يؤمن بهذه الأساطير ويسعى إلى اقتناء المسابح التي تتكون من مواد خاصة يعتقد بها ويؤمن بها إلى حد الهوس أحيانا . (موقع الأرقام لا يستبعد أن تكون هنالك بعض الحقائق والصحة فيما يروه ويعتقده الناس من فضائل هذه الأحجار الكريمة التي هي هبة من الله وفرها لهم في هذه الأرض) .
و - الانتقاء للمادة حسب جمالها وشكلها في الطبيعة أو حسب ندرتها أو سهولة أو صعوبة تصنيع المواد الطبيعية :
من الواضح أن لهذا العامل تحديد مهم في عملية انتقاء المواد في الزمن السابق فكان الطلب كبير على المواد الحجرية والحيوانية وخاصة تلك التي لها جمال طبيعي يتحسن بالصقل والشطف ، إلا أن ندرتها أو صعوبة تشكيلها كان عائقا أمام تصنيع المسابح منها بيد أن تطور الأوضاع في القرن الحالي وتغير تكنولوجيا الصناعة والتعدين أتاح فرصا جديدة لم تكن متاحة في السابق . فالعلم طوع الاستخراج وتصنيع الأحجار بالشكل والكم والنوع المطلوب ، بل وشمل ذلك المواد الرخيصة أو المواد المركبة كيماويا واليوم تنتقي الأحجار والمواد وتنتج بأساليب حديثة ومبتكرة لم تخطر على بال ، وحيث أخذت مسابح اليوم شكلا متقنا ولم يعد صانع المسبحة يقلق تجاه موادها طالما توفر الطلب عليها ، بل قام بعض الصناع بابتكار أو انتقاء مواد جديدة لم يذكر التاريخ ان المسبحة قد صنعت منها على الاطلاق .